نحو إحياء مشروع الجسر العربي
 تاريخ النشر : الأربعاء ٧ مارس ٢٠١٢
مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية
مرة أخرى بعد حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي في فبراير ٢٠١٢ عن مشروع لربط ميناء إيلات على خليج العقبة بميناء أشدود على البحر المتوسط يتجدد الانتباه إلى مشروعات الربط بين البلدان العربية، وسوف يذكر التاريخ للعاهل السعودي «فهد بن عبدالعزيز» ليس فقط دوره في ربط المجتمع الخليجي عبر الجسر الذي يحمل اسمه بين المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين والذي افتتح عام ١٩٨٦، ولكن مبادرته الشجاعة التي سعت إلى ربط مشرق العالم العربي بمغربه والتي حملت اسم «الجسر العربي»، الذي أخذ الحديث عنه يتجدد مرة أخرى في عام ٢٠١١ بعد تغير قمة النظام الحاكم في مصر.. وجوهر هذه المبادرة هو الالتفاف على أحد أهم الأهداف الاستراتيجية من إقامة دولة إسرائيل في هذا الجزء من العالم وهو الحيلولة دون لحم جسم العالم العربي ودون تواصله، فضلاً عن أهم مقومات السوق العربية المشتركة التي تعطلت طويلاً هو وجود شبكة مواصلات وطرق برية، ومعلوم أن رفض الرئيس المصري السابق هذا المشروع في عام ٢٠٠٧ قبل أن يضع الملك «عبدالله بن عبدالعزيز» حجر الأساس له خلال زيارته للمنطقة الشمالية في مايو ٢٠٠٧، أخذاً في الاعتبار أن الرئيس المصري قد سبق أن وافق على هذا المشروع في عام ١٩٨٨، هو بسبب ما ذهب إليه من أن المشروع يخترق مدينة شرم الشيخ الهادئة مدعيا الإضرار بالفنادق والمنشآت السياحية وهروب السياح، وأنه يعطي ملجأ للإرهابيين لاستخدامه في تهريب أسلحة ومتفجرات لارتكاب جرائم إرهابية في شبه جزيرة سيناء والمنتجعات السياحية المطلة على البحر الأحمر. ولكن حقيقة الأمر أن هذا الرفض جاء نتيجة ضغوط إسرائيلية وأمريكية، حيث ستخسر إسرائيل من الآثار السلبية لهذا الجسر في أوضاعها الاقتصادية والعسكرية والاستراتيجية، حيث يؤدي إلى تهميش دور ميناء إيلات وأنبوب النفط الممتد من عسقلان إلى إيلات، حيث ستصبح أنابيب النفط الممتدة على طول الجسر العربي بديلاً متميزًا، وفي هذا السياق جاء تحذير البيت الأبيض من تنفيذ أي مشروعات مشتركة في منطقة خليج العقبة من دون إبلاغ مسبق لإسرائيل، بل ضرورة مشاركتها فيها حرصًا على تجنب التوترات الإقليمية.
وبعيدًا عن هذا كله يعد مشروع الجسر البري بين مصر والسعودية جزءا من مشروع جسر التواصل العربي الذي يبدأ من صحراء المعادي في مصر وينتهي في مكة المكرمة بعرض ١٠٠م وينقسم إلى حارتين كل منهما بعرض ٤٤ مترا وفي الوسط ١٢ مترا مخصصة لإقامة خط سكة حديد تضم ثلاثة خطوط متوازية أحدها للطوارئ، ويربط الجسر البري بين رأس حميد في تبوك شمال السعودية ومنطقة نبق شمال شرم الشيخ عبر جزيرة تيران بارتفاع ١٠٠م وطول ٥٠ كم منها ٢٣كم فوق خليج العقبة وقاعدته الهرمية على الأرض المصرية بارتفاع ٨٠م لجسمه مع ٢٠م أخرى للكابلات والحبال الحديدية التي تحمل جسمه الطائر، أي ان ارتفاعه يساوي بناء برج من أربعين دورًا، ويتكلف بناء هذا الجسر ٣ مليارات دولار ويستغرق بناؤه ثلاثة أعوام ويشارك في تنفيذه ٧ شركات عالمية منها شركة الخرافي الكويتية وشركة إعمار الإماراتية وخمس شركات من أمريكا وكندا وفرنسا، وردا على أنه يخترق مدينة شرم الشيخ الهادئة فإن الجسر يقع خارج مدينة شرم الشيخ بنحو ٨كم، والمؤشرات الآتية التي بينتها دراسات هذا المشروع التي اكتملت قبل نهاية القرن الماضي تبين جدوى إقامة هذا المشروع:
ـ يعتبر من أهم مشروعات التكامل الاقتصادي العربي.
ـ إقامة انبوب نفط بطول الجسر لنقل البترول السعودي إلى خط سوميد يوفر للسعودية مليار دولار سنويا، ويقلل من التعرض للتهديد بغلق مضيق هرمز.
ـ رسوم العبور على الجسر تدخل خزانة الحكومة المصرية مباشرة.
ـ إنعاش ساحل خليج العقبة اقتصاديا.
ـ تحقيق نقلة نوعية في التجارة العربية البينية وزيادة الصادرات المصرية والسعودية.
ـ اختصار كُلَف الحج والعمرة بنحو الثلث.
ـ تحقيق سرعة انتقال العمالة والسياحة والسلع.
ـ منع تكدس الحجاج في نويبع وتلافي خطر غرق العبارات.
ـ الجسر لا يؤثر في بيئة شرم الشيخ أو البيئة الاجتماعية وبيئة الساحل المصري.
ـ يعتبر من أهم مشروعات ربط المشرق العربي بمغربه.
ـ ان عبور الجسر لن يستغرق أكثر من ٢٠ دقيقة بالسيارة.
ـ يعد الجسر نقطة تواصل بين شبه الجزيرة العربية وافريقيا.
ـ يتيح فرص عمل للشباب المصري والسعودي.
ـ يشجع على إقامة صناعات عديدة في مصر والسعودية.
ـ ان المملكة العربية السعودية ومصر لن تتحملا أي جزء في تكاليف المشروع بعد أن أصبح تنفيذه ممكنا عن طريق شركات عالمية بنظام ش.د. بحق انتفاع مدة خمسين عامًا ثم يعود بعدها الجسر للحكومات.
ـ ان كلفة المشروع يمكن استردادها خلال عشر سنوات فقط.
وقد عادت الحكومة المصرية للاهتمام بتنفيذ هذا المشروع حين طلب رئيس الوزراء المصري السابق عصام شرف إعادة الدراسات الفنية والاقتصادية حول هذا المشروع العملاق الذي وضعته هيئة الطرق العربية على رأس أولوياتها باعتباره يمثل أهم مشروعات الربط البري في العالم العربي، وكانت الهيئة قد تلقت سبعة عروض عالمية لإنشائه بعد التأكد من جدوى المشروع الاقتصادية، وقد أكد خبراء هندسة الطرق والمرور أن أي عيوب هندسية تعوق إقامة هذا المشروع يمكن القضاء عليها بسهولة، وأن رفضه كان بسبب سياسي، وليس بسبب فني، وأنه إذا كان عمق مياه خليج العقبة قد يتسبب في زيادة كلفة الإنشاء فإنه يمكن إقامة كوبري عائم بجوار الممر الملاحي واستخدام معدية بين الساحلي المصري والسعودي لحين إقامة الأساسات الخرسانية على أقرب جزيرة في وادي تيران، وإذا كانت هناك تخوفات من تأثر قطاع السياحة في شرم الشيخ، فإنه يمكن استعاضة منزل الجسر بمواقع تبعد عن شرم الشيخ ٢٠ كم عن طريق الطور أو دهب أو طريق وادي تيران مع إقامة الميناء البري في هذا المكان، بما يؤدي إلى تنمية هذه الأماكن الصحراوية، أي ان هناك خيارات كثيرة، وبهذا فإن الجسر لن يضرب السياحة الأجنبية في شرم الشيخ، بل إنه على العكس سوف يحقق تنمية اقتصادية شاملة لسيناء وإقامة تجمعات سكنية تخدم العاملين في المناطق السياحية، لكل هذه الأسباب مع ثبوت الجدوى الاقتصادية للمشروع، فضلاً عن قيمته السياسية والاستراتيجية يبدو أن التأخر في التنفيذ يعني إهدارًا لفرص تنموية ضخمة وتعطيلا للتواصل الشعبي العربي ولم العالم العربي جغرافًيا. وهذا في الوقت الذي تنشط فيه مشروعات أخرى ذات تأثير سلبي في الاقتصادات العربية لعل أبرزها ما طرحه رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» في شهر فبراير، وهو المشروع الذي يحمل اسم «مد رد» الذي يربط ميناء إيلات على خليج العقبة وميناء أشدود على البحر المتوسط.
بالمقابل، أدركت دول مجلس التعاون الخليجي أهمية الجسور البرية في النهوض بعلاقاتها التعاونية وتطويرها في اتجاه الوحدة حتى تصبح حقيقة واقعة، فكان جسر الملك فهد بين السعودية والبحرين، ثم التوجه إلى إنشاء جسر المحبة بين البحرين وقطر بطول ٤٢كم، وجسر اخر بين قطر والإمارات بطول ٦٥ كم لتحقيق سهولة انتقال البشر والسلع ومن ثم الارتقاء بحجم التجارة والاستثمارات البينية، ويفوق الجسر العربي في مميزاته هذه الجسور من حيث ربطه مشرق العالم العربي بمغربه، وقد أكدت دراسة الجدوى الاقتصادية التي قام بها الاستشاري الأمريكي «بكتل» هذه الجدوى، خاصة مع مرور أنبوب نفط فوقه يصل نفط السعودية المصدر في اتجاه جنوب أوروبا بخط سوميد المصري القادم من العين السخنة حتى سيدي كرير غرب الإسكندرية بما يوفر ٥٠ مليون دولار شهريٌّا و٦٠٠ مليون دولار سنويٌّا، ويعني تغطية مصاريف وتكاليف إنشاء الجسر خلال خمس أو سبع سنوات بينما المشروعات المماثلة تغطي كلفتها في ٤٠ عامًا، وفي أغسطس العام الماضي أعلن رئيس الوزراء المصري السابق عصام شرف أنه قد تم الاتفاق مع الرياض على بدء تنفيذ مشروع الجسر البري على أن يتم تحديد مصادر التمويل والشروع فالتنفيذ في أكتوبر في ضوء وجود عدة بدائل للتمويل وجاهزية الأبحاث والدراسات الخاصة بالمشروع، ولكن بعد هذا التاريخ خفت الحديث عن المشروع إن لم يكن قد توقف، بينما جرى الإعلان رسميا في مجلس الوزراء الإسرائيلي بدء مشروع سكة حديد إيلات أشدود، وهو ما يخشى معه تكرار سيناريو ٢٠٠٧، لتصبح الكرة بيد المؤسسات السياسية الجديدة في مصر بعد تمام تشكيلها، خاصة مع وجود ضغط شعبي ضخم رافض لمشروطية المعونة الأمريكية، وهو الضغط ذاته الذي يسعى لإنجاز هذا المشروع، ومع إصرار عربي على تنفيذه يصبح على إسرائيل مراجعة الأسباب التي من أجلها سعت لدى الإدارة الأمريكية للضغط على رأس النظام المصري لرفضه، هذا إذا أرادت استمرار مساعيها لتصبح كيانًا يحظى بعلاقات سلام مع جيرانه، كما أن عليها أن تدرك أن الوقت لم يحن بعد كي تصبح لاعبا إقليميا مقبولا في المنطقة، وأنه دون ذلك مقدمات لابد أن تفي بها، أولاها وقف الاستيطان والوفاء بحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على أرضه وعاصمتها القدس الشريف وعودة اللاجئين إلى ديارهم والكف عن سياساتها وممارساتها العدوانية بحق الشعب الفلسطيني وبحق جيرانها، وإدراك أن أمنها لا تحققه قواتها العسكرية الباطشة، ولكن تخليها عما اغتصبته من حقوق لأصحاب هذه الحقوق.
.