في ندوة لاتحاد المحامين العرب بالقاهرة:
الوحدة العربية ومخاطر التقسيم
 تاريخ النشر : الاثنين ٥ مارس ٢٠١٢
مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية
تشهد المنطقة العربية، على خلفية ما يسمى الربيع العربي، تطورات جمة تصب في مجملها في خانة إضعاف العرب عبر تفتيت النظام الإقليمي العربي، وتدشين نظام إقليمي جديد لم تتضح معالمه وخصائصه بعد.
ولأن أحداث الربيع العربي لم تقتصر في تداعياتها وتفاعلاتها على المحيطين الداخلي والإقليمي فحسب، وإنما كانت لها انعكاسات واضحة على المحيط الدولي، تجلت فيما تعرض له الربيع العربي من محاولات اختراق من جانب قوى خارجية عديدة، لإجهاضه أو في أسوأ الظروف توجيهه بما يخدم مصالحها الاستراتيجية في المنطقة العربية، فقد استدعت التطورات إلى الذاكرة مسألة الوحدة العربية، التي تجلت في أبرز نماذجها في تجربة الوحدة المصرية ؟ السورية.
في هذا الإطار، وبمناسبة ذكرى الوحدة بين مصر وسوريا، أقامت الأمانة العامة لاتحاد المحامين العرب ندوة في مقر الاتحاد بالقاهرة يوم ٢٨ فبراير ٢٠١٢، بعنوان «الوحدة العربية ومخاطر التقسيم»، شهدت حضور لفيف من المحامين والمفكرين القوميين العرب الذين تحدثوا عن خطورة الوضع العربي الراهن وعن الوضع المأساوي في سوريا، وتذكروا الرئيس جمال عبدالناصر وقالوا عنه إنه زعيم الوحدة العربية ومفجرها الذي انتصر لقضايا أمته العربية في التحرر والتقدم والاستقلال، وكذلك الزعيم شكري القوتلي وزعماء سوريا الذين أصروا على تحقيق الوحدة فكان لهم ما أرادوا. وقد تمثلت المداخلات الرئيسية في الندوة في مداخلتي المفكر الليبي «عمر الحامدي»، والمناضل الفلسطيني «يونس الكتري».
ففي مداخلته في بداية الندوة أكد «عمر زين» الأمين العام لاتحاد المحامين العرب ضرورة أن يتوحد الوطن العربي، ويقف صفا واحدا لمواجهة التحديات التي تواجهه وتحاك ضده من قبل الأعداء في الخارج، محذرًا من مخاطر تقسيم الدول العربية وتشرذمها.
وقال إن الوحدة العربية هي مكمن عزة الأمة ونهضتها، وهي الحصن والمناعة وهي الأمل والرجاء وجزء من فكرنا وعقيدتنا، مشيرًا إلى أنه بهذه الوحدة سيتحقق التكامل السياسي والاقتصادي والاجتماعي بين أبناء الأمة الواحدة، وعليها تنكسر كل مشاريع الهيمنة والسيطرة والتبعية، مضيفًا أن الاتحاد ينشد كل جهد عربي مخلص يتجه نحو الوحدة العربية، ويطالب الجميع بالحفاظ على هذا وتحويله إلى عمل دائم منتج للوصول إلى الغاية المبتغاة، لأنه الطريق الوحيد للقضاء على العدو الصهيوني وتحرير فلسطين وبناء عزة العرب وقوتهم.
ونوه «زين» بـ: «ان المتابع للأحداث الجارية على الأرض العربية والمراقب للأوضاع الإقليمية والدولية، يدرك من الوهلة الأولى أن الأمة العربية في خطر حقيقي وأن مؤامرة كبرى صنعها أعداء الأمة تكاد تصل إلى مرادها بتقسيم الدول العربية إلى دويلات دينية وطائفية وعرقية، بعد أن نصب الأعداء قواعدهم العسكرية في الخليج العربي وبعد احتلال العراق الشقيق، وبعد أن أهدر النظام الرسمي العربي كل الفرص نحو طرح آليات للتنسيق أو التقارب بين أعضائه نتيجة الهيمنة الأمريكية الصهيونية عليه الذي استدعى القوى الاستعمارية لحصار العراق واحتلاله وقتل علمائه وسرقة آثاره ووضع اليد على ثرواته وتشريد أكثر من مليونين من أبنائه، ومثله تفعل القوى الاستعمارية في ليبيا وتحاول استدعاء هذه القوى إلى سوريا، في الوقت الذي كان يتعين أن يحل كل قضاياه داخل البيت العربي».
وأوضح أن الاتحاد يطالب بطرح آليات عربية لحل المنازعات العربية العربية إلى، وتطوير آليات العمل العربي المشترك، لأنه طوق النجاة، ومن بدايات الطريق نحو الوحدة، مضيفًا أنهم في الاتحاد سيقومون بوضع الخطوط العريضة والتفصيلية لهذه الآليات من خلال العمل اليومي، مشيرًا إلى أن الاتحاد مع الجماهير العربية التي تطالب بحريتها وكرامتها، ومع الحراك العربي الذي يطالب بالعيش والحرية والديمقراطية، ووجهته تحرير فلسطين.
وأشار الأمين العام لاتحاد المحامين العرب إلى أن ثورة ٢٥ يناير في مصر وثورة الياسمين في تونس كانتا نموذجين رائعين لحق الجماهير في اختيار حكامها بعد أن عانت القهر والاستبداد، مؤكدًا أن الجماهير عندما تطالب فذلك يعني أن الأمر يحتاج إلى إصلاح وتغيير وعلى الحكام العمل على ذلك دستوريٌّا وقانونيٌّا وتنفيذيٌّا. وشدد على أن الحريات وحقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة حكم القانون واستقلال القضاء والعدالة الاجتماعية والاقتصادية تأتي على رأس المطالب التي يتعين التمسك بها والعمل على تطبيقها.
وفي تعقيبه على مداخلة الأمين العام، أكد مدير الندوة أنه إذا كانت القوى المناوئة للوحدة العربية قد استطاعت أن تنال منها عام ١٩٦١، فإن الكارثة التي فاقت الانفصال بين مصر وسوريا تمثلت في انفصال مصر عن أمتها العربية بإقامة حاكمها الأسبق أنور السادات اتفاقيات كامب ديفيد أو ما سمي اتفاقية السلام المشترك بين مصر والكيان الصهيوني، حتى الوقت الراهن. وأشار المتحدث إلى أن زيارة السادات للقدس قوبلت بانتفاضة من جانب الشعب العربي في حركة وحدوية مناهضة لها، حيث أنشأ الشعب العربي ما سمي المؤتمر الشعبي العربي ضم القوى السياسية إلى وأطياف القوى المؤمنة بالوحدة، واتضح أن تيار الانفصال والتبعية للغرب بقيادة الولايات المتحدة والصهيونية بدأت تنتشر عدواه في ربوع الأرض العربية، وتم إنشاء المجلس القومي للثقافة العربية.
بعد ذلك، تحدث المناضل الليبي «عمر الحامدي»، الأمين العام المؤسس للمؤتمر الشعبي العربي والمؤسس للمجلس القومي للثقافة العربية، الذي أشار في بداية حديثه إلى ما وصفه بأنه «مثلث شيطاني» يؤطر الواقع العربي الآن، ممثلاً في: التخلف والتجزئة والتبعية للغرب. مؤكدًا أهمية تحرر العرب من الواقع المؤسف الذي يواجههم في الوقت الراهن، واصفًا ما يجري الآن من تقسيم للدول العربية إلى أطياف وقبائل بأنه (سايكس بيكو ٢)، مشيرًا إلى أن أخطر شيء في ظل هذا الواقع هو القضاء على الثورات العربية منذ ثورة ٢٣ يوليو والثورة الفلسطينية، متسائلاً: من يتحدث عن فلسطين في الساحات العربية الثائرة اليوم؟
وأكد المتحدث في مداخلته أن العرب اليوم أمام خيارين: إما الوحدة وإما التبدد. داعيا الجماهير العربية إلى الصحوة، وأن يكون خروجها إلى الساحات مخططًا بشكل استراتيجي.
وعن كيفية مواجهة هذا الانحدار، يرى المفكر الليبي أن ذلك لن يتحقق سوى من خلال التعبئة القومية الشاملة عن طريق إعمال الرأي والفكر، والحوار القومي ؟ الإسلامي، وتوظيف المنظمات الشعبية القومية. وتحدث «يونس الكتري» المنسق العام للتيار الناصري في فلسطين عن أهمية الوحدة العربية بالنسبة إلى الساحة الفلسطينية، مشيرًا إلى أنه قبل الوحدة المصرية ؟ السورية كانت فلسطين شيعًا وأحزابًا، وعندما قامت الوحدة طالبت بإحياء الكيان الوطني للشعب الفلسطيني، مشيرًا إلى أنه قبل أن تتم نكسة الانفصال كان في قطاع غزة أزمة اقتصادية وبطالة لدى الخريجين في القطاع، وقامت حكومة دولة الوحدة باستيعاب هؤلاء الخريجين في مؤسسات حكومة الإقليم الشمالي في سوريا، إلى أن حدثت نكسة الانفصال، وكان أبناء فلسطين أول من دفع ثمن الانفصال؛ حيث تم ترحيل أبناء غزة من سوريا، الذين لم يعودوا إلى غزة، وإنما تم استيعابهم في مؤسسات الحكومة.
وبتأييد وموافقة حكومة الجمهورية العربية المتحدة جرت انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني الأول في غزة عام ١٩٦٢، وتم إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية عام ١٩٦٤، وإنشاء جيش التحرير الفلسطيني بمساندة مصرية.
وتساءل المتحدث عن العمل القومي العربي الآن على الساحة الفلسطينية، مشيرًا إلى أن العمل في الساحة الفلسطينية لن يتوقف مهما تكن المؤامرات لتكريس الانفصال والانقسام، داعيًا اتحاد المحامين العرب إلى الدعوة إلى عقد لقاء مشترك عاجل من أجل إقرار المصالحة الوطنية الفلسطينية.
وعقب مدير الندوة على كلمة المتحدث بتأكيد أن قضية الوحدة العربية ستظل سبيلاً لتحرير فلسطين، وكذلك ستظل القضية الأساسية لاتحاد المحامين العرب.
ومن اللافت للنظر أن الندوة شهدت ملاسنات كلامية بين مؤيدي ثورات الربيع العربي وبين مؤيدي الأنظمة العربية؛ حيث اعترض «مؤمن كويفاتية» نائب تنسيقية الثورة السورية في مصر على كلمة عمر الحامدي الأمين العام للمؤتمر الشعبي العربي، الذي حاول وصف الثورات العربية بأنها تصب في مصلحة الدول الاستعمارية، وأن ميادين الدول العربية ترقص فيها المخابرات الإسرائيلية والأمريكية، فاعترض «مؤمن» وطالبه بوضع حل لما تقوم به الأنظمة العربية ضد شعوبها.
في حقيقة الأمر، ثمة حاجة في الوقت الحالي إلى إيقاظ الوعي القومي العربي، وضرورة أن يعي العرب ما يحيط بهم من مؤامرات غربية لتفتيتهم وإضعافهم وسلخهم من هويتهم، والتدخل في شؤونهم بزعم حل مشاكلهم مع أن الحل يجب أن يأتي من داخل البيت العربي وليس من خارجه، لأن الخارج لا يبحث سوى عن مصلحته فقط الذي يغلف تدخله تحت دعاوى ومبررات زائفة، وهو ذاته ؟ أي الغرب ؟ أول من ينتهكها ويتغاضى عنها، وإلا فأين الغرب مما تقوم به إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، أو مما حدث في العراق ويحدث في أفغانستان وغيرها الكثير من الدول العربية والإسلامية.
.