المال و الاقتصاد
ثورات الشرق الأوسط أصابت اقتصاد إسرائيل بالشلل
تاريخ النشر : الاثنين ٥ مارس ٢٠١٢
لا يعد الاقتصاد الإسرائيلي بعيدًا عن خضم الأزمات المالية التي تشكلت بالعالم وخصوصا أنه داخل منطقة الشرق الأوسط، لذا يواجه العديد من التحديات نتيجة تأثره بالأزمة الاقتصادية العالمية والتداعيات الإقليمية للربيع العربي، فضلاً عن الجمود المستمر الذي يعتري المشاهد السياسية والمماطلات التي تعرقل سير مفاوضات السلام وما يترتب عليها من انعدام الاستقرار بالمنطقة، الأمر الذي حدا بالحكومة الإسرائيلية إلى تفعيل خطة طوارئ اقتصادية حتى تتمكن تل أبيب من خلالها من مواجهة الأزمة والتي كان من المتوقع امتدادها حتى نهاية عام 2012.
وتشمل الخطة التي أقرتها وزارة المالية الإسرائيلية على آليات أمان لصيانة صناديق التوفير والتقاعد لمواجهة الخسائر المتلاحقة لها بأسواق المال، فضلاً عن تحديد الضمانات التي ستقدم للمصارف التجارية والصناعيين وكبار رجال الأعمال والمصدرين.
وبناء على ما تشهده إسرائيل من عدم استقرار والتهديدات التي أصبحت قائمة بعد اندلاع الربيع العربي، هدد نحو 34% من أصحاب الشركات العاملة بمجالي الصناعة والتجارة في إسرائيل معربين عن نيتهم نقل مشاريعهم الإنتاجية إلى خارج الدولة اليهودية.
بينما أقرت 50% من الشركات أنها ستستمر في مزاولة نشاطها الصناعي بإسرائيل، مشيرة إلى الخطر المحدق بها نتيجة التهديدات التي قد تؤدي إلى إغلاق الشركات والمصانع أو تجميد نشاطها كله نتيجة الوضع المتأزم على الصعيد السياسي خصوصًا، وأن للثورات العربية تأثيرًا كبيرًا جدًا على الاقتصاد الإسرائيلي حيث إنه سيخسر الكثير من الاستثمارات الأجنبية، بعد أن تسربت منه العديد من الشركات المحلية إلى خارج الدولة، إضافة إلى التراجع الكبير في التبادل التجاري بين تل أبيب وبعض الدول العربية.
وإضافة إلى ذلك، يأتي المشهد المتأجج من قلب إسرائيل نفسها والمتجدد بالإضراب الذي قامت به البنوك والموانئ والبورصة الإسرائيلية بعد أن واجهت المفاوضات بين النقابات والحكومة الإسرائيلية عقبات جديدة.
وكانت نتيجته أن بلغت الخسائر التي تكبدها الاقتصاد الإسرائيلي تكلفته على الاقتصاد بنحو 500 مليون دولار يوميًا نتيجة عطل حركة القطارات وإغلاق بنك إسرائيل المركزي ومكاتب حكومية.
وكان هذا الإضراب قد تسبب أيضًا في إغلاق مطار بن جوريون الدولي قرب تل أبيب مدة ساعة ونصف.
وقد استطاعت إسرائيل من خلال الخطط التي أعدتها لتجاوز جزء من الأزمة الاقتصادية العالمية والتي خيمت بظلالها على الأوضاع في إسرائيل، النجاح خلال الفترة الماضية في التعايش مع كل التطورات التي تطرأ على الأسواق العالمية وخصوصًا أوروبا التي تعد الأقرب إليها، إلا أن موجات الربيع العربي التي فاجأت إسرائيل لتثقل كاهل اقتصادها من الانكماش وخصوصا مع تزايد حالات الجمود بشأن الموقف الفلسطيني، بالإضافة إلى العصيان المدني والمهدد أن تضربه القوى العاملة بإسرائيل في المرافق الاقتصادية العامة، بهدف التنديد بأوضاع العمال من أصحاب العقود المؤقتة، ممن يستخدمهم القطاع العام، وبعض أجزاء القطاع الخاص بدعوة من اتحاد العمال الإسرائيلى.
وكانت وزارة المالية الإسرائيلية قد خفضت من حجم استفحال أزمتها الاقتصادية في ظل انعدام الاستقرار الإقليمي والتذرع بالمخاطر الأمنية والعسكرية، معزية هذا التهويل إلى مسعى الحكومة نحو تجاوز صدى الاحتجاجات الشعبية والاجتماعية في الشارع الإسرائيلي.
وكانت القرارات التي اتخذتها الحكومة الإسرائيلية بشأن الإنتاج الصناعي للشركات الإسرائيلية خارج حدود الدولة وفقًا لما يراه المحللون من شأنه أن يمس بشكل كبير بالأنشطة الصناعية والإنتاجية المحلية، لكون غالبية الشركات التي تنوي الانتقال إلى الخارج تتطلع ليكون نشاطها بديلاً عن وجودها في إسرائيل.
فضلاً عن أن هناك الكثير من العوامل والاعتبارات التي قد تدفع بالشركات الإسرائيلية إلى الانتقال إلى الخارج، والتي يأتي في مقدمتها حصولها على دعم من الدول التي انتقلت إليها، وأيضًا على هبات وتسهيلات ضريبية، إلى جانب قربها من الأسواق العالمية، وتوافر الكفاءات المهنية، وكلفة مواد الخام المنخفضة.
وشهدت الفترة الحالية انخفاضًا بنحو 20% في الطلب على الوظائف بالقطاع الخاص في إسرائيل بمجال شركات التكنولوجيا والاتصالات والعقارات، مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي، وقد عرضت 31 ألف وظيفة مقابل 39 ألفًا في الفترة ذاتها من العام الماضي.
وأدت هذه المظاهر إلى انكماش الأسواق الإسرائيلية حيث يعتمد الاقتصاد الإسرائيلي بشكل كبير على التصدير، وخصوصا إلى الأسواق الأوربية والأمريكية، التي تعاني أزمات اقتصادية خانقة أدت إلى تراجع الطلب عمومًا، ومنه الطلب على البضائع الإسرائيلية، هذا إلى جانب ما تعانيه الدولة العبرية من الثورات العربية والجمود السياسي وانعدام الاستقرار في الشرق الأوسط ومقاطعة منتجات المستوطنات.
أما على مستوى قطاع الصناعة والتجارة الإسرائيلية نجد أن المعاناة لهذا القطاع تتمثل في مدى قدرة البضائع والمنتجات الإسرائيلية على المنافسة العالمية الشرسة، وخصوصا في مواجهة الأسواق الشرق آسيوية.
ويعتبر التراجع الذي أدى إلى انكماش في حجم الصادرات الإسرائيلية له أكبر تأثير على المواطنين الفلسطينيين في داخل إسرائيل بشكل مباشر، حيث يعمل العديد منهم أُجراء في المصانع المنتجة للسلع المصدرة، الأمر الذي يوقع عليهم الضرر الأكبر حيث يزج بمئات من العمال إلى سوق البطالة بوصفهم الحلقة الأضعف في الاقتصاد الإسرائيلي، وهم أول المتضررين من أي انكماش بالأسواق الخارجية.
الجدير بالذكر أن الاقتصاد الإسرائيلي من أكثر الاقتصاديات تنوعًا في منطقة الشرق الأوسط، حيث يعتبر دخل الفرد في إسرائيل من أعلى معدلات الدخل في العالم حيث يتخطى حاجز الـ 28 ألف دولار، ويعتمد الاقتصاد الإسرائيلي على صناعة التكنولوجيا ومعداتها، والزراعة، إذ تعد إسرائيل من أكثر الدول ذات الاكتفاء الذاتي في المجال الزراعي، حيث تصدر الفائض الزراعي من خضراوات وفواكه إلى دول العالم المختلفة، وأيضًا السياحة التي تشكل مصدرًا هامًا للدخل القومي الإسرائيلي، كما تتلقى تل أبيب دعمًا ماديًا كبيرًا من الولايات المتحدة الأمريكية حيث يقدر الدعم المادي المخصص لإسرائيل خلال السنوات العشر القادمة بنحو 30 مليار دولار أمريكي، وتعد أمريكا والاتحاد الأوروبي الشريكان الرئيسيان لإسرائيل على المستوى التجاري.