عالم يتغير
الإنسان البحريني وثقافة الحياة
تاريخ النشر : الأربعاء ٧ مارس ٢٠١٢
فوزية رشيد
} المتطرفون ليس بمقدورهم إلا أن ينتجوا ثقافة منعزلة تنشد الاستبداد وتمارس الإقصاء، ليس بمقدورهم إلا ممارسة العنف والتخريب من خلف اللثام، أيا كان لونه، ليس بمقدورهم إلا التغذي على مشاعر الكراهية والبغض والأحقاد ليبرروا بها تطرفهم وعنفهم وتخريبهم. هم نتاج ثقافة من خارج هذه الأرض، تتغذى بدورها على دماء الناس وأشلائهم، وتدعي البطولة والنضال والشهادة. نتاج ثقافة الكذب التي لا تنتج بدورها إلا المزيد من الكذب والتدثر برداء الوهم، وكلما انتفخت الذات المتطرفة بأوهامها، كان سقوطها على أرض الواقع أكثر وجعاً بعد ذلك.
} المتطرفون وهم نتاج ثقافة الهدم وثقافة الثأر المرتبطة بحضارة أخرى ليس بمقدورهم ممارسة البناء على الرغم من ادعائهم له، تماماً كما وصفهم الله في كتابه المحكم، فهم يفسدون في الأرض ويدعون إصلاحها.
هؤلاء هم طلاب طبائع التدمير، يريدون تدمير ما هو خارجهم فإذا بهم يدمرون أنفسهم ويحبسون أرواحهم في الكراهية والبغض، فلا يستشعرون من الحياة إلا وجهها الأسود الكالح. ليس بمقدورهم أن يعيشوا بشكل طبيعي كبقية خلق الله، وهي تنشد السلام الداخلي، وتنأى بنفسها عمّا يُخرّب نفوسها ويدمرها.
} اليوم يعاني مجتمعنا البحريني بعض شعبه، الذي يحاول إفساد حياة الغالبية، وتخريب كل المنجزات التي دشنها الإنسان البحريني عبر مراحله المختلفة.
تخيلوا إنساناً يعيش على أحقاد الماضي، ويتدثر برداء مظلومية تاريخية لا علاقة بأبناء الزمن الراهن بها، ولكنه يراهم أعداءه، وإن كانوا أبناء وطنه. يناطحون الحياة بعداء مفتعل وبكراهية مفتعلة، وصدام مفتعل، تماماً مثل «دون كيخوت» وهو يصارع طواحين الهواء، ويراها أعداءه الذين يمارس بطولاته الزائفة ضدهم.
} ثقافة كهذه ماذا نطلق عليها أيضا؟ ثقافة الوهم مثلاً؟ وهل غير الوهم ينتج مشاعر كهذه، وأفكارا كهذه، ومفاهيم كهذه، ويخلط الماضي بالحاضر، ويفسد في الأرض ويقول انه يصلحها، ويمارس العنف والتخريب ويقول إنه يمارس السلمية، ويبث البغضاء والكراهية ثم يرفع شعار «إخوان سنة وشيعة» ويضرب كل منجزات الوطن ويرهنه للخارج ثم يقول «هذا الوطن ما نبيعه» ويستل من كتب التاريخ ورواياتها الملفقة أساطير وعيه وزيف معرفته وثقافته ثم يقول إن وعيه هذا قمة الفضيلة وخلاصة الدين وجوهره، ويمارس الكذب ويتهم الآخر به، ويعتبر الكذب شيئا آخر متعلقا بالجسد أحد أسس عقيدته، ثم يدعي النزاهة والفضيلة.
} أي ثقافة تنتج كل هذا وغيره مما لا يتسع له هذا المقام غير «ثقافة الوهم»؟
ثقافة تستند إلى روايات اختلقها رواة في التاريخ كانت مهمتهم ضرب الإسلام من داخله، لاعتقادهم بتفوقهم العنصري على العرب، فخلقوا لبعض العرب (تشيعاً) ينتمي إليهم وإلى ثقافتهم وإلى عنصريتهم هو (التشيع الصفوي) ليجلب إلى مجتمعنا أخلاقيات وأدبيات و(ثقافة صدامية تناحرية) قائمة على مبادئ (الثأر التاريخي) وطبائع لم يعرفها الإنسان البحريني طوال تاريخه المديد المكتوب، فهذا الإنسان ينتمي إلى الأخلاقيات الروحية والفكرية والثقافية العالية، كما كان دوماً، يتغذى على الروح المنفتحة والمتسامحة، لديه أصول واضحة في الخلاف والاختلاف، وعادات راسخة في التآلف والتعايش، ينبذ العنف والتخريب، ويكره الثقافة السوداء خاصة حين يكون خارج طبائعه الأصلية وفطرته المتوازنة وإسلامه الصحيح وسنة نبيه.
} أي ثقافة لا إنسانية ولا حضارية ومنغلقة على ذاتها هذه التي يحاول البعض أن يكرسها في واقعنا البحريني التعددي والمنفتح؟ أي أخلاقيات قائمة على الثأر وثقافة الموت يحاول هذا البعض أن يطلق شرارة نيرانها كل يوم، ويعدي بها الطبيعة البحرينية المعتادة التي عرفناها في أنفسنا وفي أجيالنا الماضية؟ أي معادلة ثقافية تبني اليوم في مجتمعاتنا أخلاقيات الصدام والسباب والشتائم، وتزرع روح الكراهية والأحقاد؟ أي (ثقافة ماضوية ارتدادية) كما أسميها هذه التي لا تحترم الآخر، وتحاول إقصاءه، وتضرب في كل الرموز القيادية للوطن، وتؤسس لدولتها المنغلقة وسط الدولة المنفتحة على كل أبنائها بل تدعي وتحتكر حب أهل البيت لغايات أخرى لا صلة لها بأهل البيت، أو حبهم؟
أي ثقافة هذه التي ترفض كل ما يمت إلى هذا الوطن بصلة، ولا تجيد للحوار لغة سوى لغة المظلومية المستوردة من حضارة أخرى، متشبعة بكراهية العرب في إطار قوميتها العنصرية؟
} لم يكن الإنسان البحريني قط هكذا. لم يكن إلا حاملاً للواء البناء في الحياة، والانفتاح على الحضارات الإنسانية الراقية، وعلى الثقافات المنفتحة على الإنسان وعلى الجماليات الإبداعية وعلى الفنون والتراث والعمران والفكر والآداب، على كل ما ينبني في الحياة، ويطور وطناً جديراً بالعيش فيه، وعلى أسس أخلاقية وروحية ودينية صحيحة، نابذاً للتطرف وللعنف وللتخريب ولثقافة الهدم والبغض والكراهية.
أما الذين يبثون في شرايين هذا الوطن وهذا الشعب ما هو نقيض فطرتهما وأخلاقياتهما وثقافتهما، فلا أقل من أن يُقال انهم بشكل أو بآخر هم خارج روح هذا الوطن وجوهره، فمن هؤلاء؟