الجريدة اليومية الأولى في البحرين



«الربيع العربي» يلون شتاء موسكو

تاريخ النشر : الأحد ٤ مارس ٢٠١٢



موسكو- من: أورينت برس
عندما نشأت الحركة الاحتجاجية في روسيا خلال الشهر قبل الماضي، حين نزل عشرات الآلاف من الأشخاص إلى شوارع موسكو، كان يكفي الولوج إلى شبكة الإنترنت لندرك أن معظم المحرضين على الاحتجاج كانوا من مستخدمي الشبكة، فلا شك أن عددهم هو بالمئات أو حتى بالآلاف، وهم أشبه بجيش من الجنود الافتراضيين الذين يعملون على تعبئة الناس ودعوتهم إلى الثورة في القرن الحادي والعشرين.
ولا شك أن طرفاً معيناً كان يسهل التواصل بين جماعات «الفيس بوك»، ويحضر الفيديوهات على موقع «يوتيوب»، ويسجل الملاحظات على موقع «تويتر»، ويروج للتحرك على المدونات. هذا ما حصل فعلاً. عشية ليلة ثلجية من شهر ديسمبر، اجتمع عشرات من هؤلاء الناشطين في مقهى «ماسترز كايا»، مقابل مقر الكرملين، فحولوا المكان إلى مشغل صاخب وثوري.
في تلك الفترة، حصل أكبر احتجاج ضد حكومة فلاديمير بوتين بعد يومين فقط، وقد استفزهم رئيس الوزراء الذي قال إنه نادراً ما يستعمل الإنترنت بما يكفي حين نعتهم بالهمجيين وشبههم بمجموعة من القرود كتلك التي يتحدث عنها روديارد كيبلينغ في «كتاب الغابة». لكنهم اليوم يعملون على إثبات أن بوتين كان على خطأ كبير.
«اورينت برس» اعدت التقرير التالي:
يبدو ان موجة الربيع العربي القارسة ستنتقل هذه المرة الى موسكو بعد الاحتجاجات الاخيرة التي شهدتها البلاد من تنظيم مجموعة ناشطين على الانترنت.
في الواقع،لم يكن المتطوعون أفضل تنظيماً من بيروقراطيين كثيرين في روسيا فحسب، بل كانوا متفانين أكثر منهم أيضاً اذ يعملون بالساعات على المواقع الاجتماعية لحشد الروس من اجل المشاركة في الاحتجاجات، وللتنسيق مع جماعات المعارضة، تماماً مثل وائل غنيم ورفاقه المصريين الذين اشعلوا الثورة عبر المواقع الاجتماعية.
تعبير عن الرأي
اليوم، وبعد اسابيع قليلة على اتباع هذا الجدول، يحقق هؤلاء الناشطون ومعظمهم من الطلبة تقدما ملحوظاً، والمرة الاولى يبدو انهم لا يخشون من التعبير عن رأيهم وان بوقاحة احيانا فقد رسموا ملصقات تصور بوتين مع قرون في رأسه، وكتب عليها شعار «اذهب لترعى في بلد آخر!». كذلك، نشرت مجموعة هائلة من الملصقات التي تظهر وجه بوتين وسط دائرة حمراء كبيرة على شكل رمز «ممنوع التدخين».
الى ذلك، يعمد هؤلاء الشبان على تنظيم حركات احتجاجية خاطفة تنظم في مكان معين وتنسحب قبل وصول الشرطة، وقد تجاوزت المشاريع قيد النقاش حدود الملصقات والحركات الاحتجاجية الخاطفة، بل كان الهدف منها إنشاء نوع من الديمقراطية الافتراضية في روسيا، مما يسمح للناس بالتسجيل في موقع إلكتروني حديث مع التأكد من هوياتهم ومنحهم فرصة التصويت المباشر لمصلحة قادة حركة المعارضة وبرامجهم. المشروع هو أشبه بـ «فيس بوك مبتكر»، من خلال مزاولة السياسة عبر غرف الدردشة الإلكترونية لالغاء الشرخ بين العالم الافتراضي والعالم الواقعي.
وكانت المعارضة الروسية قد نظمت في شهر ديسمبر الماضي، أكبر احتجاجات شهدتها روسيا منذ سقوط الاتحاد السوفيتي، وقد فعلت ذلك عبر الوسائل الإلكترونية وعلى رأسها موقع «فيس بوك». وبعد الاحتجاج الثاني الذي شهد نزول 50 ألف شخص إلى ساحة بولوتنايا في موسكو، بدأ الكرملين يقدم تنازلات حقيقية فاقترح قانوناً لتسهيل مشاركة جماعات المعارضة في اعداد الانتخابات الحقيقية بدل اكتفائها بالانتخابات الافتراضية على الإنترنت، لكن سرعان ما برزت مشكلة جديدة: من هم قادة حركة المعارضة؟
من دون قيادة
الحقيقة انه لا توجد قيادة للمعارضة بعد، اذ يقول احد الناشطين إن المعارضة لا قيادة لها: «لا أحد يملك الآن تفويضا حقيقيا للتفاوض باسم جميع المحتجين. إذا قال أحد إنه يتكلم باسمهم، فسيكون هذا الشخص مجرد ثرثار متغطرس في هذه المرحلة». أفضل ما يمكن فعله للحصول على ذلك التفويض هو إنشاء ديمقراطية موازية على الإنترنت، حيث يستطيع المحتجون اختيار فريق من القادة.
حصلت محاولة واحدة لإجراء اختيار القادة في أواخر شهر ديسمبر عبر استعمال خدمة التصويت على الإنترنت لكن انتهت التجربة بفشل ذريع، فقد جاء في المركز الثاني المحتال سيرجي مافرودي الذي لا يرتبط بحركة المعارضة بأي شكل، وجاء في المركز الثالث رجل دخيل آخر، هو الزعيم النازي الجديد ماكسيم مارتسينكيفيتش الملقب باسم «تيساك» أو الفأس. وقد اعتبرت اللجنة التنظيمية التابعة للحركة، برئاسة الكسي نافالني الذي احتل المرتبة الاولى، أن التصويت كان مزوراً فألغيت نتائجه، وبعد فترة قصيرة، بدأ أحد الخبراء البارعين في مجال تكنولوجيا المعلومات، وهو ألكسندر جورنيك (27 عاماً)، بتطوير موقع خاص لتجنب تكرار ذلك الإحراج، لكن في بداية شهر يناير، تطوع نحو 60 شخصاً، بمن فيهم مجموعة من مهندسي البرمجيات، للمساعدة على بناء «الديمقراطية الإلكترونية»، وكانت المعايير الأساسية تتمحور حول البساطة وسرعة التنفيذ كي يتمكن الناس من التصويت بحلول وقت الاحتجاجات المقررة في فبراير.
ديمقراطية الكترونية
إن فكرة الديمقراطية الإلكترونية غير مسبوقة في روسيا، لكن هذه المشاريع معروفة في أجزاء أخرى من العالم باسم «الديمقراطية 2,0»، وهو مصطلح رمزي يعني السماح للأشخاص العاديين بالتأثير في عالم السياسة عبر الإنترنت. ظهر أشهر تطبيق خاص بهذا المشروع في عام 2009، عندما أنشأ الرئيس الامريكي باراك أوباما خدمة خاصة بآراء المواطنين بعد تنصيبه مباشرةً، فكانت تلك المحاولة «جريئة» فعلاً من أجل جمع أفكار سياسية من الناس مباشرة عبر الإنترنت، وقد حصد المشروع 44 ألف اقتراح ثم خضعت تلك الاقتراحات لتصويت شارك فيه 1,4 مليون مستخدم للإنترنت، لكن شكلت النتائج مصدر إحراج فعليا، ليس بالنسبة إلى أوباما بل بالنسبة إلى المشاركين في التصويت.
ففي ذلك الخريف، كتب صحفي أمريكي يقول: «وسط الانشغال الأمريكي بحربين ومشكلة الانهيار الاقتصادي، احتلت فكرة تشريع الماريجوانا المركز الأول بين الاقتراحات المفضلة. كذلك، جمع خيار إلغاء ميزة الإعفاء من الضرائب التي تتمتع بها «كنيسة دراسة المعرفة» )ygolotneicS( أصواتاً أكثر بثلاثة أضعاف من تلك التي حصدها خيار زيادة التمويل لمعالجة أطفال السرطان».
من المنطقي إذاً أن يشعر بعض قادة المعارضة الروسية بالقلق من الانتقال إلى ديمقراطية إلكترونية لأن هذا المشروع قد يفسد بسبب ارتفاع عدد المشاغبين والمخادعين على الإنترنت،هذا بالاضافة الى عملاء أجهزة الأمن الروسية. ولذلك يجب الا يتذمر الكثيرون من فوز شخصية مثل كسينيا سوبتشاك (وريثة شهيرة تلقب بباريس هيلتون روسيا) بأي استفتاء على الإنترنت، فهي تملك 300 ألف معجب على موقع «تويتر»، وهو ما يساوي ضعف عدد مؤيدي نافالني. عن هذا الموضوع، يقول نافالني: «لكني أقول لهم إنه مجرد استفتاء. إذا كنتم تخشون أن تتغلب عليكم كسينيا سوبتشاك، فلماذا تطالبون بالرئاسة؟ إذا كنتم تخشون التصويت، فمن الأفضل أن تبقوا في منازلكم».
خيارات المعارضة
في مطلق الأحوال، لا تملك المعارضة الروسية خيارات كثيرة عدا الطلب إلى مناصريها التصويت عبر الإنترنت لأن «ديمقراطية بوتين» عمدت إلى تهميشها، فحين حاول عدد من قادة المعارضة تشكيل حزب سياسي في الصيف الماضي، منعتهم وزارة العدل من التسجيل، وهكذا حرموا من المشاركة في الانتخابات.
كما أنهم لا يملكون خيار عقد اجتماع حقيقي يمكن أن يترافق مع انتخابات واقعية، وسيتطلب هذا الأمر استئجار مكان واسع بما يكفي لحشد المحتجين (مثل مدرج كبير)، لكن لا أحد سيجازف بإغضاب الحكومة من خلال تأجير مكان مماثل للمعارضة، ويضيف نافالني: «ستحضر الشرطة لتفسد التجمع حتماً». تأكدت تلك المخاوف عندما حاول الناشطون التجمع لليلة الثانية في مقهى «ماسترز كايا» مقابل مقر الكرملين، بحلول منتصف الليل، حضرت الشرطة واعتقلت مجموعة من الناشطين واصطحبتهم إلى مركز الشرطة، ثم أطلقت سراحهم من دون توجيه التهم ضدهم.
في هذا الصدد، تقول متحدثة باسم الحركة «كانت تلك الحملة مجرد عمل غبي يهدف إلى الترهيب». لكن نجحت تلك الحملة في تحقيق هدفها بنسبة معينة، فقد أجبر الناشطون على البحث عن مكان آخر، بينما انسحب آخرون وفضلوا الاكتفاء باستعمال شبكة الإنترنت بكل أمان، ومن الواضح أن الشرخ بين العالم الواقعي والعالم الافتراضي ليس ضئيلاً بقدر ما يدعي نافالني.