هوامش
لمصلحة من استمرار خطاب الفتنة؟
تاريخ النشر : الاثنين ٥ مارس ٢٠١٢
عبدالله الأيوبي
أن دعوات الفتنة وتأجيج الاحتقان الطائفي التي تنطلق من على منابر الخطابة الدينية تمثل خطرا حقيقيا على النسيج الوطني والسلم الأهلي، وإذا كان هؤلاء الدعاة لا يضعون لمصلحة الوطن وعلاقات مكوناته الدينية والمذهبية والعرقية أي وزن واعتبار، فإن هذا الموقف السلبي يفترض ألا يكون من جانب الجهة الحكومية المسئولة عن شئون المساجد وهي وزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف التي تتحمل المسئولية القانونية والأخلاقية لتقاعسها عن التصدي لهذه الدعوات ومحاسبة الخطباء الدينيين الذين يحرفون الخطاب الديني عن مساره الصحيح، كخطاب يدعو إلى نبذ الفرقة ويضع المصلحة الوطنية للبحرين وشعبها فوق المصالح كافة ذاتية كانت أم طائفية أم عرقية أم غيرها من المصالح التي تبقى صغيرة أمام المصلحة الوطنية.
ليست المساجد ولا الجوامع هي الأماكن التي تنطلق منها دعوات تفتيت المجتمع البحريني وتخريب الوئام الوطني بين جميع مكوناته، وليس الخطاب الديني عبر منابر الخطابة هو الرسالة التي تبث روح الكراهية والحقد بين هذه المكونات، بل على العكس من ذلك، فإنه في مجتمع يمثل الدين الإسلامي بالنسبة إلى غالبية أبنائه عقيدة مقدسة، يفترض من رجاله وخطبائه أن يتحلوا بروح المسئولية الوطنية ويبتعدوا تماما عن الخطابات ذات النفس الطائفي التي لا يمكن إلا أن تلحق الضرر بمكونات هذا الشعب، أما خلاف ذلك فإن أمثال هؤلاء لا يستحقون الصعود على منابر الخطابة الدينية.
ولا غرابة أن نسمع بعض الخطباء الدينيين يتعمدون بث الكراهية باستخدام مفردات لغوية مقيتة تسيء قبل كل شيء إلى المكان الذي تنطلق منه، أمثال هؤلاء نجدهم في المجتمعات كافة، ومجتمعنا البحريني واحد منهم، ولكن لا يعني ذلك أن يتركوا يعيثون في النسيج الوطني تخريبا وتمزيقا، أما ما يثير الاستغراب حقا هو صمت المسئولين في وزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف حيال مثل هذه الممارسات كأنها ليست الجهة الحكومية المسئولة عن ضبط الخطاب الديني ومنع استخدام المنابر الدينية للإساءة إلى أي من مكونات الشعب البحريني.
المطلوب من شيوخ الدين، أكثر من غيرهم، العمل على صون الوحدة الوطنية وعدم زج الدين الإسلامي في المناكفات ذات الأهداف السياسية أو استخدام الدين لتحقيق منافع ذاتية ضيقة عبر الإساءة وتحقير أي من مكونات المجتمع البحريني الدينية أو المذهبية والعرقية، فعدم قيام عالم الدين بدور الحامي للسلم الأهلي والوحدة الوطنية، يفقده أهم خصلة تخوله امتطاء منبر الخطابة الدينية، أما أن يكون عالم الدين مصدر تهديد لهذه الوحدة وتخريب النسيج الأهلي، فإن ذلك بحد ذاته سبب كفيل بمنعه من ممارسة الخطابة من فوق المنبر الديني.
فالكلمات غير المسئولة التي تصدر من على منابر الخطابة الدينية تحمل تهديدا خطرا للوحدة الوطنية وإن عدم تحرك الوزارة يمكن أن يفسره المحرضون وأصحاب خطب الفتنة الطائفية على أنه موافقة غير معلنة من الوزارة على مثل هذه الخطب أو في أحسن الأحوال عدم اكتراث الوزارة واهتمامها بمضامين الخطاب الديني وأهدافه، وبالتالي نرى المحرضين يتمادون في الانحراف بالخطاب الديني عن أهدافه الإنسانية والوطنية، بصفته خطابا يبني ويعزز الوئام الوطني بين مكونات المجتمع بغض النظر عن مختلف انتماءاتهم، دينية كانت أم عرقية أم غيرها من الانتماءات.
وخطورة خطاب التحريض الطائفي الصادر من على منابر الخطابة الدينية تزداد وتيرته في الوقت الحالي أكثر من أي أوقات مضت، فالجميع يعرف حساسية الوضع الذي تمر به البحرين بعد أحداث الرابع عشر من فبراير من العام الماضي وما تلاها من تداعيات خطرة مست النسيج الوطني البحريني مباشرة وأصابته بتهتك يحتاج إلى وقت طويل لإعادة ترميمه، فالأجواء التي نعيشها حاليا مهيأة لاحتضان من هذا الخطاب وبالتالي تزداد المسئولية الملقاة على عاتق الجهات الحكومية، وفي مقدمتها وزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف لتفويت الفرصة على ناشري الفتنة ومنعهم من تحقيق مآرب خطرة تهدد مستقبل السلم الأهلي.
ففي الوقت الذي يتكاتف فيه المخلصون من أبناء هذا الوطن ويقومون بمبادرات مختلفة لمنع مزيد من التدهور في العلاقات المجتمعية والحيلولة دون تعميق الشرخ الذي أصاب هذه العلاقات، يخرج علينا دعاة الفتنة الطائفية وأعداء الوئام الوطني بخطابات تهدم هذه الجهود وتعمل على تعميق هذا الشرخ مستغلين المنابر الدينية التي لا يجوز استخدامها إلا في الأغراض والأهداف النبيلة ومن أجل ترميم البيت الوطني لا تهديمه وزيادة تصدعه.