مقالات
الاتحاد الخليجي.. للتغيير والتطوير والتأثير العالمي والحضاري
تاريخ النشر : السبت ٣ مارس ٢٠١٢
لم يعد الاتحاد الخليجي حلماً بعيد المنال، نتطلع إليه بقلوبنا وتعجز عقولنا عن تصديق حصوله.. فمن الواضح أن حرص القيادات الخليجية على إقامة هذا الاتحاد تجاوز هذه المرة تطلعات الشعوب؛ ليس فقط لما يستشعره هؤلاء القادة من معطيات راهنة وتوقعات مستقبلية تحيط بدول مجلس التعاون وتعمل جاهدة على اختراقها؛ بل لإعادة تشكيل منطقة الخليج العربي بما يتناسب مع مصالحها وتطلعات شعوبها، قبل أن تسبقهم تيارات الشمال والشرق إلى ذلك..
فبعد أن جمعت بينهم موروثات التعايش الاجتماعي العريق على مدى الأحقاب الزمنية، جاء مجلس التعاون الخليجي ليجمع بين دول وشعوب المنطقة تحت مظلة التعاون المشترك والتنسيق، ويمتد عمره ويتكرس دوراً ومؤسسات وإنجازات ليصبح قامة دولية راسخة يحسب حسابها في كل المعادلات الدولية والإقليمية. غير أن معطيات الحاضر؛ ابتداء من احتلال العراق، وانتهاء بالربيع العربي، وانكشاف الأدوار والترتيبات الغربية والشرقية لإعادة تشكيل المنطقة وفق حساباتها ومصالحها المتوازية أو المتناقضة لا فرق (!)، فرضت على القادة والشعوب معاً التماهي مع حساسية هذه اللحظة التاريخية، باتخاذ القرار التاريخي الذي كان حلماً تلتقي عنده تطلعات الشعوب الخليجية، فأصبح ضرورة على رأس أولويات جدول أعمال القادة، وسيصبح في القريب العاجل، حقيقة مكتملة بإذن الله.. وكما كانت الدورة 32 لمجلس التعاون التي عقدت في الرياض تاريخية بإعلان مقترح خادم الحرمين الشريفين، فثمة تأكيدات على مستويات عليا تشير إلى أن الدورة 33 في المنامة، ستكون تاريخية بمقاييس عالمية، إذ ستشهد إعلان الاتحاد الخليجي إن شاء الله..
والواقع أن النظام الأساسي لمجلس التعاون، فضلا عن روح فكرته وتنامي طموحاته، حمل في نصه بذرة فكرة الاتحاد منذ اللحظة التي ولد فيها المجلس، حيث تنص المادة الرابعة من النظام الأساسي على «تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولا إلى وحدتها».. ما يعني أن مسألة الاتحاد كانت ماثلة في عيون الملوك والقادة الذين وقعوا على النظام الأساسي الأول، والساري المفعول حتى الآن..
الاتحاد الخليجي، قادم.. قادم. وسيكون مقيماً بإذن الله ودائماً كما أقام مجلس التعاون. ومن بذور التعاون سيولد الاتحاد، كما ولدت من قبل كل المؤسسات الخليجية المشتركة، وكما اتحدت كثير من القوانين والأنظمة، وكما اجتمعت الرايات الخليجية كلها لترفرف تحت راية عسكرية واحدة متمثلة في راية «درع الجزيرة» الذي سيكون على رأس جدول الأعمال الاتحادي، توسعة هذا الدرع وجحفلته ليصبح جيشاً خليجياً جراراً، يتمتع بأحدث المعدات والتقنيات العسكرية التي عرفتها جيوش العالم.. ويكون هو الذراع المباشر للسياسة الدفاعية المشتركة للاتحاد، باعتبارها إحدى الأركان الرئيسية للاتحاد الكونفدرالي..
وبالطبع هناك أركان أخرى عديدة، توازي أو تعادل في الأهمية مسألة الدفاع المشترك، ومنها: المواطنة الخليجية كجوهر يقبل التجزئة أحياناً ولكنه لا يقبل التفرقة مطلقاً. سياسة خارجية واحدة، تقبل الاجتهادات ولكنها ترفض الخروج عن السرب. سياسة اقتصادية موحدة ذات عملة نقدية موحدة، وبنك مركزي موحد، وقوانين موحدة وأنظمة جمركية واحدة. إصلاح سياسي وإداري واجتماعي وتشريعي موحد، يقرأ مفاعيل الحاضر ومعطياته ويستفيد من دروس الأمم والشعوب التي بادرت إلى إصلاح ذاتها وتطوير كينونتها ففازت بالبقاء والاستمرارية، وشعوب وأمم ودول غيرها، تمسكت بأوهامها وماعندياتها، فاندثرت شكلاً وموضوعاً وهوية ووجوداً. قوة اقتصادية موحدة، ذات بأس وحضور عالميين وذات رأي وموقف مؤثر جوهرياً في اتجاه بوصلة العالم الاقتصادية. سياسة قومية موحدة، ذات مد قومي عروبي وعقيدة إسلامية سمحة وهوية خليجية أصيلة، تأبى الاختراق أو الاختزال وتصون حوبتها برسالة حضارية منفتحة على الآخر ومعطاءة بفكرها المستنير وثقافتها التعددية والمتجانسة.. وهناك بالطبع أركان أخرى عديدة لا تقل عن هذه الأركان السبعة..
وبالمناسبة فهذه الأركان وغيرها، ستكون على رأس جدول أعمال الهيئة الاستشارية للمجلس الأعلى لدول مجلس التعاون، في الاجتماع المقرر انعقاده يوم الثلاثاء القادم في جدة بالمملكة العربية السعودية.. ولعل من حسن طالع هذه الهيئة تحديداً، والتي أتشرف بعضويتها، أنها كانت من أول مؤسسات المجلس التي شملتها فكرة الوحدة الخليجية، حيث كانت الهيئة تستعد للتوسع والتحول هيكلياً وموضوعياً إلى «مجلس شورى خليجي» واحد.. مما يعيدنا إلى الفكرة التي بدأنا بها هذه المقالة، وهي أن الوحدة الخليجية لم تعد فكرة للتوسع والتنمية وإظهار القوة، بل هي الطريق الوحيد للتمكين والوجود في عالم جديد تتشكل وتتغير فيه الخرائط السياسية والجغرافية ساحبة من خلفها التاريخ، وليس العكس..
في الشأن الوطني: حديث العاهل المفدى حول التمسك بعمقنا الاستراتيجي الخليجي
على أهمية العديد من المحاور التي اشتمل عليها حديث العاهل المفدى للإعلاميين العرب والخليجيين المشاركين في الدورة الرابعة لملتقى الإعلاميين الشباب، فإن تأكيد جلالته أن «عمق البحرين العربي والخليجي هو الذي جعلها تجتاز مختلف الصعاب التي مرت بها عبر مسيرتها في الماضي والحاضر».. هذا التأكيد يكتسب أهمية قصوى في الوقت الذي نتحدث ونتدارس ونجتمع ونخطط فيه لإعداد صيغة الاتحاد الخليجي.. لأن هذا المبدأ تجسد كحقيقة استراتيجية قاطعة في المشهد البحريني/الخليجي، وأثبت أنه يمثل بحد ذاته ضمانة في وجه المؤامرات والترتيبات التي تحاك في الظلام وتمد مخالبها للصغار وتهاب اللعب مع الكبار..