قضايا و آراء
المالكي يمارس «التقية» في تعامله
مع العرب لجرهم إلى قمته المهلهلة
تاريخ النشر : الجمعة ٢ مارس ٢٠١٢
توفيت في الاسبوع الماضي وهي مركونة في معتقل مدينة الحلة الذي يديره حزب نوري المالكي (الدعوة الشيعي الطائفي) الحاجة صبرية الجبوري (73 سنة) من سكنة ناحية الحصوة، نتيجة القهر والاضطهاد اللذين تعرضت لهما هذه السيدة الجليلة بعد أن وجهت إليها الاجهزة الامنية والسلطات الحكومية، تهمة خرافية هي: حيازة ثلاثين كيلومترا من الحبال، ولما استكثر ذووها وأهلها أطوال هذه الحبال - حسب تقديرات خبراء قوات عمليات الفرات الأوسط التي يقودها الجنرال مونتجمري الغانمي وجميع ضباطها ومقاتليها من خريجي كلية سانت هيرست البريطانية وأكاديمية موسكو للعلوم العسكرية ومعهد كولورادو الامريكي للعمليات الاستراتيجية - رد هؤلاء الخبراء الافذاذ بأن هذه الحبال تكفي لاطلاق ثلاثة الاف وخمسمائة صاروخ كانت تعدها هذه المرأة السبعينية لتقطيعها واستعمالها كـ (فتائل) في المدافع.
وربما لا يصدق كثيرون وهم يقرأون حكاية سجن هذه الانسانة البريئة وطبيعة التهمة الموجهة الى عجوز بلغت من العمر عتيا وتعاني جملة امراض، وقد يتصورون انها من نسج الخيال أو انها مقطع كوميدي او تراجيدي من رواية سينمائية، ولكن مهلا لا تستغربوا الامر، فان رأي سعدون جويبر الدليمي او الديلمي (لا فرق) وزير ثقافة ودفاع نوري المالكي، أيد ذلك وعزز التهمة بقوة عندما ذهب اليه نائبان سابقان يعرفهما سعدون جيدا يوسطانه لدى رئيسه وقائد مسيرته الحافلة بالكيد والتلفيق (دولة) رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة لاطلاق سراحها وهي بهذا العمر، من دون ان يدرك هذا الذي نصبته وكالة المخابرات الامريكية الـ (سي آي ايه) وزيرا للدفاع في حكومة ابراهيم الجعفري قبل ست سنوات وجاء به حزب الدعوة واضاف اليه هذه الوزارة الى جانب وزارة الثقافة ايضا (من قلة خيل المالكي... الخ) ان عهد استخدام الفتائل لاطلاق المدافع قد مضى وانقضى، وان هذه السيدة المسنة والمريضة رحمها الله لا تقوى على سحب نفسها وغير قادرة على جر رجليها، ولكنه الحقد الطائفي الذي يعمي البصر والبصيرة.
ومثل الحاجة صبرية - التي اعتقلت من دون ذنب، الا لكونها سيدة سنية عربية متدينة ووجها اجتماعيا معروفا في منطقتها - أعداد كبيرة من النساء يرزحن في سجون ومعتقلات نوري المالكي السرية والعلنية وأغلبهن من المناطق والمحافظات السنية العربية، وثمة احصاءات أعدتها منظمات حقوقية وانسانية دولية محايدة تؤكد ان عددهن إلى نهاية العام الماضي قد تجاوز رقم ألفي امرأة، تسعون بالمائة منهن اعتقلن على الشبهات او كرهائن لاجبار ازواجهن وآبائهن وابنائهن المطاردين من فرق الموت والمليشيات الشيعية على تسليم انفسهم لقتلهم وتصفيتهم بلا تحقيق معهم او محاكمة، وقد حدثت حالات لا تعد ولا تحصى من هذا القبيل، وضمن الاحصاءات ايضا ان خمسمائة وعشرين رجلا بين أب وزوج وابن قد سلموا انفسهم بعد اعتقال بناتهم وزوجاتهم وامهاتهم في العام الماضي فقط بات مصيرهم مجهولا، من دون ان يطلق سراحهن الى يومنا الراهن، وهناك ارقام موثقة لدى الهيئات القانونية التابعة للأمم المتحدة ولجان حقوق الانسان الدولية يمكن الرجوع اليها بهذا الصدد.
وقد أدت الممارسات المنحطة المتبعة من قبل السجّانين والجلادين والمحققين وجميعهم من الحثالات والمنحرفين مع المعتقلات السنيات العربيات الى انتحار ست نساء منهن في معتقل الكاظمية في العام الماضي بعد ان تم الاعتداء على شرفهن، وأطلقت سلطات المالكي سراح ثلاث اخريات بعد ان انتفخت بطونهن وهن في المعتقل ورمت بهن الى الشارع، ولولا إسراع منظمة فرنسية نسوية انسانية كانت تتابع قضيتهن المأساوية وتمكنت جزاها الله ثوابا من نقلهن الى خارج العراق بعد عقد صفقة مع مسؤولين كبار في أجهزة المالكي تضمنت تعهد المنظمة بالتكتم على الحادث والتعتيم عليه ودفع مائة وخمسين ألف يورو رشا لاستخراج جوازات سفر لهن، لكان مصيرهن الموت على أيدي اقربائهن كما كانت تريد وتتمنى عصابات المالكي التي تعلم تماما ان المجتمعات العشائرية في العراق مازالت تحكمها الاعراف والتقاليد القبلية ولا تتفهم ظروف اعتقال النساء وما يرافقه من عمليات تخدير وتعذيب نفسي وجسدي واعتداءات جنسية.
نقول هذا الكلام ونضعه أمام المسؤولين العرب الذين سمعنا ان بعضهم سيحضر اجتماع القمة العربية المزمع عقدها في بغداد نهاية مارس الحالي، ونضيف ان المشاركة في اجتماع او مؤتمر برعاية أو رئاسة هذا المدعو جواد المالكي سابقا ونوري المالكي حاليا ولا نعرف ماذا سيكون اسمه لاحقا مع ما يحمله من أحقاد وشرور ضد العرب والعروبة وكثير منها لمسه العرب انفسهم بالاحداث والحالات والوقائع والمناسبات مسألة معيبة لهم وقضية لها انعكاسات سلبية في نفوس عرب العراق وتعطي انطباعا كأن الدول والحكومات العربية تدعم المالكي وتشجعه على ارتكاب المزيد من الجرائم والانتهاكات ضدهم، خصوصا وان الاغراض الدنيئ والاهداف الرخيصة التي يرمي اليها رئيس الحكومة العراقية الحالي من عقد القمة العربية برعايته ورئاسته باتت مكشوفة وأبرزها: اعتقاده انه سيحصل على اعتراف عربي بشرعية زعامته لحزب شيعي طائفي واعتراف الدول العربية برئاسته لحكومة ناقصة لم يكتمل وزراؤها رغم ان اكثر من عامين مرا على تشكيلها، وهو يبغي ايضا من عقد القمة برعايته ان يكون رئيسا لمؤسسة القمة والجامعة العربية عاما كاملا وفي نفسه الامارة بالسوء دائما انه من خلال هذا الموقع يستطيع عرقلة ومشاكسة قرارات الجامعة حتى مارس من العام المقبل خصوصا تلك التي لا تنسجم مع توجهاته الشيعية الطائفية ولا تتفق مع رؤيته السياسية القاصرة، وتحديدا فيما يتعلق بتطورات الاوضاع في سوريا والعلاقة العربية المتأزمة مع ايران.
وهنا يجب ان يتنبه العرب الى ان المالكي يمارس معهم مبدأ (التقية) الذي يعتبره الشيعة الاثناعشرية ركنا أساسيا في عقيدتهم ويعني (تُظهر خلاف ما تبطن) ووفق هذا المبدأ الانتهازي كما وصفه آية الله الخميني عام 1963 ابان خلافه مع الشاه البهلوي وأخفق فيه واتهم بانه قد خرج على المذهب حينذاك، بدأ يتصرف المالكي هذه الايام في محاولة محمومة لعقد القمة العربية تحت رئاسته، ولاحظوا انقلابه المفاجئ في كيفية التعامل مع سوريا الآن بعد ان فشل في اقناع الجامعة العربية بدعوة الرئيس السوري الحالي بشار الاسد إلى حضور اجتماعات القمة، فنقلا عن اوساط دبلوماسية عربية فان المالكي استمات خلال اجتماعه مع السيد بن حلي الامين العام المساعد للجامعة ببغداد في الشهر الماضي في الدفاع عن ضرورة مشاركة سوريا في مؤتمر القمة المقبل ولو بصفة (مراقب) بعد ان أبلغه الاخير ان عضوية سوريا في الجامعة العربية معلقة أو مجمدة وبالتالي لا يمكن دعوتها الى مؤتمر القمة وهي الممنوعة من حضور اجتماعات الجامعة العربية، في الوقت الذي مازال نواب من كتلته ومقربون إليه يصرحون يوميا بأن عدم دعوة سوريا الى القمة يفرض على المشاركين فيها التخلي عن مناقشة الموضوع السوري في جدول اعمال اجتماعاتهم، وحجتهم الواهية ان الحضور السوري ضرورة للإجابة عن بعض استفسارات ممثلي الدول العربية عن الاحداث في سوريا متناسين سيل المناشدات والمراسلات والتوصيات والقرارات العربية التي تدعو الى وقف حمامات الدم في سوريا.
ولعل تصريحات فالح الفياض مستشار الأمن الوطني للمالكي الاخيرة التي اعلن فيها وقوف حكومته مع الشعب السوري وهاجم النظام الحاكم في دمشق أكبر دليل على ان جماعة المالكي لجأت الى التقية الشيعية في تمرير أكاذيبها وتسويق مزاعمها، ويبدو ان مستشار المالكي يعتقد ان العرب لا ذاكرة عندهم وينسون تصريحاته التي أطلقها قبل شهرعندما قام بزيارات مكوكية بين دمشق ومقر الجامعة العربية في القاهرة ودعا فيها الى أهمية المشاركة السورية في اجتماعات الجامعة والقمة العربيتين، وبرر ايضا رفض حكومته التقيد بقرارات الجامعة الخاصة بالعقوبات الاقتصادية.
ان الجامعة العربية مدعوة اليوم وقبل انعقاد اجتماعات القمة العربية المقبلة الى التحقق من معلومات مؤكدة في بغداد تفيد ان المالكي وضمن إجراءاته العملية في مناهضة قراراتها ومعاكسة توصياتها بشأن سوريا ضاعف مساعداته للنظام السوري خلال الأشهر الثلاثة الماضية وخصوصا في مجال تزويد دباباته ومعداته بالوقود والمحروقات والذخيرة، اضافة الى الدولار والعملات الاجنبية، وعمد مؤخرا ضمن هذا السياق الى تعيين اثنين من كوادر حزب الدعوة كمسئولين ومشرفين على المنفذين الحدوديين الوحيدين مع سوريا يتوليان ادارة عمليات التهريب اليها معززين بفوج عسكري وامني قوامه 400 ضابط وجندي وشرطي وكلهم من شيعة كربلاء، ونقل جميع منتسبي وموظفي المنفذين من السنة العرب واغلبهم من ابناء المنطقة الغربية الى خارج محافظة الأنبار خوفا من انكشاف الفضيحة، وثمة معلومات اخرى تشير الى ان المالكي استخدم سلطاته كرئيس للحكومة وضغط على مصارف الرافدين والرشيد والتجارة الدولي وثلاثتها حكومية لتسهيل اجراءات تحويلات الدولار والعملات الاجنبية الى رجال اعمال وممثلي شركات تتعامل مع مؤسسات حكومية سورية معينة في دمشق وحلب واللاذقية، وان تغض هذه المصارف الثلاثة النظر وتقبل التعامل مع العملات العراقية المزورة التي طبعت ايران تريليونات منها وضختها الى الساحة العراقية، وقد اعترفت مصادر مصرفية رسمية عراقية مؤخرا بحجمها المتزايد، وهذه دلائل تؤكد ان المالكي له وجهان في تعاطيه مع القضية السورية: وجه ينتقد فيه السلطات السورية امام الدول العربية، ووجه آخر يتعاطى عبره مع النظام السوري بأريحية عالية، وهذا كله حتى تنعقد القمة العربية تحت رئاسته وبعد ان تنتهي اجتماعاتها وينصب رئيسا للجامعة العربية بدلا من جلال طالباني المريض والمعتكف في مدينة السليمانية الشمالية عاما واحدا كما يقضي نظام الجامعة سيكون للمالكي دور تخريبي يناقض ويربك اجتماعاتها وتوصياتها.
لذلك فان المسؤولية القومية والاخلاقية تستدعي من الدول العربية التي سترسل ممثلين ومندوبين عنها وبأي مستوى لحضور قمة نوري المالكي ان تطالبه الآن الآن وليس غدا، بأن يطلق سراح الاسيرات البريئات في سجونه ومعتقلاته السرية والعلنية وتحت اشراف مراقبين من الجامعة العربية، هذا في الجانب الانساني، اما في الجانب السياسي فان الواجب يحتم على العرب الضغط على المالكي لتغيير سياساته الطائفية ووقف اجراءاته القمعية ضد عرب العراق واعلان فك ارتباطه بايران والتزامه بقرارات الجامعة العربية ليس فيما يخص سوريا فحسب، وانما إنهاء اسهاله الكلامي المتدفق يوميا في مهاجمة العرب شعوبا ودولا وحكومات في اجهزة اعلامه وصحفه وقنواته الفضائية التي لا شغل لها ولا شاغل غير الاساءة والتشهير بالدول العربية وخصوصا الخليجية منها كالبحرين على سبيل المثال لا الحصر ويمكن رصد ومتابعة ذلك بكل بساطة ولا يحتاج الامر الى عناء.
فهل يفعلها العرب ويقلبون الطاولة على رأس المالكي ويكسرون ظهره ويبددون حلمه الاسود برئاستهم وهو الغريب عنهم والطارئ عليهم؟
* كاتب وسياسي عراقي.