الجريدة اليومية الأولى في البحرين


قضايا و آراء


من أعطاكم الحق في معاقبتنا؟

تاريخ النشر : الخميس ١ مارس ٢٠١٢



أقول لهم: إن المتظاهرين غير سلميين، وهذا يضر بهم وبنا وبالبلد كله، لأنهم يحولون بعض القضايا المطلبية المشروعة إلى هوجة فوضوية لا مبرر لها، لتصبح قضية أمنية تستدعي الضبط والتصدي لها بحكم وظيفة الدولة، أي دولة في العالم.
قالوا: إنها مجرد حركة سلمية مطلبية تواجه بالقمع.
قلت: حكاية السلمية انكشفت حقيقتها، وأصبحت مدعاة للسخرية، فأصحابكم يسدون الطرق، ويحرقون حاويات القمامة، ويؤذون بذلك الناس وخاصة المرضى والأطفال وكبار السن منهم، ويعرقلون حركة السير ويتسببون في تعطيل الناس، ويؤثرون سلبا في اقتصاد البلد، ويحولون البحرين إلى بيئة طاردة للسياح وللاستثمارات ومنفرة للبنوك والشركات الكبيرة والصغيرة، ويؤثرون بذلك سلبا في تجار البلد وفقرائه على السواء، بل في كل الناس فيه بلا استثناء، كأنهم يأخذون البلد رهينة بأنانية غير مسبوقة، يحجزون العباد والبلاد ويحشرونهم في الزاوية لابتزاز السلطة.
ويردون بالقول: إنك تصر على قضية واحدة تكررها كل حين في مقالاتك وفي كلامك، ولا تكف عن هذا الحديث الذي يضر بك ويجعل الكثير من الناس يكرهونك ويناصبونك العداء، الآن لا أحد يتكلم في هذا الموضوع غير قلة أنت واحد منهم، ثم لماذا تنظر إلى أخطاء الناس ولا تنظر إلى أخطاء الحكومة؟ أنت لست منصفا، ألا تنظر إلى الحكومة ماذا تصنع؟
وبكل ألم أقص عليهم جزءا من معاناتي، وهي معاناة الكثيرين، بل إن معاناة الآخرين تفوقها بمرات، أقول لهم: حين أخرج من محل سكني بمدينة عيسى قاصدا بيت والدي بقرية جدحفص وخاصة في عطلة نهاية الأسبوع أقاسي الأمرين كي أتمكن من الدخول إلى تلك المنطقة وسط الكر والفر والتراشق بالحجارة والمولوتوف ومسيلات الدموع، بينما «الزرانيق» مسدودة بحواجز النار المشتعلة في الإطارات وحاويات القمامة أو مقطوعة بجذوع النخل والأشجار، وحين أفلح في الوصول إلى بيت الوالد قد لا أفلح في الخروج منه إلا في وقت متأخر، وحين أخرج منه أخرج مغامرا وسط رفض الوالدة والأهل لهذه «المغامرة» غير المأمونة العواقب، كأني سأدخل في حرب أو أعبر حقل ألغام، وكم مرة أفاجأ بحائط من الطوب والخشب والحجارة والأثاث التالف يسد الطريق أمام البيت مباشرة فاضطر إلى إزالته أو إزالة جزء منه على الأقل كي أواصل طريقي، وأتساءل وهذا حقي: من أعطاكم الحق في تعطيل الناس وإيذائهم؟ وأي دين يرضى بذلك؟ وأي عرف يوافق ذلك الفعل؟ وأي قانون يسمح به؟ وأي دولة تسمح بذلك في العالم كله؟ أجيبوني يرحمكم الله.
وهم يجيبونني: لست الوحيد المتضرر وعليك وعلى غيرك الصبر انتظارا للنصر الذي سيتحقق يقينا على أيدي الثوار، فلا أحد يتكلم الآن، إنها «الثورة»، لقد راحت أرواح من أجل هذا الشعب وكرامته، وكيف نسمح للشرطة باقتحام قرانا ومدننا وهذه الحواجز التي تشتكي منها حضرتك هي لمنعهم، فلا تكن أنانيا.. الناس راضون من أجل الأهداف السامية، ومن أنت كي تعترض؟ ألا ترى الحكومة ماذا تصنع؟
أقول لهم: الأهداف الشريفة تستلزم وسائل شريفة أيضا، وقد تعلمنا منذ الصغر أن الغاية لا تبرر الوسيلة، وذلك مبدأ ديني وأخلاقي، فما الذي تغير أيها الأحبة؟
يجيبونني: هل أنت أفقه من آيات الله وأصحاب السماحة والفضيلة في البحرين والعراق وإيران ولبنان الذين يؤيدون «الثورة» البحرينية ويدعمونها؟ وهل أنت من يعلمهم تكليفهم الشرعي؟ وهل يخطر لك أنهم أيدوها من فراغ؟ وهل أنت أحرص على هذا البلد من الحقوقيين الذين يؤيدون «الثورة»؟ئ ثم ألا ترى الحكومة ماذا تصنع؟
أرد عليهم بأربع نقاط:
النقطة الأولى: كلنا بلا استثناء آيات لله سبحانه وتعالى، وقد لا تعطونني الحق حتى في الكلام المجرد عن «رمز» من الرموز التي لا تناقش فيما تقول وتفعل، لكني إنسان مسلم مواطن ولي كامل الحق في قول رأيي عن كل من يتصدى للشأن العام ويدعي خدمة الناس أو الدفاع عنهم وعن مصالحهم سواء أكان «آية عظمى» أم «آية صغرى» أم «فضيلة» أم «سماحة» أم كان واحدا من «الأفندية» الذين ينبتون كالفطر في القنوات الفضائية الإيرانية والعراقية تحت مسمى «ناشط حقوقي أو سياسي بحريني»، ومن يروم السلامة من النقد أو الانتقاد فليلزم بيته ولا يدع الدفاع عني ولا عن غيري، وسوف يعد الكلام عنه حينها «غيبة» محرمة.
النقطة الثانية: وهبنا الله العقول كي نفكر بها ونحن مسئولون أمام الله وثم أمام أنفسنا وأمام وطننا وأجياله وتاريخه، ولسنا بحاجة إلى من يفكر بالنيابة عنا أيا كان، كما لا يمكننا تكذيب أنفسنا وتصديق الآخرين، والمقياس هنا قول أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام وكرم الله وجهه: «يعرف الرجال بالحق، ولا يعرف الحق بالرجال».
النقطة الثالثة: إن كانت الحجة هي فتاوى «الآيات»، فهناك من هو أغزر علما وأرفع مقاما يرى حرمة ما يحله «شيوخ السياسة» و«حقوقيو الأحزاب»، والأمثلة على ذلك كثيرة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما يقوله سماحة الشيخ سليمان المدني، وما يذهب إليه سماحة الشيخ محمد مهدي شمس الدين، وما يراه سماحة السيد محمد حسين فضل الله وغيرهم كثيرون.
النقطة الرابعة: إن كثيرا ممن يحسبون أنفسهم زعماء وقادة ورموزا هم في الواقع لعب، وقطع شطرنج، يتم تحريكها وتسكينها وتغيير مواقعها بما يخدم أعداء الأمة الذين لبسوا لبوس الصداقة وجاءوا في ثوب الديمقراطية وحقوق الإنسان وهم أبعد ما يكونون عنها، والأمثلة والشواهد على ذلك قريبة وكثيرة (ومنها علاقة «المعارضة» بالولايات المتحدة الأمريكية وهو أمر موثق ولا ينفيه الطرفان).
ثم يكررون علي القول: أنت تنتقد أعمال «المعارضة» ولا تقدم لنا البديل، ألا ترى الحكومة فعلت كذا وتركت كذا؟ وأرد عليهم: أنتم مطالبون بتقديم البديل السلمي الذي يروم خير البلد ولا يؤخرنا وإن لم تقدروا فعليكم بالصمت، وإذا كانت الحكومة مخطئة فأصلحوها ولا تكن أخطاؤها قدوة لكم إن كنتم مصلحين، فالأخطاء لا تواجه بالأخطاء، وأرجوكم اسألوا أنفسكم: ما ذنب الناس الذين نعاقبهم يوميا بحجة أخطاء الحكومة؟