قضايا و آراء
القطاع المالي والمصرفي وإمكانات تعزيز ريادة البحرين إقليميا وعالميا
تاريخ النشر : الأحد ٤ مارس ٢٠١٢
مرة اخرى تثبت مملكة البحرين انها مركز مالي ومصرفي اقليمي وعالمي ديناميكي قادر على الصمود في وجه الأزمات المالية وتجاوزها، فبعد تخطيها تداعيات وارتدادات الأزمة المالية العالمية التي طالت القطاع المالي والمصرفي في مختلف أرجاء العالم، جاء تأكيد عدد من كبار المصرفيين في البحرين أن المملكة نجحت في تجاوز الأزمة الراهنة وتبعات الأحداث السياسية وأن الوقت الصعب مر بسلام، وابداؤهم التفاؤل تجاه القطاع المصرفي البحريني في عام 2012، وذلك على هامش اجتماع جمعية المصرفيين البحرينية الذي عقد يوم التاسع عشر من فبراير 2012، بمشاركة نخبة من المسئولين والرؤساء التنفيذيين لكبار البنوك العاملة في المملكة، وان ذلك نتيجة منطقية للسياسات والاجراءات المدروسة التي يتخذها مصرف البحرين المركزي بتوجيه ودعم ومتابعة من القيادة السياسية للبلاد وبما يعزز من صحة وأمان وحيوية العمل المالي والمصرفي مع اعتماد رقابة فعالة على نشاطاته ومصادر تمويله وفقا لأفضل المعايير الدولية المعتمدة، وحفز دوره الاستثماري ولاسيما قطاع المصارف الاسلامية، الذي يتسق مع مجمل السياسات الاقتصادية الحكيمة التي جعلت من التنمية بالمملكة، تنمية ذكية انتقائية في قطاعاتها، مستوعبة لحاجات البيئة الاقليمية فضلا عن الوطنية بدقة وحنكة وبعد نظر، وهذا ما عرفناه عن قيادة البحرين عبر الزمن، حيث تمكنت خلال السنوات الماضية من احراز نجاحات اقتصادية باهرة فقد حققت خطوات مهمة على طريق تطوير سياسات تنويع مصادر الدخل القومي، وتحقيق نمو اقتصادي مستمر، مع المحافظة على مستوى منخفض من التضخم، والسيطرة على وضع المديونية العامة، وصولا الى تحسين الوضع التنافسي للبلاد وزيادة فرص النمو، وتطوير الموارد البشرية الوطنية، والسعي الجاد إلى معالجة مشكلات البطالة واصلاح سوق العمل ورفع مستوى معيشة المواطنين واتخاذ خطوات جوهرية لحل مشكلة الاسكان، ومكافحة الفساد الاداري والمالي وتدعيم مبادئ التحرر الاقتصادي والشفافية، وتحقيق نجاحات اقليمية ودولية في قطاعات الخدمات الصحية والتعليمية والتدريبية، والسعي الى تطوير الادارات المختصة بتقديم الخدمات للمواطنين، ودعم وتشجيع وضمان الاستثمارات الوطنية والاجنبية في مختلف القطاعات، وتوفير الرعاية والاحتضان للقطاع الخاص، والتعامل الايجابي مع مختلف التطورات الاقتصادية والتقنية والسياسية التي يموج بها العالم.
كما تم انشاء الكيانات المؤسسية اللازمة لعملية الاصلاح والتنمية الاقتصادية وفي مقدمتها مجلس التنمية الاقتصادية، وتطوير الهياكل الادارية للوزارات والمؤسسات الحكومية وانشاء عدد من الهيئات الرأسية لقيادة قطاعات اقتصادية فاعلة، وتعد الرؤية الاقتصادية للبحرين 2030 بمثابة الاطار الفكري الذي يرسم اتجاهات التنمية والنهوض للمرحلة القادمة التي تتطلب السعي إلى تطوير النجاحات المتحققة وبما ينمي المنافسة والشفافية والعدالة في مختلف القطاعات الاقتصادية وتعزيز بناء القدرات العلمية والتقنية لزيادة الوزن النسبي للاقتصاد الوطني إقليميا وعالميا، وتوفير مقومات اقتصاد يعتمد الابتكار بأولوية وأهمية قصويين وبمنهجية علمية متنامية.
إن القطاع المالي والمصرفي ولاسيما الاسلامي منه يحظى بأهمية ووزن استثنائيين في مسار التوجهات التنموية في المملكة ولاسيما بعد النجاحات المتلاحقة التي حققها، وعد واحدا من ابرز معالم مطلع الألفية الثالثة على صعيد المال والاستثمار والفكر الاقتصادي في العالم، وتمكن من شق طريقه المميز وسط زحام المؤسسات المالية والمصرفية التقليدية العريقة حتى بلغ عدد المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية في دول مجلس التعاون الخليجي ما يزيد على (320) مصرفا ومؤسسة مالية متنوعة التخصصات والنشاطات، يتوطن منها نحو (195) مصرفا ومؤسسة مالية واستثمارية في مملكة البحرين وحدها. فضلا عن عدد من المؤسسات المالية المساندة والداعمة للمصارف والمؤسسات المالية الإسلامية مثل المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية، والسوق المالية الإسلامية، وهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، ومركز إدارة السيولة وغيرها من المؤسسات ،حتى اصبح لا يمر شهر الا ويعقد في البحرين مؤتمر او ملتقى او اجتماع يناقش جانبا من نشاطات القطاع المالي والمصرفي الاسلامي.
ان النمو السريع في نشاطات المؤسسات المالية الإسلامية والإقبال المتزايد الذي تحظى به من جمهور المستثمرين والمدخرين ومن حكومات البلدان المختلفة لم يرافقهما تطور مماثل في مجال إعداد وتأهيل الموارد البشرية ولم يواكبه تحول ملموس في البنية التحتية الأكاديمية المؤهلة للموارد البشرية التي تحتاج إليها المؤسسات المالية والمصرفية الإسلامية على الرغم من الجهود التي بذلتها المؤسسات المالية الإسلامية لتأهيل العاملين فيها، من خلال إنشاء مراكز تدريب وتأهيل ومعاهد متخصصة بالمصرفية الإسلامية، فإنه بمقارنة هذه المبادرات بحجم التوسع الكمي والنوعي والكيفي الذي تشهده المؤسسات المالية والمصرفية الإسلامية، نجد أنها غير كافية لمواجهة الطلب الحالي والمستقبلي، الأمر الذي يجعل الانظار تتجه الى مملكة البحرين باعتبارها رائد المصرفية الاسلامية ومنبع تأصيلها المعاصر، فكرا وممارسة، وقاعدة بنيتها التحتية المؤسسية والتشريعية الداعمة، لتبادر الى ردم الفجوة في هذا المجال الاكاديمي والمصرفي المهم عبر دعم واحتضان مجلس التعليم العالي لإنشاء جامعة متخصصة بالعلوم المالية والمصرفية والحقوقية الإسلامية وعدها حاجة ملحة آن أوانها، ولاسيما ان هناك مشروعا مطروحا امامه منذ اكثر من اربع سنوات، ويستلهم وينطلق من توجيهات جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، الذي يؤكد «ان النهضة التعليمية للمملكة ينبغي ان تقوم على محور الحفاظ على تراث البحرين الأصيل وتعميق شخصيتها العربية والإسلامية والتطلع الى صناعة تعليم كفء ومنفتح وقادر على استيعاب متطلبات العصر»، وانسجاما مع رؤية حكومة المملكة للتعليم الخاص التي عكستها إشادة صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس مجلس الوزراء «بالدور الذي تضطلع به الجامعات الخاصة في المحافظة على السمعة والمكانة التعليميتين للبحرين من خلال التزامها بالمعايير والشروط الأكاديمية، ودعم جهود الحكومة في توفير فرص التعليم والتدريب أمام المواطنين والحفاظ على سمعة ومكانة البحرين التعليمية»، ولسد النقص الحاصل في هيكلية التعليم العالي الخاص بإضافة نوعية متميزة، مواكبة لمسيرة التطور العلمي والحضاري العالمي وعاكسة في الوقت نفسه لشخصية البحرين وموروثها العربي والإسلامي، قادرة على الارتقاء بطلبتها بما يجعلهم الخيار المفضل في سوق العمل بحرينيا وعربيا وعالميا، وتحقيق التفوق والسبق الإقليميين والعالميين لمملكتنا العزيزة على خطى تحقيق الرؤية الاقتصادية للبحرين 2030، وبما يتسق مع الضوابط والنظم والقرارات التي اتخذها مجلس التعليم العالي والتي تعد نقلة نوعية وانجازا كبيرا حققته وزارة التربية والتعليم لترقية وترصين التجربة البحرينية في هذا المجال عبر تأكيد حضورها ورقابتها واشرافها المؤسسي على التعليم العالي الخاص.
ختاما لابد من القول ان الاسراع في اقرار هذا المشروع وتيسير اجراءات تنفيذه ودعم رسالته واحتضان مؤسسيه، كل ذلك سيسهم في تعزيز ريادية مملكتنا الحبيبة في هذا القطاع الحيوي ويحقق مزيدا من التكامل بين قطاع التعليم واحتياجات سوق العمل في القطاع المالي والمصرفي والاستثماري.
* أكاديمي وخبير اقتصادي