تضييق الخناق على طالبي الجنسية الفرنسية.. لعبة انتخابية
 تاريخ النشر : الاثنين ٥ مارس ٢٠١٢
باريس - من: «أورينت برس»
تتجه فرنسا في الآونة الحالية إلى فرض مزيد من الإجراءات التي تصعب من عملية حصول الأجانب على الجنسية الفرنسية، وذلك بإرغامهم على إجراء اختبارات جديدة في اللغة الفرنسية وأداء قسم الولاء للقيم الفرنسية. لكن منتقدي هذه الإجراءات التي اتخذتها حكومة الرئيس نيكولا ساركوزي قبل أربعة أشهر فقط على موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في ابريل القادم، اعتبروا هذه الخطوات مجرد محاولة مكشوفة من الرئيس للتقرب إلى اليمين المتطرف المعادي للمهاجرين، وكسب أصواته في الانتخابات المقبلة.
ويتزايد النقد الموجه لساركوزي في هذا الاطار، بحيث اعتبر معارضو هذا القرار انه مع أن فرنسا تتبنى شعار الحرية والمساواة والإخاء، فإننا لا نرى كثيراً هذه المساواة اليوم، بل بالعكس، نشهد تراجعاً خطيراً في بعض المناحي عن هذا الشعار.
فهل من مبرر لساركوزي لاستغلال منصبه في قرار من هذا النوع فقط لكي يضمن حصوله على اصوات فئة متشددة من اليمين؟
«أورينت برس» أعدت التقرير التالي:
بموجب القواعد الفرنسية الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ مع بداية العام الجديد، يتم إخضاع المرشحين الجدد للحصول على الجنسية الفرنسية لاختبار في التاريخ والثقافة الفرنسيين، وسيكون عليهم إثبات قدرتهم على التحدث باللغة الفرنسية بنفس كفاءة من هم في سن ١٥ سنة من الفرنسيين، بالإضافة إلى توقيع الراغبين في الحصول على الجنسية ميثاقا يوضح الحقوق والواجبات.ليس خطوة إدارية
يقول الميثاق الجديد: «لن يكون بإمكان المتقدمين بطلبات الجنسية إعلان ولائهم لبلد آخر»، وإن كان تم الاحتفاظ بحق حمل جنسيتين مختلفتين. ويضيف الميثاق في فقرة أخرى، تبريراً للقواعد الجديدة، «ان يصبح المرء فرنسيا ليس مجرد خطوة إدارية يتم اتخاذها وتنتهي المسألة، بل هو قرار يستدعي التفكير مليا».
وقد وصف وزير الداخلية المحافظ في الحكومة الفرنسية، كلود جيو، الإجراءات الجديدة بأنها «ميثاق مهم بين البلد المضيف والمتقدم بطلب الحصول على الجنسية»، مضيفاً أنه يتعين على المهاجر إجادة اللغة الفرنسية لأن اندماجه سيكون من خلالها، كما عليه التقيد بالقيم الفرنسية واحترام المبادئ التي قامت عليها الجمهورية مثل الديمقراطية. وفيما اعتبر محاولة أخرى لمضايقة المسلمين الذين يشكلون أغلبية المتقدمين للحصول على الجنسية، ضمن ١٠٠ ألف طلب سنويا، قال جيو إنه يتعين على الراغبين في الحصول على الجنسية الفرنسية أن يدركوا أهمية الدولة العلمانية والمساواة بين الرجل والمرأة.
علما انها ليست المرة الأولى التي يتخذ فيها وزير الداخلية المعروف بتوجهه اليميني إجراءات متشددة ضد المهاجرين والأجانب في فرنسا، بل سبق له أن أقر إجراء يقلص عدد المسموح لهم بتقديم طلبات الهجرة إلى فرنسا من ٢٠٠ ألف سنوياً إلى ١٨٠، بالإضافة إلى شنه حملات أمنية ضد المهاجرين غير الشرعيين وترحيلهم خارج فرنسا، بل إن الدولة الفرنسية تراجع حاليا قوانين تقوم من خلالها بسحب الجنسية من مواطنين يدانون في جنح، أو يتورطون في تعدد الزوجات الذي يحرمه القانون الفرنسي، وهي خطوات أثارت حفيظة منظمات المجتمع الفرنسي التي سارعت إلى إدانتها ورفضها كونها تمس بحرية الاديان ومعتنقيها.
من ابرز الامثلة على تعنت المسؤولين الفرنسيين ضد المسلمين الراغبين في الحصول على الجنسية الفرنسية، تدخل وزير الداخلية شخصيا في العام الماضي لمنع حصول رجل جزائري يقيم في فرنسا على الجنسية الفرنسية بسبب «سلوكه المذل» للمرأة بعدما أقر الرجل أنه كان يمنع زوجته الفرنسية من مغادرة البيت في بعض الأحيان.
انتقادات حقوقية
لكن نشطاء حقوقيين اعتبروا أن الحكومة الفرنسية، من خلال التضييق على المهاجرين والأجانب، إنما تنخرط في «سياسة التشكيك والتشويه.. واللهاث وراء أصوات اليمين المتطرف.. فعندما نسمع الخطاب الحالي الرائج في فرنسا ضد المهاجرين، وعندما نلاحظ كيف ينخرط الناس بسهولة في خطاب عنصري يستهدف الآخر المختلف داخل فرنسا، فإننا نشعر بالخوف ونقلق على المستقبل في هذا البلد الحر، فهذا الرجوع إلى القومية الضيقة يعزلنا عن الآخر ويضع المواطنين في مواجهة بعضهم بعضا، وسط أجواء من الخوف والكراهية. ولعل المفارقة اللافتة أن الأجواء غير الصحية التي تكرسها الحكومة الفرنسية تثير العديد من التساؤلات، فيما الرئيس نفسه هو ابن مهاجر وزوجته من أصول إيطالية.. فكيف نفهم هذا التناقض عدا أن له أسباباً انتخابية واضحة».
ولم تقتصر الانتقادات على منظمات المجتمع المدني والناشطين الحقوقيين، بل عبر العديد من القوى السياسية عن رفضها هذا التوجه، وعلى رأسها مرشح الحزب الاشتراكي لخوض الانتخابات الرئاسية، فرانسوا هولاند الذي اعتبر القيود المفروضة على الجنسية «استراتيجية انتخابية ينتهجها اليمين المستعد للقيام بأي شيء والتضحية بالمبادئ للبقاء في السلطة».
وهناك من اعتبر أن مستقبل التنوع في فرنسا بات في خطر على يد ساركوزي، لكن مع ذلك يرى العديد من المراقبين والمنتقدين للإجراءات الفرنسية، سواء من داخل فرنسا أو من خارجها، أن المستهدف الأول منها هم المهاجرون المسلمون وليس غيرهم، لذا قد لا يهم أن يحصل باقي الأوروبيين على الجنسية الفرنسية، لأن المشكلة بالنسبة لليمين الفرنسي المتشدد، الذي بدأ يخترق النقاش العام، تكمن في عدد المهاجرين المسلمين المتزايد داخل فرنسا، والخوف من صدام موهوم مع القيم العلمانية.
قرار مجحف
وقد بررت ادارة ساركوزي قرارها المجحف بتطورات الأزمة الاقتصادية الحالية في فرنسا، وما فرضته على فرنسا من اعتماد سياسة الاعتدال في النفقات العامة.
ويريد المسؤولون عن منع حق اللجوء تقليص الميزانية السنوية البالغة ٥٢٣ مليون يورو هذا العام. ومن الإجراءات التي يعتمد عليها في ضبط طلبات اللاجئين تحديد المدة التي يسمح فيها بتقديم الطلب بـ٩٠ يوما من تاريخ الدخول إلى فرنسا.
وفي محاولة اخرى لضرب المهاجرين، أكد وزير الداخلية الفرنسي أنه سيطلب إلى البرلمان قطع المعونات الاجتماعية عن اللاجئين الذين يخالفون تعليماتها أو لا يتعاونون بأمانة مع الإدارة المعنية، مثل أولئك الذين يتهربون من الكشف عن الأجور التي يتقاضونها عن عمل غير مصرح به، في إقرارات ضريبة الدخل.
وهناك إجراء ثان من المتوقع تطبيقه، وهو ضرورة امتثال طالب اللجوء بموقع السكن الذي تقرره له السلطات وعدم ترك الاختيار لذوقه أو رغباته. ومن المعروف أن اللاجئين يفضلون السكن في العاصمة وضواحيها أو في المدن الكبرى. وبهذا فإن المتقدمين بالطلبات سيوزعون رغما عنهم على عدة مراكز تنتشر على الخريطة الفرنسية.
ومن الإجراءات الجديدة، أيضا، توسيع قائمة البلدان الآمنة التي لا تقبل طلبات اللجوء من رعاياها، لكي تشمل أرمينيا ومولدافيا ومونتينيغرو وبنغلاديش. ويعتبر بلد الأصل آمنا في حال إذا ما جرى فيه احترام مبادئ الحرية والديمقراطية ودولة القانون وحقوق الإنسان والحريات الأساسية.
وفي كل الحالات، فإن المتقدم الذي يصدر في حقه قرار بالرفض النهائي لطلبه، عليه مغادرة فرنسا، حسبما أفاد الوزير. علما أن فرنسا هي البلد الثاني في قائمة الدول التي تستقبل اللاجئين، بعد الولايات المتحدة، وهي الأولى في أوروبا، قبل ألمانيا والسويد وبريطانيا.
طبعا، لم تمر قرارات ساركوزي ووزير الداخلية مرور الكرام إذ سرعان ما أعلنت جمعية «فرنسا أرض اللجوء» استهجانها سياسة الطرد الممنهج، منذ ٢٠٠٣، وتشديد إجراءات اللجوء. أما منظمة العفو الدولية فانتقدت بشدة سياسة تعميم التجاوزات الصادرة عن بعض اللاجئين، على غيرهم ممن يستحقون الحماية بالفعل. ويأتي تشديد إجراءات اللجوء السياسي مترافقا مع محاولة الحزب الحاكم إعادة النظر في قانون الجنسية الصادر عام ١٩٩٣ والساري المفعول، حاليا.
.