السياسة هي جملة النظم والطرائق والقرارات من أجل صالح المجتمعات البشرية لقيادتها وتسيير أمورها وفق الموارد المتاحة، وهي فن عظيم وعلم كبير يحتاجان إلى مواصفات كبيرة ومتميزة وهذا ما عبر عنه معاوية بن أبي سفيان أول خلفاء بني أمية بما يراه بقوله (لو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، إذا أرخوها شددتها، وإذا شدوها أرخيتها)، وهو دلالة على المرونة والتكيف، كإحدى المواصفات العامة في العمل السياسي العام.

والفكر السياسي هو جملة النظريات العامة والأصول العامة أو الكليات الكبرى المؤسسة مثل نظرية الحقوق والواجبات والعدالة والمساواة والحرية والنظم الدستورية والسياسية والشورى ونظريات الحكم المعاصرة وهيكلة المؤسسات الدستورية وغيرها من المعارف والأنظمة والأفكار.

والحق أنه تركت وفاة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) فراغا سياسيا عظيما في حياة المسلمين، حيث ساد الجدل والاختلاف في هوية من سيخلفه (صلى الله عليه وآله وسلم)، في ولاية أمر الأمة وأمر المسلمين، وبعيدا عن موارد الخلاف في هذا الرأي، فإنه تمت محاولات عديدة بين المسلمين في تلك الفترة لمعالجة الفراغ السياسي ونستطيع أن نطلق عليه السابقة الأولى أو أول سبق للتفكير السياسي الإسلامي.

لقد أسهم علماء المسلمين في وضع تصورات ونظريات سياسية مستوحاة من اجتهاداتهم ومن وحي الشريعة الغراء كفلسفة وأصول للحكم.

ومن هؤلاء العلماء أبوالحسن الماوردي، علي بن محمد، مصنف كتاب (الأحكام السلطانية) الذي يذهب الكثيرون إلى أنه هو المؤسس الأول للنظرية الدستورية الإسلامية.

فقد وضع أسس قواعد الدولة وما تكون عليه وأساس الخلافة الشرعية كحاكمية دينية واجتماعية ويرى أن أمر الدنيا لا يستقيم إلا بست قواعد أساسية: أولاها الدين المتبع، وثانيها وثالثتها السلطان العادل ؟ والخلافة الإسلامية، بما يحقق أسس العدل والحق والمساواة، ورابعتها الأمن العام، وخامستها الخصب الدائم، وسادستها الأمل الفسيح (دراسات في تاريخ الفكر السياسي، عزيزة سبيني).

ومنهم العلامة الموسوعي مؤسس علم الاجتماع عبدالرحمن بن خلدون فهو يرى أن السياسة القائمة على العلمانية خراب للناس وضياع لمصالح الدين وقتل لجوانب الأخلاق والضمير وتأجيج للأنانية والمصلحة الفردية وغياب المصالح العامة الاجتماعية.

وهو يذهب إلى أن السعادة في الدنيا والآخرة بالامتثال للأحكام الشرعية التي هي سبيل النجاة للمصالح العامة والخاصة.

في نظرياته السياسية والاجتماعية ونظرية العمران والمجتمع الإنساني يحث على السيادة الإسلامية (حكاما ومحكومين)، وما الخلافة إلا حراسة للدين وسياسة للدنيا ورفض مطلق للحكم الديني العلماني الشهواني (التأصيل الإسلامي لنظريات ابن خلدون، د. عبدالحليم عويس).

وذهب ابن حزم الظاهري الأندلسي إلى وجوب الإمامة وعلى الأمة أن تنقاد لإمام عادل يقيم شرع الله ويطبق أحكام شرع الإسلام.

وبالجملة بعد استعراضنا مجمل آراء علماء المسلمين يتبين أن ثمة فكرا إسلاميا سياسيا عظيما قال به المجتهدون وأطروا له في مصنفاتهم المختلفة.

وعلى هذا الأساس فإن جل التنظيمات الإسلامية السياسية الحديثة والمعاصرة انطلقت أيديولوجيتها من الفكر السياسي الإسلامي الذي أطره الفقهاء المسلمون.

وقد ازدهرت في العصر الحديث الكثير من التيارات الإسلامية السياسية المختلفة وهي تعد نواة للتفكير السياسي الإسلامي، ومرحلة تنفيذية له على أرض الواقع وبخاصة الأحزاب الحركية الجهادية منها.

وقد مثلت حركة الإخوان المسلمين في مصر أحد أشهر التنظيمات الإسلامية السياسية في الوطن العربي، وقد بدأ نشاط الإخوان المسلمين كحركة سياسية تعنى بالإصلاح الاجتماعي والسياسي، وقد أسسها الإمام الشهيد حسن البنا عام ١٩٢٨م.

وقد وصف حسن البنا جماعته بأنها جماعة إصلاحية شاملة تفهم الإسلام فهما شاملا وتشمل فكرتهم جميع نواحي الإصلاح، وانها دعوة سلفية وطريقة سنية وحقيقة صوفية وهيئة سياسية وجماعة رياضية ورابطة علمية ثقافية وشركة اقتصادية وفكرة اجتماعية، (موقع ايكوبيديا).

وبهذا استطاع الإخوان المسلمون أن يؤسسوا كيانا سياسيا يلبي طموحاتهم في الحكم والإدارة، إلى جانب ما يختزله هذا الكيان من أهداف عقدية واقتصادية واجتماعية وترفيهية رياضية، وهو بذلك أسس لما يسمى الآن المكاتب والمؤسسات التابعة للكيانات السياسية التي تعنى بالشأنين الاجتماعي والتعليمي.

وعلاوة على ما قلناه فإن عجلة التفكير السياسي الحديث والمعاصر لم تتوقف أبدا لإثراء الساحة بالنظريات المختلفة.

الإمام المصلح محمد حسين الغروي النائيني أحد قادة ثورة العشرين في العراق ومنظر للحركة الدستورية في إيران ويعد من الرجال الأوائل الذين وضعوا اللبنات الأولى لمشروع الدولة الدستورية، وقد صنف كتابا سماه (تنبيه الأمة وتنزيل الملة) وهو يعد حقيقة أول منظومة متكاملة في العمل السياسي العام، تناولت مفاهيم الديمقراطية الحديثة ورفض الاستبداد وأساليب الحكم والإدارة (النائيني منظر الحركة الدستورية، ماجد الغرباوي).

إلى جانب ذلك أسس لمشروع سياسي حركي ضد حركة الاستبداد القاجاري في إيران التي كانت تقلقه إبان إقامته في العراق.

وكذا فإنه من المتصدين للاستعمار وكان هو المناهض للخطط الاستعمارية البريطانية وأسهم في حركة الجهاد العراقية وأدار العمليات الجهادية بكل اقتدار.

كما أنه من المنددين بالاستعمار الإيطالي لليبيا وأحد الدعاة للوقفة مع ليبيا في محنتها (المصدر نفسه).

وجاءت ثورة التنباك (التبغ) لتسجل رصيدا كبيرا لمدى الحراك السياسي الإسلامي وعمق التفكير الإسلامي الاستراتيجي.

ففي سنة ١٨٩٠، منح الملك القاجاري (ناصر الدين شاه) حق بيع وشراء التبغ في إيران لشركة بريطانية، الأمر الذي أدى إلى ثورة الشعب الإيراني ضد الشاه، ذلك بأنه سوف يؤدي إلى السيطرة البريطانية على قطاع التبغ مما حدا بالمرجع الديني في تلك الفترة محمد حسن الشيرازي في سنة ١٨٩١م الموافق ١٣٠٩هـ إلى إصدار فتوى بتحريم التنباك زراعة وبيعا وشراء (موسوعة مصطلحات الشيعة، هيثم الكسواني).

والخلاصة أنه ثمة تراث فكري إسلامي عريق وضع الخطوط العريضة للتنظيم الإسلامي السياسي وهو يعد بمثابة السبق في ميادين الحراك السياسي، وفي المقابل فإنه قد نشط الحراك السياسي مع الحراك النخبوي الحديث مع قادة السياسة والفكر، كما أن التفكير السياسي الواقعي مع الحراك السياسي قد لعبا دورا كبيرا في الاستجابة للحركات الواقعية التي تتطلب إثارة الفعل وفعل ما يجب.

ومع تنامي حركة الصحوة الإسلامية في وطننا العربي الكبير وازدياد حدة الوعي السياسي بين جماهير الوطن العربي أفرز وأدى إلى تقديم التيارات السياسية الإسلامية التي تعرف اليوم بـ (الإسلام السياسي) في كثير من البلدان، وخذ مثالا لذلك الكويت ومصر والمغرب.

لقد أضحى اليوم التيار الإسلامي قوة سياسية ضاغطة عظمى وهذا نتاج ليس شعبية تلك التنظيمات فحسب وإنما أيضا مدى الأهداف والاستراتيجيات التي تتبعها تلك التنظيمات ورجاحة التفكير السياسي لديها.

والبحرين ليست منعزلة عن تلك الظاهرة ومن يشاهدها عن قرب يلحظ نشاطا سياسيا إسلاميا بمستوى متقدم، وينم هذا الحراك عن تفكير سياسي ناضج يأخذ بأسباب الحوار والعقلانية والطرح الهادئ والسياسة الحكيمة مداخل للأهداف التي وضعها والاستراتيجيات التي سار من أجلها للوصول إلى غايته.