الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٠١ - الثلاثاء ٦ مارس ٢٠١٢ م، الموافق ١٣ ربيع الثاني ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


روسيا.. هل تقدم إيران لقمة سائغة إلى إسرائيل؟





مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية

غريب أمر الدول الكبرى! فهي لا تحتفظ بصداقات دائمة، ولا تحتفظ أيضًا بعداوات دائمة، فصديق اليوم من الممكن أن يكون عدو الغد، وعدو اليوم قد يكون صديق الغد؛ فهذه الدول لا تحركها العواطف، ولا تحكم علاقاتها أية قيم أو معايير أخلاقية ؟ إلا فيما ندر ؟ وإنما الذي يحكمها هو عامل المصلحة.. مصلحتها فقط ولا شيء غير ذلك.

قد يكون ذلك هو نهج الدول الكبرى في كل زمان، ولكنه يبرز بصورة واضحة في عالم اليوم؛ حيث تتنافس القوى الكبرى من أجل السيطرة على العالم والاستئثار بعناصر القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية، فألمانيا «عدوة» فرنسا وبريطانيا وأمريكا التي خاضت ضدهم حربين عالميتين هي حليفتهم اليوم، ودول الكتلة الشرقية التي كانت حليفة الاتحاد السوفيتي وعدوة الغرب بالأمس هي اليوم حليفة الغرب، وأغلبها عضو بمنظومة حلف الأطلنطي.. أيضًا من يصدق أن إيران التي كانت حليفة أمريكا في عهد الشاه تصبح عدوتها في ظل النظام الإسلامي، والشيء نفسه بالنسبة إلى نظام «صدام حسين» الذي كان حليفًا لواشنطن واستخدمته ثماني سنوات في محاربة إيران فإذا به يتحول إلى العدو رقم واحد لها في الشرق الأوسط بعد غزوه واحتلاله للكويت؟

إذا كان ما سبق يراه البعض أمرا طبيعيا بحكم أن علاقات الدول متغيرة ولا تثبت على حال، فإن العجيب في عالم اليوم هو أن تبدي دولتان في علاقتهما عكس ما تبطنان! بمعنى أن تبدو العلاقة بينهما في الظاهر علاقة صراعية في حين هي في الباطن غاية في التعاون، بل إن الأعجب من ذلك هو أن تكون هناك علاقة بين دولتين قائمة على التحالف أو هي أقرب لذلك، وفي الوقت نفسه تقوم إحداهما في السر بأعمال تضر بالدولة الأخرى لمصلحة طرف ثالث قد يكون عدوا للأخيرة!

إن النموذج الأخير هو الأكثر جذبًا للانتباه.. ويمكن القول إنه ينطبق على العلاقة بين روسيا وإيران وإسرائيل، فمعروفة علاقة الصداقة الأقرب إلى التحالف بين روسيا وإيران، ومعروف أيضًا العداء المحتدم بين إيران وإسرائيل، كذلك معروف أن العلاقة بين روسيا وإسرائيل قد لا تبدو على ما يرام، وأقرب لأن تكون علاقة صراعية.. أما غير المعروف وغير المفهوم ؟ وربما يدخل في نطاق المفاجأة - فهو أن تتعاون روسيا وإسرائيل ضد إيران.ففي الوقت الذي تتداول فيها التقارير عن تعاون استخباراتي بين إيران وروسيا وسوريا لمواجهة أي مخططات إسرائيلية لضرب إيران، فإذا بالمفاجأة تأتي من موقع ويكيليكس الشهير الذي قام بنشر وثيقة تكشف عن وجود تعاون استخباراتي بين روسيا وإسرائيل ضد إيران؛ حيث تفيد الوثيقة أن موسكو قامت بتسليم تل أبيب الشفرات والرموز السرية لأنظمة الدفاع الإيرانية «تور- إم وان» التي باعتها موسكو لطهران في مقابل قيام إسرائيل بتزويد روسيا بالرموز السرية للطائرات بدون طيار التي باعتها إلى جورجيا (التي هي في حالة حرب مع روسيا).

إذاً هي علاقة تبادل مصالح أو صفقة بين روسيا وإسرائيل؛ حيث فرضتها بالنسبة لروسيا صراعها مع جارتها جورجيا التي زودتها إسرائيل بأنظمة طائرات إسرائيلية بدون طيار (قد تستخدمها جورجيا في عمليات تجسس أو تزودها بصواريخ يمكن أن تستهدف بها الأراضي الروسية).. أيضًا فرض هذه الصفقة بالنسبة لإسرائيل صراعها مع طهران ومساعيها لإجهاض برنامجها النووي الذي تعتبره خطرًا كبيرًا على وجودها إذا كان هدفه هو الحصول على السلاح النووي.

إن تلك الواقعة تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن ما يربط روسيا وإيران هو علاقات مصلحة قابلة للكسر في أية لحظة، وليست علاقات تحالف قوية، فما أقدمت عليه موسكو يتنافى تمامًا مع مقتضيات التحالف - أو حتى العلاقات العادية السليمة - بين أي دولتين.. بل إنه يتنافى مع ما يربط بين موسكو وطهران من حجم مصالح كبير ربما لا يتوافر في علاقات روسيا مع أي دولة أخرى في المنطقة في الوقت الراهن.

فهل يعني ما سبق أن روسيا على استعداد ؟ إذا صح التعبير - لبيع إيران والتنازل عن مصالحها معها، ولكنها في انتظار الصفقة المناسبة أو المقابل الذي ستحصل عليه من جانب الغرب أو الولايات المتحدة تحديدًا؟

إن المتابع لمسار العلاقات الروسية - الإيرانية وخصوصًا في السنوات الأخيرة يلاحظ أن هذه العلاقات كانت عرضة دائمًا للتقلب، فرغم ما تجنيه روسيا من مكاسب من وراء علاقاتها مع إيران فإن هناك عوامل بعضها مرتبط بسلوك إيران تجاهها والبعض الآخر مرتبط بعلاقات روسيا الغربية أثرت بصورة مباشرة في علاقات موسكو بطهران.

وإذا نظرنا إلى العلاقات بين البلدين في جانبها الإيجابي فسنجد أنها قوية على المستويين الاقتصادي والعسكري، فعلى المستوى الاقتصادي تعتبر إيران أكبر شريك تجاري لروسيا في منطقة الشرق الأوسط وبحجم تبادل تجاري بلغ ٢,٢ مليار دولار عام ٢٠٠٨، كذا تحظى شركتا «غازبروم» و«لوكويل» الروسيتان بنصيب كبير في مشاريع الغاز والنفط الإيرانية.. أما على المستوى العسكري فحدث ولا حرج، ففي عام ٢٠٠٥ زودت روسيا إيران بنظام صواريخ «تور- إم وان» (التي نقلت شفراته ورموزه لإسرائيل) وذلك بموجب تعاقد بلغت قيمته ٧٠٠ مليون دولار.. وتشير تقديرات إلى أن صادرات السلاح الروسية لإيران (التي تتضمن أسلحة تقليدية ومعدات وسيارات) وصلت في السنوات الأخيرة إلى ١٤,٩ مليار دولار.

وبحسب تقارير استخباراتية أمريكية فإن المساعدات التي قدمها خبراء روس إلى إيران ساعدتها على تحقيق اكتفاء ذاتي في إنتاج الصواريخ الحربية، وكان هناك اتفاق بين البلدين تقوم بمقتضاه موسكو بتزويد طهران بنظام صواريخ «إس ٣٠٠» (الذي يصل مداه إلى ١٥٠ كم ويمكنه رصد الصواريخ الباليستية والطائرات العالية والمنخفضة مما يجعله أداة ناجعة لصد هجمات جوية محتملة ضد إيران) بيد أن موسكو امتنعت عن توريد الصفقة بسبب الضغوط الإسرائيلية والغربية عليها، مما أثر بالسلب في العلاقات بين البلدين.

ويعتبر مشروع محطة «بوشهر» النووية أحد أبرز أشكال التعاون بين البلدين؛ حيث بنته روسيا بكلفة بلغت مليار دولار، وقد تأخر تدشينه حتى أغسطس ٢٠١٠ أيضًا بسبب الضغوط الغربية على موسكو، رغم أن الغرض المعلن من وراء إنشائه هو توليد الطاقة الكهربية.

تلك الجوانب الإيجابية في العلاقات الروسية ؟ الإيرانية على المستويين الاقتصادي والعسكري يقابلها توتر وعدم استقرار على المستوى السياسي، فروسيا لا تشعر بالارتياح حيال النهج السياسي للحكومة الإيرانية عمومًا سواء في إدارتها لأزمة الملف النووي مع الغرب أو الأسلوب الذي تدير به سياستها في منطقة اسيا الوسطى والقوقاز.. فبالنسبة للملف النووي لا ينسى الروس أن إيران لم تتجاوب مع اقتراح موسكو إتمام عملية تبادل اليورانيوم في أواخر ٢٠٠٩ عن طريق روسيا، بينما فضلت التجاوب مع مقترحات تركيا والبرازيل بهذا الشأن.. ومن منطلق ذلك لم يكن غريبًا أن تؤيد موسكو عقوبات مجلس الأمن على إيران في مايو ٢٠٠٩، وتأييدها أيضًا القرار رقم ١٩٢٩ بفرض عقوبات إضافية عليها في يونيه ٢٠١٠، فضلاً عن معارضتها قيام طهران بتشغيل منشأة تخصيب «قم»، وإبدائها أسفها وقلقها من بدئها التخصيب في منشأة «فوردو» وانتقادها تجاهل طهران الاستجابة لمطالب المجتمع الدولي.

ويرى محللون أنه إذا كانت روسيا تتعاون مع إيران في المجال النووي السلمي إلا أنها ترفض امتلاكها السلاح النووي، لأنها لا تريد أن تكون هناك قوة تمتلك أسلحة نووية على امتداد الشواطئ الجنوبية لبحر قزوين.

أيضًا لا يروق لروسيا قيام إيران بفتح خطوط تواصل مع جورجيا ؟ رغم أن ذلك قد يكون محاولة لتحجيم تغلغل إسرائيل في هذا البلد ؟ حيث تتهم موسكو طهران بأنها تحاول توسيع نفوذها بمنطقتي القوقاز وآسيا الوسطى، حيث ترى أنها من الممكن أن تصبح منافسا جيوبولتيكيا في الأقاليم المسلمة بروسيا وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق.

على الجانب الآخر، لا تنسى طهران لروسيا رضوخها للضغوط الإسرائيلية والأمريكية وإلغاءها تزويدها بصواريخ «إس ٣٠٠» البالغة الدقة، بل اتجاهها لإبرام صفقات سلاح كبيرة مع بعض دول الخليج العربية.. أيضًا تخشى إيران أن يكون انفتاح أمريكا على روسيا على حسابها، وتعتبر تحول الأخيرة في موقفها حيال برنامجها النووي خيانة لإيران جعلت الإيرانيين يخرجون للشوارع مرددين هتافات الموت لروسيا بعدما كان هذا الهتاف يوجه إلى أمريكا وحدها.

هذان التوتر وعدم الاستقرار في العلاقات السياسية بين إيران وروسيا ؟ رغم العلاقات الاقتصادية والعسكرية ؟ هما ما يدفع البعض إلى القول إنه لو خيرت روسيا بين علاقاتها مع إيران وعلاقاتها مع الغرب والولايات المتحدة فإنها ستتخلى عن إيران من أجل علاقاتها مع الغرب وأمريكا، فالعلاقة بين روسيا وإيران ذات طابع إقليمي، بينما العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة ذات طابع عالمي وتأثيرها أعمق في النظام الدولي.

ويبدو أن روسيا جنت ثمن الانفتاح على الغرب وسياستها ومواقفها تجاه إيران في صور عدة منها: اتفاق ستارت (٢)، وانقلاب قرغيزستان، وإفشال نشر الدرع الصاروخية، وعدم ضم جورجيا وأوكرانيا إلى حلف الأطلنطي، والحصول على امتيازات في العراق وفي ليبيا الجديدة، فضلاً عن الدخول بقوة في الملف الفلسطيني، والسماح لها بدخول منظمة التجارة العالمية.

وإذا كان الأمر كذلك، فليس بالمستغرب إذاً أن تقوم روسيا بتنحية مصالحها مع إيران جانبًا في مقابل مصلحة أو مصالح ستجنيها من وراء أمريكا أو حليفتها إسرائيل رغم أن تلك المصلحة أو المصالح قد لا تبدو في الظاهر بقوة مصالحها نفسها مع إيران، ورغم أيضًا ما قد يشوب علاقات موسكو وتل أبيب من توترات في السنوات الأخيرة على خلفية ما يسمى «حرب الجواسيس» المتبادلة بين الجانبين.

إن التصرف الروسي بنقل رموز وشفرات منظومة الدفاع الجوي «تور- إم وان» التي باعتها لإيران إلى إسرائيل يجعل هذه المنظومة عديمة الفاعلية، ويسهل على إسرائيل مهمة ضربها إذا قررت توجيه ضربة عسكرية إلى إيران.. والأخطر من ذلك أن هذا التصرف يثير الشكوك في أن تكون روسيا قد نقلت إلى إسرائيل معلومات كاملة عن الأنظمة الدفاعية والتسليحية الإيرانية، بل ربما تنقل لها معلومات خاصة ببرنامجها النووي.. وهو ما سيسهل على إسرائيل مهمتها في استهدافها وضربها بدقة فيما لو قررت ذلك.

ذلك التصرف بكل ما ينطوي عليه من تعريض أمن إيران للخطر وهي الدولة التي يفترض أن تكون حليفة لها لا يعني سوى أمر واحد - سبقت الإشارة إليه ؟ هو أن الدول الكبرى في ظل لعبة المصالح لا يمكن الارتكان إلى دعمها أو الوثوق بها، فهي على استعداد للتضحية بمصالحها مع أي دولة - خصوصًا إذا كانت في غير وفاق مع المجتمع الدولي ؟ في مقابل مصلحة أكبر مع دولة أخرى عدوة لهذه الدولة.. وهو ما يؤكد من جديد أن العلاقات بين هذه الدول والدول الأخرى لا تحكمها أي معايير أخلاقية أو قيمية.































.

نسخة للطباعة

مقالات أخرى...

    الأعداد السابقة