الجريدة اليومية الأولى في البحرين


هوامش


قلة مستفيدة لكن الوطن يدفع الثمن

تاريخ النشر : الأربعاء ٧ مارس ٢٠١٢

عبدالله الأيوبي



من يعتقد أو يستطيب استمرار أوضاع البحرين على ما هي عليه الآن حيث شرخ الانقسام المجتمعي آخذ في الاتساع والإضرار بالمصالح العامة والخاصة في تفاقم مستمر، إما أنه يعيش في وهم وخيال بعيدا جدا عن الواقع الفاقع للأعين، وإما أنه متمصلح ومستفيد ذاتيا من سير البلد على السكة غير الصحيحة التي سيؤدي استمرار السير عليها إلى مزيد من الخسائر المادية والمجتمعية بحيث نصل إلى محطة من الصعب أن نجد خلالها العلاج الشافي لما ستؤول إليه أوضاعنا وعلاقات مكونات شعبنا المختلفة، ولكن بين هذين الموقفين، يوجد موقف آخر مقتنع بأننا نسير في الاتجاه الخاطئ وبأنه مهما استفحلت الأمور وتصدعت العلاقات المجتمعية وكثر المحرضون والمنتفعون من هذه الأوضاع، فإنه لا مناص ولا مفر لأبناء البحرين ومن جميع المكونات من أن يعودوا إلى حضن الوطن من دون سواه.
المتتبع للأوضاع في البحرين ونبرات التلاسن والتخاطب التي تطغى عليها مفردات بغيضة وكريهة وبذيئة في الكثير من الأحيان، يكاد يصل إلى قناعة مفادها أن أبناء البحرين وصلوا إلى نقطة سيكون من الصعب عليهم الارتداد عنها إلى الخلف والعودة إلى ما كانوا عليه من وئام وانسجام مجتمعيين حفرتهما علاقات تضرب جذورها في أعماق تربة البحرين بمدنها وقراها، ولا لوم إن اقتنع البعض بذلك، فما نشاهده الآن وما نقرؤه من كتابات ونسمعه من خطابات يخجل المرء من أن يردد مفرداتها، لهي مؤشرات على صعوبة الوضع الذي آلت إليه علاقات مكونات أبناء البحرين بعد أحداث الرابع عشر من شهر فبراير من العام الماضي.
ولكن رغم وجود مثل هذه النظرة التشاؤمية التي لم تأت من فراغ ولم تكن مصطنعة على الإطلاق، بل انها تستند إلى واقع معاش، نقول رغم ذلك، فإن فسحة الأمل لاتزال متوافرة وان هناك من بين أبناء البحرين من لا يغلب مصالحه الذاتية، طائفية كانت أم عرقية، على المصالح الوطنية الجامعة، فوجود نفر يحمل في داخله مثل هذه القناعة فإن ذلك يعطي دفعة قوية لمواصلة جهود ترميم البيت الوطني من التصدعات التي لحقت به، وهي تصدعات ليست سطحية، بل ان عمقها فاجأ الجميع وفي مقدمته من كان يعتقد أن نسيجنا الوطني محصن ضد مختلف أشكال الهجمات.
في اعتقادي أننا قادرون على مغادرة الوضع السيئ وغير الصحي الذي نمر به الآن حين نستطيع إقناع أوسع قاعدة شعبية بخطأ ما يحدث في بلادنا، وبأن استمرار ذلك لن ينتج عنه منتصر وخاسر، وإنما هناك نتيجة واحدة فقط هي الخسارة التي ستلحق بجميع مكونات الشعب البحريني، وهذا يعني أن الخاسر الأكبر هي البحرين التي يدعي الجميع أنه «حريص» على حماية مستقبلها، والحقيقة أن هناك بالفعل من هو مخلص في موقفه من مصالح وطنه ولكن هناك من يضع مصالحه الفردية والطائفية في مقدمة اهتماماته لذلك لا يكترث باستمرار الأوضاع على ما هي عليه الآن.
المقدرة على تحقيق هذا الهدف، أي تكوين أغلبية مقتنعة بتقديم المصالح الوطنية العليا على مختلف المصالح، تمثل الخطوة الأولى والحاسمة للخروج من الركود الذي وصلت إليه الأوضاع في البحرين، لكن تلك ليست المهمة السهلة والميسرة في ظل إصرار البعض على الاستفادة من هذه الأوضاع، وما خطابات التأزيم والتحريض الطائفي والسياسي إلا تأكيد وجود نفر يعمل على عرقلة أي مسعى يعمل أطرافه على تحريك المياه الوطنية الراكدة، فهذا النفر يعتبر تحريك هذه المياه لا يخدم أهدافه الأنانية.
السؤال الذي يطرح نفسه: هل هناك من الإرادة ما يكفي لتحقيق ذلك وكسر حالة الانعزال المجتمعي التي تسببت فيها قوى التأزيم ودعاة الفتنة؟ في اعتقادي أن هناك مثل هذه الإرادة والدليل على ذلك تنامي الأصوات المطالبة بوضع حد لما نحن فيه من أوضاع غير سارة، حيث بدأ البعض يتحدث عن ضرورة البحث عن توافق وطني من خلال إزالة سواتر العزلة والحساسية بين أطراف العمل السياسي والمجتمعي التي ارتفعت بعد أحداث الرابع عشر من فبراير من العام الماضي وما تلاها من تداعيات كانت أعنف من حيث تأثيرها في النسيج المجتمعي من أحداث فبراير نفسها.
ومن الطبيعي والمتوقع أن تواجه مثل هذه الأصوات بمحاولات الإعاقة تارة والتشكيك في النيات تارة أخرى، ولكن يجب ألا يكون لمثل هذه المواقف أي تأثير في مبادرات تصحيح الأوضاع وحلحلتها بمختلف الطرائق المشروعة والشرعية، إذ من الطبيعي جدا أن يشمر المتمصلحون من مثل هذه الأوضاع عن سواعدهم لإفشال وتخريب أي جهد يستهدف فتح أبواب قاطرتنا الوطنية أمام جميع أبناء الوطن من دون تمييز أو مفاضلة بين مواطن وآخر على أساس العرق أو الدين أو الطائفة، أو أي ميزة أخرى.