الجريدة اليومية الأولى في البحرين


مقالات

الثقافة السياسية
دور مواقع التواصل الاجتماعي في تعميق الوعي السياسي

تاريخ النشر : الأحد ٤ مارس ٢٠١٢



تعد مواقع التواصل الاجتماعي الظاهرة الإعلامية الأبرز في عالمنا اليوم، لكونها تستقطب شريحة كبيرة من فئات المجتمع، وخاصة الشباب باعتبارهم الأكثر تأثيراً في أي مجتمع بما يمثلونه من طاقة وقابلية للتغيير والتطوير. وتشير الإحصاءات الصادرة عن تقرير الإعلام الاجتماعي العربي الذي أصدره برنامج الحوكمة والابتكار بكلية دبي للإدارة الحكومية في 2011 إلى أن هناك 32 مليون مستخدم عربي لموقع (الفيس بوك)، بمعدل نمو قدره 50% منذ بداية عام 2011، وأن حوالي مليون ومائة ألف مستخدم عربي يستخدمون (تويتر) للتدوين عليه، ما بين مدون نشط، ومدون صامت.
كما أشار التقرير إلى أن مملكة البحرين تأتي ضمن أعلى خمس دول عربية استخداماً لتلك المواقع، بقياس نسبة المستخدمين إلى عدد السكان، وهي على الترتيب: الإمارات وقطر والكويت والبحرين ولبنان، ويشير موقع (سوشيال بيكر) إلى أن نسبة مستخدمي الفيس بوك في مملكة البحرين تبلغ 332 ألف مستخدم (وفقاً لبيانات فبراير 2012)، وهو ما يعني أن نسبة كبيرة من المجتمع البحريني يتعرضون لمواقع التواصل الاجتماعي، وهو الأمر الذي يمكن استثماره في ميادين كثيرة، لعل من أهمها ميدان تنمية الوعي السياسي، وتقديم جرعة ثقافية مبسطة لهؤلاء المستخدمين، تناسب إيقاع التعامل السريع مع مواقع التواصل الاجتماعي.
وبالطبع لا يمكن إغفال أن أحد أهم الأسباب الرئيسية التي أدت إلى زيادة مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي هو: الأحداث المؤسفة التي مرت بها مملكة البحرين في فبراير 2011، وتبلغ نسبة التعبير عن الآراء والمواقف السياسية نسبة كبيرة من تدوينات الجماهير، فقد وفرت ـ بلا شك - شبكات التواصل الاجتماعي قناة مهمة للتعبير عن الرأي، وكرّست مفهوم الحق في المشاركة السياسية. وفي حين قامت دول عديدة بقطع شبكة الإنترنت عن مواطنيها في الدول التي شهدت احتجاجات وتظاهرات لم تقدم الدولة على مثل هذه الخطوة تفعيلاً لمبدأ الحق في إبداء الرأي والتعبير المنصوص عليه في المادة التاسعة عشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: «لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير. ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء من دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت من دون تقيد بالحدود الجغرافية».
وتشير الملاحظات الأولية لاستخدامات مواقع التواصل الاجتماعي في مملكة البحرين ـ فيما يتعلق بالتعبير عن القضايا السياسية ـ إلى أن عدد من الإشكاليات التي يمثل بعضها مخالفات قد يتعرض صاحبها للمساءلة القانونية والأخلاقية إذا ما مورست في الإعلام الجماهيري الرسمي أو التقليدي، مثل التدوينات التي تحتوي على أبعاد طائفية، أو تلك التي تستخدم لغة تخالف الأعراف القيمة والأخلاقية، ويصل بعضها إلى السب والقذف والتشهير، والقيام بحملات منظمة للهجوم على بعض الشخصيات، أو القيام بالترويج للأخبار المغلوطة، وبث الشائعات التي من شأنها الإضرار بمصالح الوطن والمواطن، أو تنفيذ الحملات المنظمة لمهاجمة بعض القرارات السياسية، والتستر خلف الأسماء المستعارة حيناً، أو صدور هذه الممارسات من بعض الأفراد الذين يدونون من خارج مملكة البحرين، وتصنف بعض هذه الأعمال على أنها تصب في غير مصلحة الوطن، وتعمل على ما يمكن تسميته بـ (التجهيل السياسي) من خلال إعلاء لغة العاطفة الدينية والمذهبية على حساب لغة المنطق والعقل، وقد تسبب بعض الشروخ الاجتماعية فترة طويلة من الزمان.
لكن السؤال المطروح في هذا السياق: إذا كان بإمكان مواقع التواصل الاجتماعي القيام بتلك التأثيرات السلبية، فلماذا لا يتم استثمار هذه القنوات ذات الانتشار الواسع والتأثير الكبير بين كل فئات المجتمع لتنظيم حملات إعلامية هادفة، تعمل على ترميم العلاقات الاجتماعية التي تآكلت بفعل تأثير التدوينات السلبية في مواقع التواصل الاجتماعي، وتقدم جرعة ثقافية سياسية بأسلوب غير مباشر، وتقوم باستقطاب واستيعاب القدرات الشبابية الكبيرة، حيث إن كثيراً من طاقات الشباب يمكن توظيفها في هذا الجانب، لأن كثيراً من مفردات العمل السياسي ربما غائبة عن أذهان الشباب، ويكون دور شبكات التواصل الاجتماعي بمثابة النافذة أو القناة التي يتم من خلالها التوجيه السياسي، حيث تعد هذه الشبكات إحدى وسائل تشكيل الوعي السياسي في الوقت الراهن.
ومن أهم العوامل المؤثرة في تشكيل الوعي السياسي لدى الشباب نوع الثقافة السياسية المقدم، والذي ينقسم إلى ثلاثة أنواع:
1- ثقافة المشاركة: تؤدي إلى تكوين اتجاهات إيجابية تجاه الموضوعات السياسية (وعي مشارك).
2- ثقافة التبعية: تؤدي إلى تكوين اتجاهات سلبية تجاه الموضوعات السياسية (وعي سلبي أو تابع).
‌- الثقافة المحدودة: تؤدي إلى تكوين علاقة ضعيفة مع الموضوعات السياسية (وعي محدود).
ويراهن الخبراء والباحثون في مجال الاتصال السياسي على أن تقوم شبكات ومواقع التواصل الاجتماعي بدور بارز ومؤثر في تحقيق النوع الأول من الثقافة السياسية، وهو (ثقافة المشاركة) لأن إحدى أهم سمات هذه الشبكات التفاعلية اللامحدودة التي تتيح مشاركة أعداد كبيرة حول القضايا السياسية المعاصرة.
وعلى الصعيد المحلي يمكن الاستفادة من انتشار شبكات التواصل الاجتماعي في تشكيل اتجاهات الرأي العام تجاه مختلف القضايا، وتحديداً التوعية والتثقيف السياسيين من خلال نشر المفاهيم السياسية بأساليب مبتكرة. والفرصة أيضا متاحة لجميع مؤسسات المجتمع المدني للاستفادة من هذه الأدوات التفاعلية في الإعلام الجديد لتسويق أنشطتها وتفعيل دورها إلكترونياً. وخصوصاً أن التوقعات المستقبلية تشير إلى إمكانية قيام أنظمة سياسية افتراضية تحاكي الأنظمة السياسية الحقيقية الموجودة في العالم حالياً.
معهد البحرين للتنمية السياسية
للتواصل info@bipd.gov.bh