الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٠٣ - الخميس ٨ مارس ٢٠١٢ م، الموافق ١٥ ربيع الثاني ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


السعودية تمتلك مقومات النجاح للوساطة في أفغانستان





مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية

هل يمكن أن تُقدم السعودية على القيام بدور الوساطة بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان؟ هذا السؤال طرح نفسه في الآونة الأخيرة التي تواترت فيها الأنباء والتقارير عن تحركات تجرى هنا وهناك من أجل التوصل إلى تسوية للأوضاع في أفغانستان التي مازالت تعاني - بعد مرور عشر سنوات على الغزو الأمريكي الغربي - مواجهات دامية بين حركة طالبان وقوات الناتو، فضلاً عن فشل تام في المناحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية كافة... إلخ.

وقد يكون اللجوء إلى المملكة السعودية لتولي مهمة الوساطة هو الملاذ الأخير للأطراف كافة بعد أن أعيتهم المحاولات التي جرت من أجل التوصل إلى أرضية مشتركة تساعد على تحقيق الحل المرجو؛ نتيجة لتباين مصالح ومطالب الأطراف المختلفة (حركة طالبان وحكومة قرضاي والولايات المتحدة)، علاوة على اختلاف نظرة كل طرف لحدود قوته بناء على ما حققه من مكاسب على أرض الواقع.

بيد أن المعَوِّل على دور سعودي في حل الأزمة الأفغانية مرتبط بدرجة كبيرة بموقف السعودية من الأزمة.. وهو موقف سبق أن أعلنته قبل أربع سنوات.. فهي لا تمانع في أن تلعب دور الوسيط بين أطرافها، إلا أنها تضع شروطًا للقيام بهذه المهمة.

وفي واقع الأمر، فإن هذه الشروط ليست سوى مطالب محددة موجهة في مجملها إلى حركة طالبان، وتتمثل في القبول بإلقاء السلاح والتخلي عن العنف، والانغماس في العملية السياسية، وقطع الصلة مع تنظيم «القاعدة».

فكأن قبول طالبان بهذه الشروط (أو المطالب) يعد هو المدخل للوساطة السعودية.. فهل من الممكن أن تقبل طالبان بهذه الشروط؟ وهل من الممكن أن تظل السعودية متمسكة بها أم تتخلى عنها في ظل الحاجة الماسة للتوصل إلى حل يضع حدا للفوضى الأمنية والسياسية التي تشهدها الدولة الأفغانية؟

إن الحديث عن إمكانية أن يكون للرياض دور في تسوية الصراع في أفغانستان.. هو أمر مرتبط بالجو العام السائد على الساحة الأفغانية والأطراف التي تلعب على هذه الساحة.. فالجميع تقريبًا يكادون يتفقون على أن الحوار والتفاوض باتا هما الحل الوحيد للأزمة، بعد فشل الأداة العسكرية في حسمه على مدار عقد كامل.

والمتابع لمواقف الأطراف المختلفة يكاد يلمس بوضوح هذه القناعة، فالولايات المتحدة هي أكثر الساعين في اتجاه الحل السلمي للأزمة، ولاسيما أنها تواجه مأزقًا كبيرًا في أفغانستان، فهي بحاجة إلى تحقيق شيء يبرر به قادتها السياسيون النفقات الهائلة (٦ مليارات دولار شهريا) وأعداد القتلى الذين تجاوزوا الألف في حرب تحولت عن هدفها الأساسي، وهو محاربة الإرهاب، إلى بناء الدولة، وهو الهدف الذي فشلت فيه أيضًا بسبب ضعف كفاءة وفساد حكومة «قرضاي»

ولقد عبر نائب الرئيس الأمريكي «جو بايدن» عن الشروط الأمريكية للحوار مع حركة طالبان حين صرح في ديسمبر ٢٠١١ بأن الحركة في حد ذاتها «ليست عدونا»، وهو تصريح يعكس التركيز في تحقيق تسوية سياسية.

ورغم أن واشنطن كانت ترهن البدء بمحادثات مع طالبان بتخلي الحركة عن الإرهاب الدولي (ارتباطها بالقاعدة) وموافقتها على الدخول في عملية سلمية، فإنها على ما يبدو تحت وطأة الحاجة للتوصل إلى تسوية سياسية حتى تسهل إتمام عملية سحب قواتها وفق الجدول المعلن بنهاية عام ٢٠١٤، وافقت على السماح للحركة بإقامة مكتب لها في العاصمة القطرية الدوحة هدفه تنظيم مباحثات استكشافية بين واشنطن وطالبان كمرحلة أولى ثم بين طالبان وحكومة «قرضاي» كمرحلة ثانية.

ويرى مراقبون أن الولايات المتحدة تسعى إلى تسريع محادثاتها الهشة مع طالبان ليمكنها اعلان مفاوضات سلام جادة أثناء قمة حلف الأطلنطي في مايو ٢٠١٢ بشيكاغو.. بيد أن عليها إقناع طالبان بالتخلي عن معارضتها للمحادثات مع حكومة كابول التي تعتبرها الحركة غير مشروعة، فضلاً عن التعامل مع المعارضة السياسية في طالبان ذاتها.

في المقابل، وبالنسبة إلى طالبان كانت الحركة ؟ التي تقود تمردًا دمويٌّا ضد الحكومة الأفغانية وقوات الأطلنطي منذ سنوات ؟ حتى وقت قريب ترفض مبدأ التفاوض مع واشنطن طالما لم يغادر جنود الناتو الأراضي الأفغانية، كما ترفض التفاوض أيضًا مع حكومة كابول التي تعتبرها دمية، وترى أن طرفي الأزمة هما طالبان من ناحية وأمريكا وحلفاؤها من ناحية ثانية.

بيد أن تحولاً حدث في موقف الحركة فلم تعد تمانع في الدخول في محادثات سلام مع واشنطن، وهو توجه يحظى بدعم الملا عمر شريطة إطلاق خمسة من قياديي الحركة المعتقلين في جوانتنامو وعدم قبول الدستور الجديد لأفغانستان.

ولقد أبدت الحركة في ١٢/١/٢٠١٢ تمسكها بمحادثات السلام من منطلق أن المفاوضات قد تمنحها مناصب رسمية أو سيطرة رسمية على معاقلها في الجنوب أو الاضطلاع بدور في كتابة دستور جديد يسمح بنظام لا مركزي يتيح لقبائل البشتون السيطرة على شؤونهم الخاصة.

وكخطوة إيجابية على طريق التفاوض أعلنت الحركة في يناير ٢٠١٢ أنها تستعد لافتتاح مكتب سياسي يمثلها خارج أفغانستان للمشاركة في حوار تمهيدي مع واشنطن كمرحلة أولى ثم بين طالبان وحكومة «قرضاي» كما هو مفترض في مرحلة تالية.

وبدورها تسعى حكومة كابول إلى حل الأزمة التي كانت أحد أسباب ومظاهر فشلها من خلال الحوار والمفاوضات، وكان من مظاهر هذا السعي تشكيلها المجلس الأعلى للسلام برئاسة «برهان الدين رباني».. بيد أن هذا المجلس لم يحقق أي نتيجة إيجابية بسبب رفض طالبان التعامل معه.

ورغم فشل المجلس بل اغتيال رئيسه «رباني» أعلنت حكومة «قرضاي» على لسان وزير خارجيتها «زلماي رسول» أنها مستمرة في جهود المصالحة مع حركة طالبان شريطة القبول بالدستور والمشاركة في عملية إعادة البناء.. وتلا ذلك التصريح إعلان كابول في يناير ٢٠١٢ موافقتها على إجراء محادثات ثنائية بين الولايات المتحدة وطالبان، بل الترحيب بفتح مكتب للحركة في الدوحة.

وإذا كانت الحكومة الأفغانية ترحب بالمحادثات الأولية بين واشنطن وطالبان، فإن رئيسها قرضاي - مع ذلك - يخشى أن تؤدي هذه المحادثات إلى تهميشه، ولذلك انتقد تجاهل الولايات المتحدة للحكومة الأفغانية في محادثاتها مع الحركة.

إن مساعي الحوار تلك من جانب الأطراف الرئيسية للأزمة في أفغانستان وجدت ترجمة لها في الفترة السابقة من خلال جولات حوار أولية سرية جرت بداية في نوفمبر٢٠١٠ بمدينة ميونيخ الألمانية بين واشنطن وطالبان بمشاركة ألمانية - قطرية.. ثم تلا ذلك اتصالات أخرى تمهيدية جرت في الدوحة في فبراير ٢٠١٢ بين مسؤولين أمريكيين وآخرين من طالبان بهدف بحث جهود السلام في أفغانستان والتوصل إلى تسوية تتيح انسحابًا آمنًا للقوات الغربية من هذا البلد.

ورغم الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة من أجل التوصل إلى نتيجة ايجابية من مباحثاتها مع طالبان فإن هذه الجهود تواجهها عدة عقبات.. أولاها: غياب الثقة بين الطرفين.. ثانيتها: استمرار المعارك والمواجهات الدامية على الأرض (وآخرها مقتل ٤ جنود فرنسيين وإصابة ١٦ آخرين علاوة على مقتل ٦جنود أمريكيين في إسقاط طائرة في هلمند).. وثالثتها: عدم وضوح موقف واشنطن حتى الآن من مطالب طالبان، خاصة مطلب تسليم المعتقلين؛ حيث أعلن مارك جروسمان مبعوث واشنطن لأفغانستان أنها لم تقرر بعد إذا ما كانت ستلبي طلب الإفراج عن قياديي الحركة الخمسة المعتقلين في جوانتنامو.

وفي ضوء ما يكتنف المحادثات بين واشنطن وحركة طالبان من غموض ومصاعب يصبح وجود وسيط كالمملكة العربية السعودية أمرًا مطلوبًا لإمكان التوصل إلى التسوية المنشودة للأزمة الأفغانية.. ويساعد على ذلك عدة عوامل تؤهل المملكة للقيام بهذا الدور الذي قد لا يتعارض مع ما تحاول أن تقوم به قطر في هذا الشأن ومن بين هذه العوامل ما يلي:

- مكانة السعودية في العالم الإسلامي، فالمملكة تتمتع بمكانة كبيرة في العالم الإسلامي، ومن ثم فإنها تتمتع بثقل ونفوذ كبيرين يؤهلانها لأن يكون لها صوت مسموع يحظى بالاحترام لدى الأطراف المختلفة عند قيامها بالوساطة بينهم.

- علاقة المملكة بحركة طالبان، فمنذ أن ظهرت حركة طالبان على الساحة الأفغانية في أواخر التسعينيات كحركة طلابية إسلامية سُنية، وهي تحظى بالدعم المعنوي والمادي وأيضًا السياسي من السعودية، وحين سيطرت الحركة على كامل أفغانستان كانت السعودية ودولة الامارات وباكستان هي الدول الوحيدة في العالم التي تعترف بحكومة الحركة، وتحتفظ معها بنوع من التمثيل الدبلوماسي.. ورغم انقطاع العلاقة مع الحركة على خلفية رفضها تسليم أسامة بن لادن للمملكة، فإن الأخيرة مازالت تتمتع بنفوذ لدى طالبان، وبالتالي يمكنها في حالة قيامها بالوساطة أن تمارس ضغوطًا على الحركة تجعلها تقبل أو تلتزم بما يتم التوصل إليه من اتفاقات.

- المملكة وسيط مقبول عند الغرب، فعلاقة السعودية المتميزة مع الولايات المتحدة وما تحظى به من مكانة واحترام عند الغرب عمومًا بالنظر إلى اعتدال سياستها وحرصها على أمن واستقرار المنطقة، كل ذلك يجعل الوساطة السعودية مقبولة حتى تستقر الأمور في أفغانستان، وتتمكن الولايات المتحدة وحلفاؤها من إيجاد مخرج من المأزق الذي يواجهونه هناك، والذي يستنزفون بسببه الكثير من الأموال في الوقت الذي تعاني فيه الاقتصادات الغربية الانكماش والأزمات.

- قدرة المملكة على التعامل مع المشكلة، فالدبلوماسية السعودية تتمتع بخبرة كبيرة في التعامل مع الأزمات، وكثيرًا ما نجحت من خلال ما قامت به من جهود وساطة في إيجاد حلول لأزمات ومشاكل مشابهة، حيث كانت لها جهود وساطة من قبل في أفغانستان نفسها ونجحت من قبل في لبنان (اتفاق الطائف ١٩٨٩) وفي فلسطين (وثيقة مكة للمصالحة بين فتح وحماس ٢٠٠٧)، وبالتالي فإنها قادرة على تحقيق نجاح في الوساطة بين أطراف الأزمة الأفغانية.

وإذا كانت العوامل السابقة تجعل السعودية مؤهلة للقيام بجهود وساطة في أفغانستان، فإنه أيضًا مما قد يحفزها إلى القيام بهذا الدور أنه لن يصب في مصلحة أطراف الأزمة وحدهم، بل سيصب كذلك في مصلحة المملكة ذاتها من جوانب عدة:

- أولها: المساهمة في إحلال الأمن والاستقرار في منطقة وسط أسيا القريبة من المجال الحيوي للأمن القومي الخليجي عمومًا والسعودي خصوصًا، فحالة عدم الاستقرار في هذه المنطقة تجلب الكثير من المشاكل الأمنية لمنطقة الخليج ودولها، حيث تساعد هذه الظروف على زيادة أنشطة الإرهاب وتجارة المخدرات وغيرهما من أشكال الجريمة المنظمة.

- ثانيها: وضع حد للتدخلات الدولية والإقليمية في أفغانستان، حيث إن عودة الهدوء والاستقرار لهذا البلد بالمصالحة بين طالبان والحكومة ستجعل من ناحية الأجواء مهيأة لخروج قوات الناتو من هذا البلد، نظرًا لانتفاء الغرض من وجودها ؟ بصرف النظر عن أي ترتيبات أمنية قد تخطط لها الولايات المتحدة في المستقبل كإقامة قواعد عسكرية هناك - ومن ناحية ثانية ستضع عودة الهدوء لأفغانستان حدا لبعض التدخلات الإقليمية، حيث يستغل بعض الدول كإيران حالة عدم الاستقرار التي يعانيها هذا البلد في توسيع نفوذها في المنطقة سواء بتدخلها في أفغانستان لنصرة فصيل على آخر أو بمحاولة الدخول في علاقات تعاون إقليمي مع أفغانستان وباكستان مثلما يحدث حاليا.

- ثالثها: تحجيم أي وجود لتنظيم القاعدة سواء داخل أفغانستان أو في المنطقة الحدودية مع باكستان، فهذا التنظيم من وجهة نظر السعودية هو الأصل لكل الفروع ومنها فرع «القاعدة» في الجزيرة العربية الذي يشكل خطرًا على المملكة، وبالتالي فإن العمل على إضعاف قاعدة أفغانستان سيساعد على إضعاف الفرع، وذلك من خلال حجب الدعم بالمال والسلاح اللذين تقدمهما الحركة لهذا التنظيم، الذي ظلت توفر له ولزعيمه «أسامة بن لادن» الملاذ الآمن على مدى عقدين ؟ بعيدًا عن ملاحقة الولايات المتحدة ؟ رغم أن القاعدة ساندت بالرجال الحركة في الحرب التي تقودها منذ سنوات ضد أمريكا وقوات الناتو.

رابعها: انه سيجعل المملكة شريكا أساسيا في ترتيبات ما بعد الحرب في أفغانستان، بحيث لا تنفرد الولايات المتحدة بوضع ترتيبات سرية مع طالبان، ولاسيما أن هناك مراقبين يتحدثون عن ترتيبات سرية لتقسيم أفغانستان على الفصائل المتصارعة مع السماح لواشنطن بوجود عسكري بعد انسحاب قواتها من هناك.

ولعل مما يساعد على قبول طالبان للوساطة السعودية، هو وجود تحول ملموس في نهج الحركة؛ حيث أصبحت أكثر انفتاحًا وأكثر تقبلاً لكثير من الأفكار وأشكال التطور التي كانت تعاديها من قبل، كما أن مشاركتها في قطر في محادثات استطلاعية تمهيدًا لمحادثات مع واشنطن تشير إلى أنها باتت أكثر عقلانية.

وفي ظل ضعف المنافسين على الساحة الأفغانية أيضًا قد تجد الحركة في طريق الحوار والسلام فرصة لتحقيق مكاسب سياسية؛ إذ مع الدعم الذي تجده من قبائل الباشتون كبرى الأقليات الإثنية الأفغانية قد تحقق فوزًا في الانتخابات المقبلة إذا قررت خوضها وفق القواعد الديمقراطية.. وكذلك سيعني التجاوب مع الوساطة السعودية جذب اهتمام المملكة إلى الحركة من جديد، ومن ثم إمكانية عودة الدعم السعودي لها، كما أنه سيفتح لها باب الاعتراف بها من جانب كثير من الدول بوصفها شريكًا سياسيٌّا رئيسيٌّا في أفغانستان.































.

نسخة للطباعة

مقالات أخرى...

الأعداد السابقة