الجريدة اليومية الأولى في البحرين


شرق و غرب


«الربيع العربي».. من «الثورة» إلى «الثورة المضادة»

تاريخ النشر : الاثنين ٥ مارس ٢٠١٢



في القرون الوسطى كانت المناطق الخطرة تثبت في الخرائط الجغرافية ويكتب فوقها التحذير التالي: «حذار من التنين». لا شك أن صانعي الخرائط كانوا سيفعلون الشيء نفسه اليوم مع كامل منطقة الشرق الأوسط التي غدت مزروعة بالتنانين.
بعد تلك الصحوة العربية كان من الطبيعي الشعور بالخوف تارة والأمل تارة أخرى حول مستقبل هذه الدول العربية وهي تمر بمرحلة الانتقال الصعبة من الدكتاتورية إلى الديمقراطية. أما اليوم فإن نظرة واحدة إلى منطقة الشرق الأوسط تجعلنا ندرك أن فرص تحقيق الانتقال الديمقراطي في مستقبل قريب قد تراجعت بشكل كبير. من السابق لأوانه التخلي عن كل أمل والسقوط في اليأس، غير أنه يجب مع ذلك التخوف منذ الآن.
إن هذه المخاوف ليست ناجمة عن الشباب العربي الشجاع والعديد من المواطنين العاديين الذين أشعلوا فتيل هذه الصحوة العربية المشهودة من أجل الكرامة والعدالة والحرية والمساواة.
إن هذه المخاوف ناتجة عن تشبث الحرس القديم بالبقاء في السلطة والأفكار البالية المتجذرة في هذه الدول العربية أكثر مما كانت تعتقده الشعوب، إضافة طبعا إلى هشاشة أو غياب المؤسسات الديمقراطية والتقاليد.. والأمثلة على ذلك كثيرة.
يقول مايكل ماندلبوم، الخبير المختص في السياسة الخارجية في معهد جون هوبكينز للدراسة الدولية المتقدمة:
«هناك قول مأثور مفاده أنه داخل كل رجل بدين يوجد رجل آخر نحيف يسعى يائسا الى الخروج. إننا نميل أيضا للاعتقاد أن كل نظام استبدادي شمولي هو نظام ديمقراطي بالقوة يسعى يائسا للخروج إلى العلن. قد لا يكون هذا القول المأثور صحيحا عندما يتعلق الأمر بمنطقة الشرق الأوسط».
يعتبر مايكل ماندلبوم أن هذا القول المأثور قد انطبق على دول أوروبا الشرقية سنة 1989 غير أن هناك نقطتين أساسيتين تظهران أوجه الاختلاف بين أوروبا الشرقية ومنطقة الشرق الأوسط. لقد استندت الكثير من دول أوروبا الشرقية إلى ماضيها الليبرالي بعد أن تخلصت من المنظومة الشيوعية المصطنعة التي فرضها الاتحاد السوفيتي بالحديد والنار على تلك البلدان.
لقد وجدت بلدان أوروبا الشرقية الخارجة توها من كابوس الحكم الدكتاتوري والاستبدادي الشيوعي ضالتها في البديل القريب منها والمتمثل في دول أوروبا الغربية.
للأسف فإن أغلب دول العالم الإسلامي ليست لها تقاليد ليبرالية تستند إليها والى نموذج متنور تقتدي به. لذلك، عندما يسقط الاستبداد وتنهار المنظومة الدكتاتورية تنزلق هذه الدول في الاسلام الأصولي والطائفية والقبلية والحكم العسكري، بدل تدشين عهد جديد من الانفتاح والليبرالية.
يجب علينا أن نتذكر كم الوقت الذي استغرقته الولايات المتحدة الأمريكية كي تبني نظامها السياسي الليبرالي والديمقراطي. لقد شهدت الولايات المتحدة الأمريكية قبل أربع سنوات حدثا تاريخيا غير مسبوق إذ تم انتخاب باراك أوباما ليكون أول رئيس أسود يدخل البيت الأبيض ويقود الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تواجهها أسوأ أزمة اقتصادية على مدى قرن من الزمن، وفوق ذلك كله انتخب الأمريكيون رئيسا جده مسلم.
قد يفكر الأمريكيون في انتخاب رئيس جديد من طائفة «المورمون» لخلافة باراك أوباما بشكل عادي غير أن هذه السلاسة في انتقال الحكم والتداول على السلطة قد تطلبت أكثر من مائتي سنة إضافة إلى حرب أهلية مدمرة كادت تمزق أوصال الولايات المتحدة الأمريكية.
يعتبر العرب والأفغان أيضا في أول عقد ديمقراطي لهم، فقد رأينا كيف أن نظام دمشق يسعى إلى تحويل الحركة الشعبية المطالبة بالديمقراطية والكرامة الإنسانية إلى حرب طائفية. لقد بدأت المعارضة في سوريا كحركة سلمية شعبية مطالبة بالتغيير الديمقراطي غير أن بشار الأسد قد قابلها بشتى صنوف القمع والتنكيل مثل الاغتيالات وتأجيج النوازع الطائفية، فقد عمد إلى تحويل الأمر إلى صراع بين الأقلية العلوية المهيمنة على السلطة في سوريا من ناحية والسنة الذين يشكلون الأغلبية وذلك من اجل تشويه المعارضة وتقويض قاعدتها.
لقد زار الخبيران المختصان في الشؤون السورية بيتر هارلنج وسارة بيرك سوريا في الآونة الأخيرة وقد كتبا ما يلي: «عوض الانخراط في مسار الإصلاحات فقد اختار نظام دمشق أن يدفع بالمجتمع السوري إلى حافة الهاوية، فما إن بدأت المظاهرات حتى بدأت وسائل الإعلام الرسمية تبث صور الأسلحة التي تم العثور عليها في مسجد بمدينة درعا التي تقع في جنوب سوريا كما أنها تعتبر مهد الثورة السورية. لقد راحت وسائل الإعلام تحذر من أن المظاهرات المتصاعدة في مدينة حمص تمثل محاولة لإقامة الخلافة الإسلامية. إن هذا التلاعب الإعلامي بالسوريين إنما يعني أن نظام دمشق واثق من أن خطر الحرب الأهلية سيجبر المواطنين السوريين في الداخل وبقية اللاعبين الأجانب على السواء يتفقون في الإبقاء على النظام الحالي باعتباره سدا منيعا ضد انهيار سوريا».
إننا نشهد التلاعب الإعلامي عينه بالمشاعر والعواطف في أفغانستان. لقد قام بعض الجنود الأمريكيين بحرق نسخ من كتاب القرآن وقد اعتذر الرئيس باراك أوباما عن ذلك. رغم ذلك فقد واصل الأفغان التظاهر والقيام بأعمال العنف فقتلوا الأمريكيين الأبرياء من دون أن يجرؤ أي قائد أفغاني أو طرف حليف على أن يقف ويقول: «هذا خطأ. ففي كل أسبوع يقوم الانتحاريون الاسلاميون في باكستان وأفغانستان والعراق بتنفيذ عمليات دامية يذهب ضحيتها إخوة لهم في الدين».
في مصر يتضح مع مرور كل يوم أن الجيش قد اُركِب على ثورة ميدان التحرير من أجل التخلص من غريمه في معركة الخلافة: جمال مبارك ابن الرئيس السابق حسني مبارك ذي التوجهات الإصلاحية. الآن وقد تم التخلص من مبارك الأب والابن ها هو الجيش المصري يلاحق قضائيا الأمريكيين والأوروبيين والمصريين من نشطاء الديمقراطية زاعما بأنهم يتعاملون مع «أطراف أجنبية»، أي وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وإسرائيل واللوبي اليهودي، من أجل زعزعة استقرار مصر. إنها تهم فضفاضة وواهية غير أنها تهدف إلى ضرب الأصوات الديمقراطية التي تطالب المجلس العسكري بالتنحي وتسليم السلطة للمدنيين.
لقد انتهت مرحلة الصحوة العربية والإسلامية وبدأت مرحلة الثورة المضادة ذلك أن الأيادي الميتة قد عادت من الماضي وقامت من قبورها كي تخنق المستقبل. أنا مستعد لدعم أي فكرة يمكن من خلالها للغرب أن يساعد على انتصار قوى الديمقراطية. لكن في النهاية تظل المعركة معركتهم هم وليست معركتنا. يجب على العرب أن يتملكوا هذه المعركة مع أملي في ألا ينتهي كل شيء ؟ كما يحدث دائما في كل بلد يسكنه تنين ؟ حيث تؤول الغلبة إلى المتطرفين فيما يخرج المعتدلون خاسرين.
إنترناشيونال هيرالد تربيون