خاطرة
الوعد الآتي
تاريخ النشر : الجمعة ٢ مارس ٢٠١٢
عبدالرحمن فلاح
ضمان إنجاز الوعود مرتبط ارتباطاً وثيقاً بمن يعد بها، فإن كان من يعد بهذه الوعود ذا جاه أو مال أو سلطان كان وفاؤه لهذه الوعود قدر جاهه أو ماله أو سلطانه، وإن كان ليس ذا جاه ولا مال ولا سلطان،فحظه من الوفاء بقدر حظه من مكانته بين الناس.
هذا في البشر الذين تتفاوت إمكاناتهم بين الدرجات الأدنى والدرجات الأعلى، فهم بشر، وهم أغيار لا تبقى أحوالهم على حالة واحدة، بل هي في تغير دائم، وفي تبدل مستمر، والتوكل عليهم مراهنة خاسرة، واعتماد على ركن ضعيف متهالك، لهذا يوجه الحق تبارك وتعالى عباده المؤمنين إلى التوكل عليه سبحانه في كل شأن من شؤونهم، فيقول تعالى: (وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيراً) الفرقان/.58
وهذا حق يتفق حوله أهل الإيمان وأهل العقول الراجحة، فالحي الذي يموت، والقوي الذي يضعف،والغني الذي يفتقر، والقادر الذي يعجز كل هؤلاء لا يصلحون للاعتماد عليهم، أما الذي يستحق الاعتماد عليه، واللجوء إلى ركنه الشديد فهو الحق سبحانه وتعالى الذي له الكمال المطلق، وله الجلال المطلق، وله الجمال المطلق.
لهذا، فحين يعد الحق تبارك وتعالى عباده، فلابد أن يفي بما يعد، فمن أوفى بعهده من الله تعالى؟ ومن أصدق من الله تعالى قيلا؟
والآية الكريمة من سورة الأنعام تؤكد في جلاء أن وعد الله تعالى آتٍ لا محالة، وأنه متحقق من دون ريب لأنه ليس هناك قوة تحول دون ذلك، وليس هناك سلطان يحول دون سلطانه، لأنه لا شريك له في ملكه، ولا معقب له في حكمه، وليس هناك إرادة تتعارض مع إرادته عز وجل، فهو الإله الذي لا شريك له، وهو الملك الذي لا ند له، وهو القاهر فوق عباده، وهو ملك الملوك، بيده الملك يؤتيه من يشاء إما استحقاقاً، وإما ابتلاءً، وينزعه ممن يشاء إما عقوبة، وإما تحقيقاً لسنته في الخلق .
وهو عز وجل يعز بعزته من يشاء، ويذل بمشيئته من يشاء، حتى لا يغتر عزيز بعزته، ولا ييأس ذليل من تبدل ذله إلى عزة.
هو الغني الذي إذا وعد لا يخلف وعده، وهو القاهر فوق عباده، قلوب العباد بين اصبعين من أصابعه يقلبها كيف يشاء.
إذا أقبل العبد على مولاه أقبل سبحانه عليه، وإذا أقبل الحق سبحانه على عبده جاءته الدنيا راغمة مستسلمة طوع أمره ونهيه، وإذا رضي الحق تبارك وتعالى عن عبده أرضى عنه الخلائق كلها، وإذا سخط عليه أسخط عليه الخلائق كلها. يقول سبحانه:(إن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين) الأنعام/.134
وسواء كان هذا الوعد بالجزاء الجميل أم كان توعداً بالعذاب الشديد، فإنه آت لا محالة، فليس للكون إله سواه ، ولا ملك غيره، فهو مالك الدنيا والآخرة، وإليه يعود الأمر كله، ويرجع إليه الناس جميعاً،كل يحمل كتابه إما بيمينه وإما بشماله، وسوف يختم على الأفواه، وتتكلم الجلود والأيدي والأرجل، وسوف تحدث الأرض أخبارها.
كل ذلك آتٍ لا محالة، لأن الذي وعد به قادر سبحانه على إنفاذه وتحقيقه، وجاء في كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو محفوظ بحفظ الله تعالى له من أي تغيير أو تحريف أو تبديل بالإضافة أو الحذف.
(إن ما توعدون لآتٍ) من جزاء على الطاعات، ومن عذاب على المعاصي.
وأنت أيها العبد الضعيف الذي لا حيلة له ولا قوة إذا أنت آمنت بأن الله تعالى قدير على كل شيء، وأنه لا راد لمشيئته، ولا معقب لحكمه، فعليك أن تؤمن يقيناً لا يتزحزح من أن ما وعد به سبحانه آتٍ لا محالة، ومتحقق من دون ريب، وذلك في يوم لا ينفع فيه مال ولا جاه ولا سلطان إلا من أتى الله تعالى بقلب سليم، وبعمل صالح متقبل.
في ذلك اليوم تكون الوعود التي وعد الله تعالى عباده بها في الدنيا واقعاً يعيشه الناس الطائع منهم والعاصي، ويقوم المقصرون ويرجون مولاهم أن يعودوا إلى الدنيا حتى يستدركوا فيها ما فاتهم، وما فرطوا في جنب الله تعالى، ولكن هي كلمة هم قائلوها، أو كلمات هم قائلوها، ولا فائدة منها، ولا رجاء فيها، فالموقف في ذلك اليوم إما إلى جنة وإما إلى نار