الجريدة اليومية الأولى في البحرين


مقال رئيس التحرير


جلالة الملك ورسالته إلى الإعلام الغربي

تاريخ النشر : الخميس ١ مارس ٢٠١٢

أنور عبدالرحمن



حين التقى جلالة الملك الإعلاميين العرب المشاركين في الملتقى الإعلامي للشباب المنعقد في البحرين، تحدث حديثا صريحا مباشرا بعيدا عن الأحاديث البروتوكولية الرسمية.
جلالة الملك في حديثه وجه رسالة واضحة إلى كثير من أجهزة الإعلام الغربية والإعلاميين الغربيين الذين أساءوا إساءة بالغة إلى شيعة البحرين. ولاحظ جلالته -عن حق تام- أن التغطية الإعلامية الغربية المضللة التي تتعمد تشويه الحقائق في البحرين ألحقت أذى شديدا بمشاعر قطاع كبير من الشيعة المخلصين لوطنهم. وأكد سموه -عن حق أيضا- أن هذا القطاع الكبير من أبناء شعبنا قد أسيء إليه وإلى مواقفه الوطنية عبر صحفيين وإعلاميين غربيين اكتفوا بتقديم آراء ومواقف وتصرفات مجموعة محدودة من المحرضين.
صحيح أن التصرفات اللامسئولة لهذه القلة من المحرضين قد ألحقت أذى شديدا بكل مواطن ومقيم، لكن المؤكد أن الإعلام الغربي فشل فشلا ذريعا في السعي لمعرفة حقائق الأوضاع في البحرين وتقديمها للرأي العام.
والحقيقة أننا في الصحافة الوطنية البحرينية، وفي كل مرة نلتقي فيها صحفيين غربيين يزورون البحرين، نشعر أنهم غير مهتمين على الإطلاق بالاستماع إلى الأصوات العاقلة الحكيمة. كل ما يهم هؤلاء هو تقديم الجوانب السلبية والمثيرة فقط، التي يظنون أنها هي التي يمكن أن تجذب قرّاءهم ومشاهديهم.
وأحد الأمثلة البارزة على ذلك ما فعله أليكس كراوفورد مراسل محطة «سكاي نيوز». هذا المراسل وكثير غيره من المراسلين الغربيين دخلوا البحرين خلال الـ12 شهرا الماضية، وعادوا ليقدموا صورة مضللة عن الوضع في البحرين. والأمر الذي أذهلنا حقا في الصحافة الوطنية البحرينية، أن رؤساء هؤلاء في مؤسساتهم الإعلامية لم يبذلوا أي جهد كي يتحققوا من صحة ومصداقية التقارير التي كتبوها عن البحرين.
من الواضح أن أجهزة الإعلام الغربية تعاني في الوقت الحاضر من خلل جسيم. يكفي أن نشير مثلا إلى الممارسات الفاسدة التي تورطت فيها صحيفة الـ «صن» البريطانية التي يملكها مردوخ، وهي الممارسات التي يجري التحقيق فيها حاليا. وقد وصل فساد الصحيفة، بحسب المعلومات التي أعلنت حتى الآن، إلى حد دفع أموال طائلة لرجال بوليس ومسئولين حكوميين وموظفين كبار من أجل الحصول منهم على معلومات مضللة مشكوك في صحتها.
من الواضح أن الصحافة البريطانية تعاني أزمة عميقة، وخللا جسيما. وبالنسبة إلى بلد مثل بريطانيا، تعتز دوما بالحريات الممنوحة للسلطة الرابعة، وبتراث صحافتها في المصداقية وبسمعتها السابقة الطيبة، فإن ما وصل إليه حال الصحافة على هذا النحو لا يعتبر صدمة فحسب، بل إنه يهدد بتشويه سمعة كل صناعة الإعلام في بريطانيا.
بالطبع، لا يمكن أن يدلي جلالة الملك برأي ما لم يكن متأكدا من صحة ما يقول مائة بالمائة. جلالته قارئ جيد ومعروف حرصه على الإحاطة بالمعلومات الدقيقة.
ومعنى هذا أن جلالته حين أدلى بهذا الرأي الصريح أمام الإعلاميين العرب بشكل واضح على هذا النحو، فهذا مؤشر واضح على مدى انزعاج جلالته مما يفعله الإعلام الغربي، في وقت تسعى فيه البحرين إلى التعافي ومعالجة الآثار التي خلفتها الاضطرابات.
أن يحرص جلالته على توجيه هذه الانتقادات العلنية الصريحة إلى الإعلام الغربي وإلى تقاريره المضللة عن البحرين، معناه أن مصداقية هذا الإعلام قد وصلت إلى الحضيض.
إننا نعلم أنه ليس هناك علاج سريع يلوح في الأفق يمكن أن يدفع الصحافة البريطانية إلى تغيير مواقفها الظالمة المضللة هذه. لكننا نعلم أنها إن لم تفعل ذلك.. إن لم تغير مواقفها هذه، فإن سمعتها ومصداقيتها في أعين الكل سوف تتدمران تماما.
الحقيقة المرة أن كثيرا من الصحفيين الغربيين حين يدخلون بلدا أجنبيا، ويقضون فيه بضعة أيام أو حتى ساعات، يعتقدون أنهم أصبحوا خبراء في شئون هذا البد وأصبحوا ملمين بكل كبيرة وصغيرة فيه، ويعطون لأنفسهم الحق في إصدار الأحكام. هذا الاعتقاد في حد ذاته هو قمة الجهل والسذاجة.
وبالنسبة إلى بلد منفتح مثل البحرين، أمام هؤلاء الصحفيين خيارات كثيرة إذا أرادوا فعلا تحري الحقيقة فيما يجري. بمقدور هؤلاء مثلا أن يلتقوا مواطنيهم من الأجانب المقيمين في البحرين ويسعوا لمعرفة رؤيتهم وتقييمهم لما يجري. لو فعلوا هذا، فسوف يساعدهم كثيرا في تحري الحقيقة ومعرفة حقيقة الأوضاع قبل أن يعودوا ويكتبوا تقاريرهم، وخاصة أن المقيمين الأجانب لهم آراؤهم المستقلة والمعرفة بأوضاع البلاد.
ولنا أن نسأل: كم من هؤلاء الصحفيين حرص فعلا على إجراء لقاءات مع الأجانب المقيمين في البحرين وعلى معرفة تقييمهم للأوضاع ورؤيتهم لما يجري؟
لقد سألت شخصيا عددا كبيرا من المواطنين البريطانيين الذين أعرفهم عن ذلك، وجميعهم أجمعوا على أنه لم يتصل بهم أي من هؤلاء الصحفيين أو يطلب لقاءهم. وفي رأيهم أن هؤلاء الصحفيين لا يهمهم أصلا معرفة الحقيقة. كل ما يهمهم هو فقط تغطية التحريض والتخريب، على اعتبار أن هذا هو الذي يرضي قرّاءهم ومشاهديهم المولعين بالعنف وأخباره.
إزاء هذا، نحن للأسف لا نملك إلا أن نخاطب المسئولين الكبار عن هذه المؤسسات الإعلامية، وأن نطلب منهم أن يفكروا بعمق وبجدية في مدى الضرر الذي يلحقونه بالدول والشعوب الأخرى.
ومن المفروض أن يدرك هؤلاء أن سمعة أي مؤسسة إذا تشوهت وتدمرت، فإن إصلاح هذا الضرر واستعادة سمعة المؤسسة يحتاجان إلى عقود من الزمن. وهذا هو ما حدث مثلا للمؤسسات المصرفية الغربية.