الجريدة اليومية الأولى في البحرين


يوميات سياسية


البارونة جيني تونج التي «لا مكان لها»!!

تاريخ النشر : السبت ٣ مارس ٢٠١٢

السيد زهره



رئيس حزب الديمقراطيين الأحرار البريطاني اجبر البارونة جيني تونج عضو مجلس اللوردات على الاستقالة من الحزب.
السبب كما بات معروفا، ونشرته صحف الأمس، ان البارونة تجرأت في ندوة بإحدى الجامعات وانتقدت الكيان الإسرائيلي.
وما قالته البارونه لم يتعد انها توقعت ان «إسرائيل لن تبقى إلى الأبد» لماذا؟. قالت ان «يوما ما ستضيق الولايات المتحدة ذرعا بدفع 70 مليار دولار سنويا لما اسميه حاملة الطائرات الأمريكية في الشرق الأوسط وهي إسرائيل.. وذات يوم سيقول الشعب لجماعة الضغط الإسرائيلية في الولايات المتحدة.. هذا يكفي.. لن يستمر هذا إلى الأبد.. وستفقد إسرائيل الدعم وستحصد مازرعته».
هذا كل ما قالته البارونة.
أربعة ملاحظات يجب تسجيلها على ما قالته البارونة وما فعله الحزب معها:
1- ان البارونة فيما قالته كانت تعبر عن رأيها أو رؤيتها الشخصية، لا عن رأي ورؤية أو موقف الحزب الذي تنتمي إليه.
ومن المفترض في بلد يزعم انه يحترم الحريات وانه مهد الديمقراطية العريقة، ان المجال مفتوح لتعدد الآراء والرؤى في اطار اي حزب.
2- ان الذي قالته البارونة لم يتعد إطلاقا كونه مجرد رأي او تحليل او رؤية سياسية. وما قالته ليس جديدا. عشرات الكتاب والمحللين الغربيين طرحوا ما قالته منذ زمن طويل.
بعبارة أخرى، البارونة لم تقل مثلا ان إسرائيل يجب ان تزال من الوجود، كي يعتبر أي احد انها تدعو إلى إزالة إسرائيل.
وكما كتب احد الكتاب في صحيفة «جارديان» البريطانية، فان ما قالته عن مستقبل إسرائيل لا يتعدى في حقيقة الأمر الاحكام والقوانين المعروفة في التاريخ . بمعنى انه عبر التاريخ، فان دولا وامبراطوريات قامت وزالت، ودول أخرى تغيرت حدودها وهويتها عبر التاريخ، بحيث لم تعد الدولة القائمة هي الدولة السابقة. وينطبق هذا على بريطانيا نفسها وفرنسا ودول كثيرة في العالم.
3- ان الحزب اصدر بيان ادانة البارونة، واجبرها لاحقا على الاستقالة من دون ان يحرص على الاحاطة بالموضوع من جميع جوانبه بالضبط، والأهم من هذا، من دون حتى ان يهتم بان يسمع وجهة نظرها فيما جرى في الندوة وفيما قالته عن إسرائيل.
رئيس الحزب اصدر بيانا صحفيا يدين فيه البارونة بعد خمس ساعات فقط من انتهاء الندوة، ولم يهتم لا حقا بان يستمع إلى البارونة.
أي ان الحزب ضرب عرض الحائط بابسط قواعد وأسس الديمقراطية، وتعامل مع البارونة بشكل فاشي بكل معنى الكلمة.
4- وينبغي الا ننسى ان هذا الحزب يشارك في الحكومة، ورئيسه يحتل منصب نائب رئيس الوزراء. أي ان هذا الموقف الذي اتخذه الحزب، هو بشكل من الإشكال يعبر عن موقف الحكومة البريطانية.
اذن، ان كانت هذه هي حدود القضية، فما معنى ما حدث للبارونة؟
المعنى واضح وليس بحاجة الى كثير من الايضاح.
الذي حدث ببساطة ان الحزب والنخبة السياسية البريطانية قتلت الحرية.. قتلت حرية الرأي والتعبير وحرمت منها سياسية قيادية معروفة.
الذي حدث انه باجبار البارونة على الاستقالة بسبب رأي ابدته، فان بريطانيا احالت الديمقراطية والحرية إلى التقاعد.
وقد وصل الأمر الى حد ان ايد ميليباند زعيم حزب العمال البريطاني، لم يتردد في ان يكتب تعليقا على القضية: «لا مكان في السياسة للذين يشككون في حق إسرائيل في الوجود».
ما يقوله معناه ان أي سياسي بريطاني يجرؤ على انتقاد إسرائيل، يجب ان يزال من الوجود السياسي ولا مكان له على الإطلاق. هذه فاشية صريحة.
وبالطبع، السبب الذي دفع الحزب والنخبة السياسية البريطانية إلى التعامل بهذه الفاشية مع البارونة، معروف.
هم يفكرون ويتصرفون تحت الإرهاب الصهيوني، وتحت إرهاب اللوبي الإسرائيلي في بريطانيا.
البارونة اشارت الى ذلك، وقالت: «انني أشعر بالاحباط لأن قيادة حزبي لم تهتم بأن تستمع الى شهادتي قبل ان تصدر بيانا بادانتي. ويبدو انها تتصرف باستمرار تحت ضغط وباملاءات اللوبي الموالي لاسرائيل».
قادة الأحزاب والنخب السياسية التي اتخذت هذا الموقف من البارونة هم في الحقيقة مسلوبوا الإرادة في مواجهة الكيان الإسرائيلي والجماعات الصهيونية.
لنا ان نتصور مثلا لو ان البارونة نفسها كانت قد قالت ان الشعب الفلسطيني يجب ان يباد من الوجود، هل كان الحزب سيتخذ منها هذا الموقف؟.. بالطبع لا، بل ربما كانوا قد اشادوا بها.
الحقيقة ان ما فعلوه مع البارونة يأتي في سياق ظاهرة عامة ليست في بريطانيا فقط وانما في كل الدول الغربية . وهي ظاهرة تحدث عنها كثير من المفكرين الغربيين. ظاهرة الانحطاط السياسي والأخلاقي وتآكل القيم الديمقراطية، والنزوع المستمر نحو الفاشية. وبالطبع، تتجلى هذه الظاهرة بشكل صارخ في أي مرة يتعلق فيها الأمر باي انتقاد للكيان الإسرائيلي والصهيونية، كما حدث مع البارونة.
في المحصلة النهائية، البارونة «لا مكان لها» في الحياة السياسية البريطانية كما قال زعيم حزب العمال، لأنه بريطانيا، وحين يتعلق الأمر بالكيان الإسرائيلي والصهيونية، لا مكان فيها للديمقراطية او الحرية او حتى الاستقلال.
وبمناسبة ما جرى في بريطانيا، هذه فرصة لابداء بعض الملاحظات حول علاقة الدول الغربية بنا في الوقت الحاضر.