من أعظم دروس سقوط الممالك
تاريخ النشر : الخميس ٨ مارس ٢٠١٢
إبراهيم الشيخ
لن أبحر بعيدا في التاريخ السحيق، وسأكتفي بما وصل إليه الحال في بعض ممالك ما سمّي الربيع العربي.
في تونس كما الحال في مصر وليبيا وسوريا واليمن، وبغضّ النظر عن نوعية الأنظمة المستبدّة التي كانت تحكم، فإنها كانت تجتمع عند نقطة التقاء، كانت سبباً في سقوط تلك الأنظمة، وبالتالي سقوط عروشهم التي حكمت عقوداً من الزمان!
في خطابات بن علي ومبارك والقذافي الأخيرة، جميعهم بدأوا يستوعبون ويفهمون أنّ من أسقطهم ليس فقط الاستبداد، فكم هناك من أنظمة مستبدة مازالت باقية!
أوّل ما تحدّث عنه الناس بعد سقوط نظام بن علي، هو دور زوجته ليلى الطرابلسي وعائلتها في الإطاحة به، وهو الذي اعترف به بن علي لاحقاً وفق ما ذكرته مجلة «باري ماتش الفرنسية»!
نفس الاتهام وجّههُ علاء مبارك إلى شقيقه جمال مبارك، حيث اتهمه بأنه هو وأصدقاؤه أحمد عز وغيرهم، هم سبب «قلب الشعب» ضد والده محمد حسني مبارك؟!
المثالان يشتركان في كون عناصرهما المفسدة، عاثت في الأرض فسادا، ومربط الفرس أنّ السلطة المستبدة كانت ترعاهما وتحميهما، بل تستفيد من فسادهما، وهو ما استفزّ الشعوب عن بكرة أبيها، لتقرّر إسقاط النظام الذي كان يحمي المفسدين، ولم تكتف بإسقاط المفسدين فقط!
هذا الدرس المجاني الذي قدّمته الشعوب العربية في ثوراتها ضد الفساد والاستبداد، تعلمناه منذ أن كنا صغارا؟!
الأبَوان ينصحان الابن: يا بني لا تذهب مع تلك الجماعة من الأصدقاء، لأنّ فيهم فلانا وهو شخص سيّئ، وبسبب اهتمام الوالدين نجا ولدهما من الضياع، بينما نجح ذلك العنصر الفاسد في إفساد البقيّة، حيث الصاحب ساحب!
مرّة أخرى، ذلك الدرس المجاني، اكتشفه بائعو الفواكه والخضراوات منذ قديم الزّمان، حيث علِموا أنّ فساد أي حبّة في الصندوق من دون تيقّظ البائع لاستبعادها منه، ستجرّ عليه خسارة الصندوق كاملا! كما ستتسبّب في خسارة ثقة الناس الذين سيتحوّلون إلى بائعين آخرين.
لنعد إلى دائرة صغيرة جداً تسمّى الوطن، نسمع فيها يومياً عن قضايا فساد وهدر وتجاوزات وتعدّ، بينما لا نسمع فيها عن محاسبة، ولا استبعاد ولا «هم يحزنون»؟!
تجربتنا تشبه تجربة صاحب المحل، الذي لا يستبعد الحبّة (الفاسدة) التي قد تتسبب في ضياع الصندوق بأكمله، بل الأدهى من ذلك أنّه يعلم بعدم صلاحيتها للاستخدام ومع ذلك يرفعها من صندوق ليضعها في آخر، ليبقى التهديد مستمرا؟!
برودكاست: الاستفزاز بات يلاحق الناس في تكرار التعدّي على ثوابتهم، كما بات يلاحق الناس في التعدّي على ثروات وطنهم. النيّة الصادقة لا تكفي البائع للحفاظ على ما يملك، وإنّما يحتاج إلى قرارات جريئة تحفظ بضاعته، وتكسب ثقة الناس والتفافهم حوله؟!
إجازة سعيدة.