شرق و غرب
سوريا من حماة 1982 إلى حمص .2012 من شابه أباه فما ظلم
تاريخ النشر : الأحد ٤ مارس ٢٠١٢
إن مشاهد الجيش النظامي وهو يدك مدينة حمص دكا سعيا لإخماد الثورة المستعرة هناك ضد نظام بشار الأسد تكاد تكون إعادة لفيلم الرعب الذي كان بطله حافظ الأسد، الذي ورث الحكم لابنه بشار الأسد. في هذا الشهر مرت الذكرى الثلاثون على ما حدث في حماة. أنا أعرف كل شيء لأنني عايشت الحدث الأصلي.
لقد حدث كل شيء في شهر ابريل .1982 يومها كنت قد وصلت إلى مطار بيروت الدولي في إطار عملي مراسلا لصحيفة نيويورك تايمز. يومها سمعت بسرعة قصصا مرعبة تتعلق بانتفاضة حدثت في شهر فبراير من تلك السنة نفسها وكان مسرحها مدينة حماة السورية بقيادة حركة الإخوان المسلمين.
في تلك الفترة لم تكن توجد لا شبكة انترنت ولا هواتف نقالة على عكس ما أصبح عليه الوضع اليوم. لقد علمت آنذاك من مصادر عليمة أن الرئيس حافظ الأسد قد قضى على تلك الانتفاضة عبر قصف كامل أحياء مدينة حماة كما أمر بتفجير المباني فوق رؤوس ساكنيها باستخدام الديناميت. في شهر مايو من تلك السنة حصلت على تأشيرة للدخول إلى الأراضي السورية، فيما أعيد فتح مدينة حماة. لقد كان نظام حافظ الأسد «يشجع» السوريين على زيارة تلك المدينة المكسورة والمدمرة من أجل أخذ العبر واستلهام الدروس. لذلك فقد استأجرت سيارة وذهبت إلى مدينة حماة بدوري.
لقد كان الوضع مرعبا، فقد تم تدمير سلسلة كاملة من المباني فوق رؤوس أصحابها وتحويل المكان إلى مواقف ضخمة للسيارات تفوق في حجمها مساحة ملاعب كرة القدم.
كان كل شيء يشي بمجزرة رهيبة في مدينة حماة، فلو نبشت قليلا في الأرض لعثرت على أشلاء ملابس أصحابها أو كتب ممزقة أو حذاء لا يعرف مصير صاحبه. لقد قدرت منظمة العفو الدولية أن نظام حافظ الأسد قد أزهق أرواح أكثر من عشرين ألفا من سكان مدينة حماة. لم أر في حياتي جرائم أبشع من تلك التي ارتكبها نظام حافظ الأسد في مدينة حماة وقد ألفت بعد ذلك كتابا في الغرض بعنوان «قواعد مدينة حماة».
إن قواعد مدينة حماة لا تمثل أي قواعد بأي حال من الأحوال. فأنت تفعل أي شيء من أجل البقاء في الحكم ولا تكتفي في ذلك بمجرد إلحاق الهزيمة بأعدائك، فأنت تقصفهم في بيوتهم وتدمر منازلهم فوق رؤوسهم قبل أن تسحقهم سحقا حتى لا ينسى أبناؤهم وأحفادهم الدرس أبدا ولا يحلمون حتى برفع رؤوسهم أمامك ببعض التحدي.
بعد مرور ثلاثين سنة ها هم أطفال أولئك القتلى قد نسوا الدرس وتحرروا من خوفهم، فهذه المرة لم يعد الأمر يتعلق بالإخوان المسلمين الذين ينتفضون ويشقون عصا الطاعة في مدينة من المدن السورية. إن كل الشباب في مختلف مناطق سوريا هو الذي ينتفض اليوم ضد نظام بشار الأسد، الذي كان مجرد طفل يحبو عندما ارتكب والده مجزرة مدينة حماة.
ألف نافتيج ديلون وطارق يوسف كتابا مهما بعنوان: «جيل ينتظر: وعود لم تتحقق في منطقة الشرق الأوسط». قد ذكر المؤلفان في كتابهما أن أكثر من مائة مليون شخص تتراوح أعمارهم ما بين 15 و29 سنة في منطقة الشرق الأوسط (كان عددهم أقل من 67 مليونا سنة 1990) لم يحصلوا على ما وعدتهم به حكوماتهم: من فرص للعمل والزواج وشقق سكنية إضافة إلى أخذ آرائهم وأصواتهم بعين الاعتبار من أجل رسم مستقبلهم. لعل هذا الفشل هو الذي لعب دورا كبيرا في تفجير براكين الغضب في دول عربية عدة.
سوريا ليست النرويج، فالبحث عن إرساء الديمقراطية لا يمثل الدراما الوحيدة التي تتفاعل خيوطها هناك. تعاني سوريا كدولة انقسامات قبلية وطائفية شديدة، فالأقلية العلوية الشيعية ؟ التي يقودها آل الأسد ؟ والتي تمثل أقل من 12% من الشعب السوري - تهيمن على الحكومة والجيش والأجهزة الأمنية. أما السنة فهم يشكلون 75% من السكان فيما تبلغ نسبة السكان المسيحيين 15% تقريبا ويشكل الأكراد والدروز وجماعات أخرى النسبة المتبقية.
بدأت الثورة في سوريا كانتفاضة غير طائفية وكتعبير غير عنيف عن رغبة الشباب السوري بالأساس كي يعاملوا كمواطنين غير أن نظام بشار الأسد قد رد عليها منذ البداية بشكل عنيف استخدم فيه كل أساليب العنف، الأمر الذي أثار مخاوف طائفية لدى كل الأطراف. لقد أصبح يصعب اليوم معرفة إذا ما كانت التطلعات الديمقراطية للثورة السورية قد توقفت وإذا ما كانت التطلعات الطائفية (رغبة الأغلبية السنية في التخلص من حكم الأقلية العلوية) هي التي بدأت.
إن هذه المخاوف الطائفية التي تحدثت عنها هي التي تجعل اغلب العلويين يصطفون خلف نظام بشار الأسد، الذي يحظى أيضا بتأييد بعض السنة المستفيدين من النظام وخاصة منهم في مدينتي حلب ودمشق. إن هؤلاء العلويين والسنة الموالين للنظام ينظرون إلى حالة الفوضى وأعمال الشغب التي ترافق مباريات كرة القدم في مصر ويقولون لأنفسهم: «إما بشار الأسد وإما الفوضى، نحن نريد انتقالا سلسا وسلميا من حكم نظام الرجل الواحد بقيادة بشار الأسد إلى نظام سياسي أكثر تعددية وتوافقا لكننا لا نريد أن تنزلق سوريا في أتون الحرب الأهلية، الأمر الذي قد يؤدي إلى زعزعة استقرار كامل منطقة الشرق الأوسط. تذكروا جيدا: مصر تنتفض، ليبيا تنتفض، تونس تنتفض... أما سوريا فهي ستنفجر».
لا أعرف ما الذي يمكن أن يقنع بشار الأسد بالتنحي عن الحكم وفسح المجال لتشكيل حكومة وحدة وطنية لكنني أعرف ما هو ضروري: حتى يقدم على تلك الخطوة لابد أن يفقد بشار الأسد اثنتين من أهم الدعائم التي يستند إليها نظامه: تتمثل الدعامة الأولى في الدعم الذي يجده بشار الأسد من كل من الصين وإيران وروسيا. فيما يتعلق بهذه النقطة بخاصة يتعين على منظمة الأمم المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي والدول العربية والإسلامية أن تظل تطالب موسكو وبكين وطهران بالتوقف عن دعم نظام الأسد الذي يرتكب مجازر جماعية رهيبة في حق شعبه. لكن في الواقع لا تأبه الصين وإيران وروسيا لما يصدر عن الولايات المتحدة الأمريكية من إدانة غير أن هذه الدول الثلاث قد تكترث أكثر إذا ما صدرت مثل هذه الإدانة عن بقية دول العالم.
أما الدعامة الثانية التي يستند إليها نظام بشار الأسد للحفاظ على بقائه فإن السوريين هم وحدهم الذين يستطيعون إزالته. يجب على المعارضة السورية ؟ التي لاتزال مفككة بحكم الانقسامات التي تشقها ؟ أن توحد صفوفها وتمد الجسور مع العلويين إضافة إلى المسيحيين السوريين والتجار السنة، وتضمن لهم مصالحهم في سوريا الجديدة وذلك حتى تقنعهم بالتخلي عن بشار الأسد.
إذا لم تنجح المعارضة في ذلك فإنه قد لا يتحقق اي شيء جديد في سوريا، فكلما برهنت المعارضة ؟ لنفسها ولكل السوريين وللعالم بأسره ؟ على أنها جادة في العمل على بناء دولة سورية تعددية جديدة، يعامل فيها كل فرد كمواطن على قدم المساواة، ازداد ضعف بشار الأسد وتفاقمت عزلته وكلما زادت الآمال في أن سوريا ما بعد بشار الأسد ستكون مستقرة وتحترم فيها كرامة المواطن، وكلما ظلت المعارضة السورية منقسمة على نفسها ازداد بشار الأسد قوة، وظل تشبث بعض السوريين بنظامه خوفا من الفوضى.
إنترناشيونال هيرالد تربيون