الجريدة اليومية الأولى في البحرين



الحرب على إيران تثير جدلا مستمرا بين واشنطن وإسرائيل

تاريخ النشر : السبت ٣ مارس ٢٠١٢



مع تصاعد هستيريا الحرب على ايران وارتفاع اصوات الطبول التي تقرع ايذاناً باقتراب المواجهة، يواجه الرئيس الامريكي باراك أوباما تزامناً مع لقائه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو وكبار قادة اللوبي الصهيوني، واحدا من اصعب الخيارات خلال رئاسته: عليه ان يقرر إذا ما كان سيعمل على استرضاء دعاة الحرب الموالين لإسرائيل، أو بدلا من ذلك، استخدام سلطته لوضع حد فاصل لأي حرب أخرى في الشرق الأوسط.
بين الخيارين، يبدو اوباما في حيرة من أمره مع ان ادارته تميل الى الخيار الثاني الذي يسقط الخيار العسكري من الحسابات خصوصاً مع الخسائر التي يمكن لواشنطن ان تتكبدها. لكن اوباما لم يتمكن حتى الآن من حسم أمره خوفاً من ان يجر عليه غضب اللوبي الصهيوني الفاعل في المؤسسات الامريكية وان يفقد شريحة كبيرة من الناخبين الموالين لاسرائيل.
«اورينت برس» اعدت التقرير التالي:
حتى الآن، حاول الرئيس الامريكي باراك أوباما ان يؤجل الخيار العسكري مع ايران، وان يسترضي إسرائيل من خلال اقرار المزيد من العقوبات على الجمهورية الاسلامية في ايران بما يتعلق بالبنك المركزي الايراني وحظر استيراد نفطها. علما ان عدم امتثال شركاء ايران في آسيا في مجال الطاقة قد أعاق أثر هذه العقوبات.
كذلك عملت واشنطن على تلبية المطالب الاسرائيلية من خلال حفز المساعدات العسكرية الضرورية لتل ابيب التي تعد العدة لهجوم جوي على المنشآت النووية الايرانية في المستقبل. وامعاناً في ارضاء اسرائيل، سمح اوباما لتل ابيب بأن تطبق اجندتها الخاصة وان تنسف محادثات السلام التي عمل في بداية ولايته على ارسائها مع الجانب الفلسطيني، وقد تساهل الى حد كبير مع التعنت الاسرائيلي ومع قرار الحكومة العبرية الاستمرار في سياستها الاستيطانية.
في هذه السنة الانتخابية الحاسمة التي اتسمت بمترشحين من الصقور المؤيدين لإسرائيل عن الحزب الجمهوري، يجد اوباما نفسه مكبلاً رغم انه يؤيد ضمنيا أي حل دبلوماسي للأزمة النووية الإيرانية، ولم يستبعد كل الخيارات عن الطاولة، لكنه لا يريد ان يبدو ضعيفاً امام المزايدين الذين يصورون اسرائيل على انها ضحية اكيدة للبرنامج النووي الايراني.
في الواقع، تتم اليوم اعاقة المسار الدبلوماسي للحل عبر مجموعة من العوامل، لعل في طليعتها المصالح المشتركة للولايات المتحدة وإسرائيل.
الهيمنة الاقليمية
المشكلة أن الكثير من المسؤولين الأمريكيين اعترفوا بأن ليس لديهم اي دليل على ان ايران تقوم ببناء قنبلة نووية، ومنهم على سبيل المثال، كينيث بريل، مبعوث الولايات المتحدة السابق الى وكالة الطاقة الذرية الدولية الذي شغل أيضا منصب مدير مركز مكافحة الانتشار النووي من عام 2005 حتى عام 2009، وقد صرح بالقول «اعتقد ان الايرانيين يرغبون الحصول على القدرة النووية، لكن ليس لديهم المخزون».
وبالمثل، فإن أجهزة الاستخبارات الأمريكية قدمت مراجعة رسمية في شهر ديسمبر 2007 ادت الى الاستنتاج أن البرنامج النووي الايراني كان سلميا منذ عام 2003، وقد جاءت هذه المراجعة كنقيض حاد للمزاعم الإسرائيلية بأن إيران على وشك الحصول على القنبلة النووية، وبأنها نصبت جيلاً جديداً من أجهزة الطرد المركزي في منشأة «فوردو» لأغراض التسلح النووي. علما ان منشأة «فوردو» يتم الاشراف عليها من قبل وكالة الطاقة الذرية، كما أكد بوضوح مدير الوكالة يوكيا امانو وهو الامر الذي يعني في جوهره أنه سيتم الكشف عن أي محاولة ايرانية لعسكرة المنشأة، فضلا عن وجود كاميرات مراقبة لرصد أنشطة ايران لتخصيب اليورانيوم المثير للجدل.
وفي الوقت نفسه، زاد زعماء ايران جهودهم لطمأنة العالم الخارجي بأن ايران لا تسعى لبناء وتخزين الأسلحة النووية. وفي خطاب ألقاه المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية علي خامنئي قام بشجب انتشار القنابل النووية واعتبر أنها «ضارة وخطرة»، مؤكدا التزام ايران بالعمل من أجل عالم خال من الأسلحة النووية.
وقد جاء تصريحه استكمالا للفتوى الدينية التي اصدرها بتحريم متابعة تصنيع وتخزين الأسلحة النووية، لكن خطابه لم يزل الشك من نفوس الغرب الذي يظن بأن ايران تسعى بكل جهدها لامتلاك القنبلة النووية وتحقيق الهيمنة الاقليمية ورفع مستوى دفاعاتها.
ذرائع كاذبة
من وجهة النظر الايرانية يصر المسؤولون على ان الجمهورية الاسلامية ليس لديها برنامج لتطوير الاسلحة النووية، والا فإنها لم تكن لتوافق على تعليق برنامجها لتخصيب اليورانيوم وتنفيذ البروتوكول الإضافي الوارد في اتفاق باريس لعام 2004، هذا ناهيك عن الاقتراح الايراني المؤلف من ست نقاط بتمديد الايقاف مدة عامين، عندما وصل الرئيس محمود أحمدي نجاد إلى السلطة عام .2006
يضيف هؤلاء: كذلك، لم تكن ايران لتوافق على تركيب كاميرات للمراقبة تابعة لوكالة الطاقة الذرية للكشف عن أي محاولة غير مشروعة لتحويل برنامجها النووي لأغراض غير سلمية، كذلك لم تكن إيران لتوافق على شحن القسم الأكبر من اليورانيوم المنخفض التخصيب تماشيا مع الاتفاقية التي توصلت اليها طهران مع تركيا والبرازيل، أو لتوافق على تعليق تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المائة مقابل الحصول على امدادات الوقود النووي من الخارج، كما اقترح نجاد في زيارته في سبتمبر 2011 لنيويورك، لكن تصريحات نجاد وخامنئي من قبلها لم تكن كافية لانهاء الجدل حول البرنامج النووي الايراني.
بناء على ذلك، وكما بنيت حرب العراق على الكثير من الذرائع الكاذبة، يجرى الآن استغلال الأزمة النووية الإيرانية من قبل منافسي اوباما على الرئاسة وذلك لأغراض انتخابية، في حين تقوم اسرائيل بمواصلة سياستها التوسعية الاستيطانية. بالتأكيد، لا يتوقع أحد ان أوباما سيذكر العمليات الاستيطانية التوسعية عندما كان يلقي خطابه امام ايباك، اذ ان ذلك كان من شأنه ان يكون بمثابة قبلة الموت في حال إذا ما قرر ان يتحدث الى «اصدقائه» الاسرائيليين بصراحة وان يدعوهم الى التخلي عن الفوبيا الايرانية التي يتمسكون بها، وان يتجهوا بدلا من ذلك الى تحقيق العدالة للفلسطينيين المظلومين. لكن يبدو ان الشجاعة اللازمة لقول الحقيقة تغيب عن اروقة البيت الأبيض في هذه الأيام.
مهاجمة ايران
وكانت معلومات قد ترددت عن أن نتنياهو سيطلب إلى أوباما «التهديد بمهاجمة إيران»، وهو امر سيظهر خلال الايام القادمة من خلال خطابات اوباما. نتنياهو معني بأن يشدد الرئيس الامريكي باراك اوباما على موقفه العلني من الملف الإيراني، «ليؤكد أن جميع الخيارات مطروحة على الطاولة، ولاسيما التأكيد أن استعدادات تجرى للقيام بعملية عسكرية في حال إذا ما تخطت إيران الخطوط الحمر بنظر واشنطن».
واشارت المصادر إلى أن الاعتقاد السائد في إسرائيل والولايات المتحدة هو أن الجانبين يختلفان إزاء الملف الإيراني، وثمة شعورا بعدم الثقة، كون كل طرف يتدخل في شؤون الطرف الآخر لاعتبارات داخلية.
وفي سياق متصل، كشف مصدر استخباراتي أمريكي أن المسؤولين الإسرائيليين أكدوا أنهم لن يبلغوا واشنطن مسبقاً إذا قرروا توجيه «ضربة عسكرية وقائية» للمنشآت النووية الإيرانية. وقالت المصادر إن نتنياهو ووزير دفاعه إيهود باراك نقلا رسائل بهذا المعنى إلى عدد من كبار المسؤولين الأمريكيين الذين زاروا إسرائيل أخيراً، ومنهم رئيس الأركان مارتن ديمبسي ومستشار الأمن القومي توم دونيلون ومدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية وعدد من نواب الكونجرس، مشيرة الى ان «المسؤولين الإسرائيليين أكدوا انهم إذا قرروا ضرب إيران، فسيكتمون الأمر عن الأمريكيين لتقليل احتمالات اتهام واشنطن بالفشل في منع الهجوم الإسرائيلي»، وتابعت المصادر أن «إسرائيل اقتنعت عقب زيارة دونيلون بأن الأمريكيين لن يلجأوا إلى العمل العسكري، وأنهم لن يؤيدوا قيام إسرائيل بذلك، فتوصلت إلى نتيجة مفادها أن عليها القيام بعمل عسكري من جانب واحد ضد إيران».