قضايا و آراء
رسالة إلى نوابنا حول قانون الصحافة
تاريخ النشر : الثلاثاء ٦ مارس ٢٠١٢
يناقش مجلس النواب قانون الصحافة في اسبوع حافل بالاخبار الصحفية والاعلامية وحرية الرأي، ففي خلفية هذه الاحداث الاعلامية والصحفية المهمة يناقش مجلس النواب قانون الصحافة.
نلاحظ من الحوار الدائر في مجلس النواب والمقالات التي كتبت ان هناك حاجة الى حوار مجتمعي يناسب الأهمية البالغة لهذا القانون على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وعلى قدرة المجتمع على محاربة الفساد وتطوير أداء مؤسسات الدولة. هذان الحوار والتقييم المجتمعي يتطلبان نظرة موضوعية الى الأمور تستطيع ان توازن بين ثلاثة متطلبات مهمة هي: الاول: المحافظة على حق الفرد (مواطنا او مسئولا) في حماية كرامته وخصوصيته وسمعته، والثاني: حاجة المجتمع الى الرقابة على مؤسسات الدولة والسلطات «التنفيذية والتشريعية والقضائية» كي تقوم بدورها في خدمته وفي المحافظة على المال العام وفي حسن ادارتها موارد الدولة ووصول ثمارها الى جميع فئات المجتمع، والثالث: المحافظة على الأمن والسلم الأهليين ومتطلبات الأمن القومي.
وحفظ هذا التوازن في الوقت الراهن ليس بالأمر السهل بعد ما تعرض له المجتمع من اختلال في نظرته إلى الأمور وما نتج عنها من مواقف وقناعات لدى مختلف الاطراف مما يخل بالموضوعية ويضاعف من الجهد المطلوب للتوفيق بين الثلاثة المتطلبات. عبر النائب احمد الساعاتي في مداخلته عن هذه الموضوعية والحاجة إلى قانون صحافة عصري يواكب التطور في المجتمع والحاجة إلى مزيد من الحريات تتوافق مع التوجه نحو الديمقراطية والانفتاح وتتوافق مع حاجة التنمية إلى مزيد من المعلومات وتتحرر من عقلية الثمانينيات، وفي الوقت نفسه تضع في الاعتبار متطلبات المحافظة على السلم الأهلي والأمن القومي.
إن هاتين الموضوعية والشمولية تفرضان علينا ان ننظر الى الصحافة على ان لها وضعا خاصا كونها مؤسسة رقابية وليست فقط مؤسسة لتوفير الاخبار والمقالات والمساهمة في بناء الرأي العام. اي ان الصحافة تقوم بثلاثة ادوار اساسية: هي مصدر للأخبار، ووسيلة من وسائل تشكيل الرأي العام، والرقابة على السلطات الثلاث وعلى مؤسسات الدولة والمجتمع المدني. بالاضافة الى هذه الادوار فهي تمثل ضمير المجتمع.
من يقوم بهذه الأدوار الثلاثة هم العاملون في هذا الميدان من محررين وصحفيين وكتاب رأي وفرق تصوير وفرق تحر وتمحيص ورؤساء تحرير. هذه الادوار قد تضعهم في مواجهة مع جهات قوية ومتنفذه وبخاصة الدور الرقابي وما يتطلبه من تحر واستقصاء لكشف الفساد كما حدث ويحدث في كثير من الدول. لذلك فإن حمايتهم وتمكينهم من القيام بهذه الأدوار هما مسئولية وطنية ومصلحة عامة وشرط لنجاح المنظومة الرقابية في المجتمع، ويتحقق ذلك من خلال قانون الصحافة.
لهذه الاعتبارات فإن التعامل مع قانون الصحافة يتطلب الفصل من جهة، بين الصحفي كمواطن في مواجهة مواطن آخر عادي، وفي هذه الحالة يحاسب امام القضاء على اخطائه وتجاوزاته تجاه اشخاص بعينهم في تهم القذف والتشهير او التعدي الشخصي، ومن جهة اخرى بين الصحفي كجزء من جسم وكيان مؤسسي رقابي يضيف الى ادوات المجتمع في مراقبة سلطات الدولة «التنفيذية والتشريعية والقضائية» ومؤسساتها.
في الدور الثاني نجد ان هناك مقاربة موضوعية بين الصحفي والنائب في البرلمان، النائب في البرلمان ليس في مكانة اسمى من المواطن «ولا على رأسه ريشة» ومع ذلك يُمنح الحصانة لتأدية واجبه الرقابي ومقارعة السلطة التنفيذية من دون خوف من «الملاحقة القانونية» او تسليط سيف «العدالة» على رقبته، او قد تحاك له التهم والترهيب والتهديد بالملاحقة القانونية حين يتعرض لمحاربة المفسدين والفاسدين، اما في دوره التشريعي فهو ليس بحاجة الى الحصانة بالقدر نفسه.
لا يختلف الصحفي في دوره الرقابي (كونه جزءا من السلطة الرابعة) عن النائب، فهو بحاجة الى نوع من الحماية من سطوة السلطات حين يكون الأمر الذي يتناوله قد يطول نافذا في هذه السلطات، ولتقوم الصحافة بأدوارها الاربعة التي ذكرناها فهي بحاجة الى الحصانة بدرجة معينة لا تقل عن حاجتها الى توسيع مستوى الحريات والانفتاح، «قانون مستنير».
فاذا كنا فعلا جادين في بناء منظومة مكافحة الفساد فيجب ان نزود مؤسساتنا الرقابية بأدوات واسلحة لمكافحته. لا يذهب جندي الى معركة من دون سلاح، والصحفي عندما يقتحم ميدان الصحافة الاستقصائية فهو جندي في الميدان يحتاج الى حماية، ولا يمكن محاربة الفساد وتطوير الأداء الاقتصادي من دون هذا النوع من الصحافة، ومستشفى الملك حمد احد الشواهد على ذلك.
السمة الغالبة في ذهنية البعض في الوقت الحاضر متأثرة بالاحداث التي وقعت في السنة الماضية، وبالرغم من انها مؤلمة لنا جميعا، فإنه لا ينبغي ان نسمح لها بأن تؤثر في موضوعيتنا وتفكيرنا وتحرفنا عن اهمية الصرامة في الرقابة وتوسيع دائرتها واغلاق منافذ الفساد وسوء ادارة المال العام. اما كيف نحد من قدرة الصحافة على اثارة النعرات الطائفية وتهديد السلم الأهلي والأمن القومي، وهذه مخاوف مشروعة وممارستها تضر المجتمع؟ فإن الحل لا يكون بتضييق الحريات على الجميع لكي نتحاشى الوقوع في بعض المحاذير.
إن حماية السلم الأهلي والأمن القومي بحاجة الى قانون يمنع التحريض الطائفي مع تحديد واضح لمفهوم التحريض او تعريض الأمن القومي للخطر. يجب ان يتاح للصحفي طرح ما لديه من شكوك وهواجس فهي بداية الخيط لإثبات الكثير من حالات الفساد كما يعلمنا تاريخ الفضائح الكبرى في عالم السياسة وعالم المال، واذا حرمنا الصحفي من هذه القدرة فاننا نهدم ما تبقى من منظومة مكافحة الفساد ونضعف قدرة المجتمع الرقابية.