الجريدة اليومية الأولى في البحرين


المال و الاقتصاد

فى ظل وجود ثغرات ينفذ منها الاقتصاد
العقوبات السورية.. هل تحتاج إلى مزيد من الوقت أم إلى تشديدها؟

تاريخ النشر : الأحد ٤ مارس ٢٠١٢



ما زال النظام السوري يواصل سياساته القمعية، وما زال مسلسل العنف والاغتيالات يواصل عروضه اليومية، لتكتب فصولاً دامية تتصاعد حدتها يومًا بعد آخر، حتى مع وصول بعثة المراقبين العرب برئاسة السوداني مصطفى الدابي، وعلى الرغم من أن البعثة لم ترصد مواجهات دامية كالتي أذاعتها وسائل الإعلام عن حمص– معقل الحركة الاحتجاجية- فإنها أكدت أنها رصدت وجود القناصة أعلى البنايات في مدينة دوما.
في الوقت ذاته، طالب المراقبون العرب الحكومة السورية بسحب الآليات العسكرية من المدن، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، يبدو إلى الآن أن العقوبات السورية لم تؤت ثمارها المرجوة بعد، فهل يحتاج الأمر إلى المزيد من الوقت، أم أننا بحاجة إلى عقوبات أشد صرامة في ظل وجود ثغرات بالعقوبات ينفذ منها الاقتصاد السوري ليفلت من العقاب؟!
وإذا كان تأثير عقوبات الجامعة العربية - كما يرى المراقبون- لم يتضح بعد إلا أن التعرف إلى طبيعة هذه العقوبات يمكن أن يكون مؤشرًا على حجم التأثير الذي يمكن أن تسببه تلك العقوبات، التي تمثلت في وقف المبادلات التجارية مع الحكومة، باستثناء السلع الاستراتيجية التي تؤثر على الشعب السوري، وتجميد أرصدة الحكومة في الدول العربية، ومنع سفر عدد من المسئولين السوريين إلى الدول العربية، وفق قائمة لا يزال يتعين تحديدها، وتعليق الرحلات الجوية بين الدول العربية وسوريا، ووقف المعاملات المالية مع الحكومة والبنك المركزي السوري، ووقف تمويل مشاريع عربية في سوريا - ضربة مؤلمة إلى اقتصادهم، بعدما أضعفته العقوبات الاقتصادية الأوروبية والأمريكية إلا أنها حتى الآن لم تغير من سياسة القمع التي يتبعها النظام حيال الحركة الاحتجاجية.
تأثير سلبي
وكان وزير الاقتصاد والتجارة السوري محمد نضال الشعار قد أشار إلى أنه من الصعب أن نعرف تحديدا وطأة تلك العقوبات، لكن من المؤكد أنه سيكون لها تأثير شديد على الاقتصاد السوري؛ مضيفاً أن «الجامعة العربية تريد حصر التعاملات التجارية في المواد الاستراتيجية، لكنني لا أدري ما يعني ذلك؛ لأن بلادنا تصدر القمح والقطن والخضار والفاكهة واللحوم والمواشي إلى جميع الدول العربية».
ويقول إن «إجراءات التنفيذ لن تطبق بحرفيتها، ومن الطبيعي أن يكون هناك التفاف عليها؛ لأن المستهلكين اعتادوا بعض المنتجات، وإن قرروا الحصول عليها فسيحصلون عليها؛ ويتحتم على سوريا الانكفاء على ذاتها واعتماد الاكتفاء الذاتي؛ فمن وجهة النظر الاقتصادية، علينا أن نسعى إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي، ونترك للقطاع الخاص حرية التحرك، وخاصة أنه يمثل سبعين بالمائة من إجمالي الناتج الداخلي».
ثغرات
يشار إلى أن سوريا تصدر كثيرا من منتجاتها إلى عدد من الدول العربية، وفي مقدمتها العراق ولبنان، اللذان أعلنا عدم التزامهما بقرارات الجامعة العربية؛ حيث قال نائب وزير الخارجية العراقي لبيد العباوي إن «بغداد لديها تحفظات على هذا القرار؛ نظرًا إلى أنه سيضر بمصالح بلاده وشعبها لوجود جالية عراقية كبيرة في سورية».
وعلى الصعيد اللبناني فإن لبنان لم يحدد موقفه بدقة من العقوبات، حيث بعث بإشارات متضاربة في هذا الشأن.. وأكد وزير الخارجية اللبناني عدنان منصور أن بيروت لن تتخذ إجراءات ضد سوريا، لكن رئيس الوزراء نجيب ميقاتي قال إن «حكومته ستطبق قرارات الجامعة العربية في كل الأحوال».
يذكر أن سوريا - إضافة إلى عقوبات الجامعة العربية - تتعرض لعقوبات أوروبية وأمريكية قاسية، ولم يعد بوسعها تصدير نفطها، وقد أفاد خبير نفطي - رفض نشر اسمه - أن إنتاج سوريا تراجع من ثلاثمائة وأربعين إلى مائة وعشرين ألف برميل في اليوم.
وتهدد شركات النقل والتأمين مالكي السفن ممن يتحمسون لنقل النفط السوري، في وقت تفيد فيه الإحصاءات الرسمية أن الموارد النفطية تمثل 27,8% من عائدات الدولة السورية. كما أن تراجع الصادرات بنسبة عشرين بالمائة والواردات بنسبة أربعين بالمائة أدى إلى تراجع العائدات الجمركية، لذا فإن الحكومة السورية تسعى جاهدة لمواجهة تلك التحديات بقرارات تتسم بالمرونة وسرعة الحركة.
وعن أثر هذه العقوبات على الاقتصاد السوري، قال محمد توفيق سماق نائب وزير الصناعة إن «الدولة مدركة لأثر هذه العقوبات وتقوم بعمل جملة من الإجراءات لها طابع مصرفي وتفويض مجالس الإدارات في المؤسسات بصلاحيات استثنائية ضمن هذا الظرف الاستثنائي، وتكثيف اتصالات الشركات والمؤسسات المعنية منهم بأمور التسويق مع الأسواق الداخلية والخارجية من أجل التحقيق من وقع هذه العقوبات على المجتمع السوري».
وأوضح أن الجزء الأمريكي في العقوبات واضح نتيجة حجم التبادل التجاري المحدود بيننا، أما الأوروبي فهناك محاولات للتخفيف من هذه العقوبات قدر الإمكان؛ حيث إن السورية في عام 2009 بلغت حوالي أربعمائة وثمانية وأربعين مليار ليرة، وفي ذات الوقت فإن نحو خمسين بالمائة من هذه الصادرات يوجه إلى الأسواق العربية وثلاثين بالمائة إلى أوروبا، ونصف الصادرات العربية تصدر إلى العراق، مضيفاً: أما فيما يتعلق باتفاقياتنا مع الدول العربية، فإن اتفاقية منطقة التجارة العربية الحرة الكبرى هي أهم هذه الاتفاقيات، والتي تضم ثماني عشرة دولة.
‏وحول مدى استعداد السلطات السورية لتحمل وطأة هذه العقوبات يقول إن «الجاهزية قائمة وسنحاول جاهدين التخفيف من آثارها عن طريق اتخاذ جملة من الإجراءات، غير أنه - ومن الشكل القانوني - قضية العقوبات - سواء كانت اقتصادية أم سياسية - أمر مستغرب من الجامعة العربية، وهناك خلاف قانوني حول العقوبات؛ حيث بعض العقوبات تحتاج إلى إجماع، والبعض الآخر قد يحتاج إلى النصف، وقد لا يكفي ويحتاج إلى الغالبية المطلقة؛ لأن العقوبات بالنهاية نابعة عن قرار ستتخذه الجامعة».
أول المتضررين
ويرى محللون سوريون أن دول الجوار هي أكثر الدول تضررا من العقوبات الموقعة على سوريا، إذ تمتلك الأردن - على سبيل المثال – آلافًا من الطلاب الجامعيين الدارسين في سوريا، كما أن طريق الترانزيت من أوروبا إلى الأردن، ومن ثم إلى دول الخليج العربي، يمر عبر الأراضي السورية، وليس بالإمكان في وقت طال أو قصر تعويض الأمر بخطوط نقل أخرى، فضلا عن أن سوريا تمد الأردن بجزء لا يستهان به من الكهرباء والماء في بلد يفتقر إليها. وبالنسبة للبنان، فقد شكل في السابق نافذة لحل مشاكل استيراد مواد كانت سورية ممنوعة من استيرادها في ثمانينيات القرن الماضي، ورغم كل هذه العقوبات فإن المراقبين يجمعون على أن سوريا لن تعاني كما حدث مع العراق عقب غزوه للكويت في أغسطس 1990.
فالمشهد السوري اليوم مختلف عن المشهد العراقي يومها، حيث لم يكن العراق يتمتع بعلاقات طيبة مع دول الجوار العربي، مما جعل العقوبات فعالة وتمس الحياة اليومية للمواطنين الذين عانوا الأمرين بسببها، من بغداد الرسمية. ورغم موافقة تسع عشرة دولة على العقوبات، فإن اللافت كان موقف دول الجوار الرافض أو المتحفظ وهو ما بدا واضحاً من القبول الأردني المشروط للعقوبات العربية، وبما يراعي المصالح الأردنية، التي ستتأثر بطبيعة فيما لو قبلت الأردن العقوبات المفروضة على سوريا، وكذلك ما أبداه العراق إزاء عدم الرغبة بإغلاق البوابة العراقية أمام سوريا.. ولا يختلف الموقف اللبناني في ظل وجود حكومة يسيطر عليها مقربون من دمشق، ورغبة شعبية لبنانية في رد الدين لسورية التي احتضنت أكثر من مليون لبناني بعد حرب 2006.
من ناحية أخرى فقد أفادت تقارير أمنية أن وجود المراقبين الدوليين بسوريا لم يمنع قوات الأمن السورية من التعدي على المظاهرات، الأمر الذي أدى إلى مقتل 25 مدنيًا مؤخراً، وفق ما أدلى به ناشطون سياسيون.
كما أكد اقتصاديون أن العقوبات الاقتصادية التي أقرتها الجامعة العربية قد أدت إلى ارتفاع نسبة البطالة بمعدلات كبيرة وصلت إلى 30%. جدير بالذكر أن الجامعة العربية قامت في خطوة عملية سابقة تحسب لها، رغم أنها تأخرت كثيرًا، حيث كان قرارها الحاسم بفرض عقوبات اقتصادية على الحكومة السورية، بعد أسابيع من تعليق عضويتها، من أجل الضغط على النظام السوري لوقف نزيف الدم الذي يسيل بشكل يومي وللسيطرة على الأوضاع المتأزمة التي تهدد بحدوث حرب أهلية قد تأتى على الأخضر واليابس.