قضايا و آراء
التحالف الغريب لقوى «اليسار» مع «اليمين الطائفي» في البحرين
تاريخ النشر : الجمعة ٢ مارس ٢٠١٢
ان اطلاق الاحكام على (الوجود المادي) و(الوجود الاجتماعي) تظل نسبية بدقة مفاهيمها وجلاء قوانينها.. حيث بهذا الصدد فانه لم توجد احكام مطلقة.. سوى في (المادة والحركة).. وما سواهما تبقى «النظرية النسبية» محور (الكون والوجود).. ومرتكز (الأشياء والظواهر).. كما انها تكشف عن الشيء بذاته وبماهيته وإزاء جوهره.. وحسبما تمثل «النظرية النسبية» أساس (الكون والوجود).. فان مفاهيم وقوانين هذه النظرية، قد تعكس محور العلوم الطبيعية والتطبيقية والعلوم الإنسانية والاجتماعية، وركيزة النظريات الفلسفية بشقيها «المادية العلمية والمثالية الذاتية والموضوعية».. وعلى رأس هذه النظريات.. النظرية العلمية الاشتراكية.. وهي (النظرية الماركسية) التي تؤكد اصولها الفلسفية حقائق النسبية الخاصة والنسبية العامة الممثلة في «المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية».. حسبما تظل قوانين هذه «النظرية الماركسية» حاسمة الفصل ومفصلية بـ «مقاييسها النسبية».. وفي مقدمة تلك القوانين «نفي النفي أو نقيض النقيض والتحولات الكمية والكيفية والسبب والنتيجة والمصادفة والضرورة والشكل والمحتوى» وخاصة مبدأ وحدة وصراع الاضداد الذي تكون فيه الاضداد المتصارعة مستمرة من دون توقف.. بصراع الضدين في الجسد المادي الواحد، ضمن وحدة مؤقتة ومشروطة.. وعلاقة هذين الضدين بمبدأ «التناقض» الذي يمثل «العلاقة» بين «الأضداد».. أما تلك «الاضداد» فهي تمثل جوانب «التناقض».. التناقض الرئيسي، الذي يتحول الى تناقض ثانوي والعكس هو الصحيح أيضا.
ولكن على الصعيد ذاته فانه ما يبعث على القول أسفا ان حقائق ومفاهيم وقوانين تلك «المعايير والاحكام النسبية» قد يجهلها العديد من فئة الانتلجنسيا.. أو بالأحرى يتجاهلونها عن قصد.. وهو حينما يطلقون أحكامهم العشوائية، التي غالبا ما تخضع للرغبات الذاتية والاهواء الشخصية، على الصراعات أو الخلافات السياسية والأيديولوجية ما بين أعضاء وكوادر الحزب الواحد أو كوادر التنظيم أو الجمعية السياسية ذاتها، بشكل مطلق.. وما يتمخض عن هذه الصراعات من بروز خلافات على السطح اتسمت بموقفين متناقضين «موقف صحيح» بثوابت المواقف المبدئية و«موقف خاطئ» بتأرجح المواقف المبدئية.. ولكن أصحاب تلك «المواقف المبدئية السديدة السليمة والصحيحة» قد أنزل على كواهلهم فداحة الظلم وعسف الحيف، جراء تلك «الاحكام المطلقة» التي غالبا ما تطلقها هذه الفئة المعنية من الانتلجنسيا بشكل تعسفي.. لتصيب أولئك الكوادر، من المناضلين الوطنيين والمستنيرين في مكمن.
ان طرح هذه المقدمة الموجزة، فاننا وددنا التعليق والتعقيب على ما تفضل به الكاتب (أحمد جمعة) من أحكام مطلقة على مواقف بعض الجمعيات السياسية خلال مقالته المنشورة بجريدة الأيام بتاريخ 31 يناير 2012م والمعنونة بـ «مرشدو البعث والقومية والشيوعية في البحرين».. وما حملت هذه المقالة في جوهرها، من تقييم ونقد واستغراب الكاتب، مواقف البعثيين والقوميين والمنضوين تحت لواء عضوية (جمعية العمل الوطني وعد) و(جمعية التجمع القومي) وما تمخض عن (سياسة الجمعيتين) بدعم (جمعية الوفاق الإسلامية) بمرجعيتها الدينية، و«إقامة تحالفهما غير مقدس مع الوفاق» بحسب ما جاء على لسان الكاتب.
في ذات السياق نستطيع القول انه حسبما وجه الكاتب نقده اللاذع الى مواقف هاتين الجمعيتين (وعد والتجمع القومي) بشأن تحالفهما مع «جمعية الوفاق».. فان هذا «النقد» قد لا يعيننا بشيء لا من قريب أو بعيد.. أو بالأحرى أن هذا «النقد» لم يمت من وجهة نظرنا إلى الشيوعيين الحقيقيين بأي صلة.. لطالما الجمعيتان (وعد والتجمع).. قد تصنفان ضمن الجمعيات أو التنظيمات «الهلامية».. وبالرغم من عراقة هذه المعارضة السياسية (وعد والتجمع) بإرثها الوطني والتاريخي.. فإن هذه المعارضة السياسية، بقدر ما افتقدت البرنامج السياسي المتكامل ايديولوجيا وفكريا ومنهجيا.. فانها تبنت برنامجا سياسيا هجينا انتقائيا وخليطا، ما بين مختلف الاتجاهات الاسلامية والقومية والبعثية.. ولكن حينما وجه الكاتب (أحمد جمعة) انتقاداته الى كوادر (جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي) كافة، الذراع لـ(جبهة التحرير الوطني ) ولم يستثن أحدا من أولئك المناضلين الذين لا يساومون على مبادئهم.. هو حينما استرسل من خلال مقالته متسائلا «فكيف اتفق ان يقوم الشيوعيون المنحدرون من جبهة التحرير الوطني البحرينية والمتحولة الى «جمعية المنبر التقدمي» بعد صفقة في الدوار مع ولاية الفقيه».. ان هذه الاتهامات الموجهة إلى كوادر ومناضلي «المنبر التقدمي» المميزين.. هي اتهامات اتسمت بالأحكام المطلقة.. والأدهى من ذلك هو خوض الكاتب في عموميات تلك الاتهامات العشوائية الموجهة للجمعيات الثلاث (وعد والتجمع القومي والمنبر التقدمي) ووضعهم في سلة واحدة من دون تمييز.. بل ان تلك الاتهامات قد طالت الشيوعيين كافة في (جمعية المنبر التقدمي) بأحكام مطلقة ومستهجنة.. هو حينما استطرد الكاتب متسائلا «فكيف يستقيم موقف أحفاد المنبر لـ«كارل ماركس ولينين» مع أحداث البحرين الطائفية؟».
في هذا الإطار أنه حسبما اسلفنا القول إن المناضلين الشيوعيين لا يساومون على مبادئهم.. فان التاريخ الوطني والنضالي قد يشهد لهؤلاء المناضلين بديمومة الحضور بمواقف وطنية ومبدئية عكست بصمات مشرفة وعلامة فارقة.. لأن هؤلاء المناضلين.. مناضلي (جبهة التحرير الوطني ، وجمعية المنبر الديمقراطي التقدمي) يعبرون عن وجدان الشعب وضمير المعارضة الوطنية العقلانية التقدمية والمستنيرة.. ولكون هؤلاء المناضلين قد حافظوا على ارثهم وصانوا تاريخهم وذادوا عن مبادئهم.. وحسبما وقف هؤلاء المناضلون المميزون في (جمعية المنبر التقدمي) مع أهداف وطموحات الشعب، ودعمهم الإصلاحات العامة في مملكة البحرين والسعي الى توسيع رقعتها ورفع اسقفها.. فانهم حاربوا العصبيات الطائفية والمذهبية والفئوية والشعوبية والشوفينية كافة.. ذلك بعدم خلط «الأوراق السياسية بالمواقف المبدئية». ولعل المتابعين من القراء والمثقفين هم على اطلاع على تلك الكتابات الصحفية المستنيرة و«الجريئة» التي كانت تنشر إبان أحداث فبراير ومارس 2011م، حينما حمل أصحاب تلك الكتابات اقلامهم الحرة الذين تجلوا بكوكبة مضيئة ضمت (الكاتب بدر ملك وعبدالله خليفة وفهد المضحكي والدكتور يعقوب جناحي وإسحاق الشيخ) وغيرهم كثيرون من الوطنيين والمستنيرين.. بمحاربتهم بآرائهم وكلمتهم الظلاميين من قوى تيار الإسلام السياسي.. مثلما واجهوا ويواجهون الطفيليين من المتنفذين والمفسدين والمتسلقين.. لأن هؤلاء الكتاب واصحاب الرأي والضمير، قد لا يخشون قول كلمة حق «جريئة» ولومة لائم والإدلاء بآرائهم بشجاعة بتوجيه (النقد السياسي والنقد الاجتماعي والنقد الايديولوجي) لأبلغ القضايا الشائكة والمفصلية، والممثلة في الاستبداد الديني، في كل مكان مهما كلفت هؤلاء المناضلين الوطنيين التقدميين ابلغ التضحيات الوطنية والمبدئية.