دراسات
هل يقع الطلاق بين طهران وبكين قريبا؟
تاريخ النشر : الخميس ٨ مارس ٢٠١٢
بكين - من: أورينت برس
في الآونة الأخيرة، بدأ عدد من المراقبين الدوليين بطرح السؤال التالي بإلحاح: هل بدأت الصين تنقلب على إيران أخيراً؟ فقد برزت جملة مؤشرات في الفترة الماضية تدل على ان التنين الصيني بدأ يتراجع عن دعم رفيقه الفارسي تدريجيا بغية تأمين مصالحه وان الامر ليس مجرد اوهام لدى الادارة الامريكية وحلفائها بل حقائق تترجم على الارض ويمكن تلمسها بوضوح.
فماذا سيحدث لايران في حال إذا ما تخلت عنها الصين؟ وهل صحيح ان بكين مستعدة للتنازل عن قطاع الطاقة الايراني وكل استثماراتها في إيران؟
«اورينت برس» أعدت التقرير التالي:
طوال سنوات، ساهم الدعم الصيني المتواصل في مساعدة النظام الإيراني على إعاقة الجهود الدولية الرامية إلى عزله ومعاقبته بسبب طموحاته النووية. لكن هذا الشهر، برزت مؤشرات واعدة على أن الصين بدأت تعيد تقييم شراكتها الاستراتيجية القديمة مع الجمهورية الإسلامية في ايران بعدما وجدت ان كفة الميزان لا تميل لصالح أجندتها ومخططاتها.
التبادل التجاري
في البداية وتجنبا لتهاو كبير في العلاقات ولاسيما التجارية منها، بدأت الصين تخفض نطاق تبادلها التجاري مع طهران في مجال الطاقة تدريجيا وببطء حتى تعتاد السوق الصينية وكذلك طهران الامر، كما بدأت تتجاوب مع العقوبات الاقتصادية التي فرضتها إدارة الرئيس الامريكي باراك أوباما حديثاً على البنك المركزي الإيراني، وتحلل احتمال أن تفرض الدول الأوروبية حظراً على النفظ الإيراني بشيء يبدو انه يحثها على مراجعة حساباتها بدعم ايران.
هذا الشهر، تراجعت واردات النفط من إيران الى الصين بمعدل 285 ألف برميل يوميا، أي ما يساوي أكثر من نصف مجموع الواردات الصينية الإجمالية من إيران يوميا. فضلا عن ذلك، أشار المسؤولون الصينيون إلى استمرار هذا التراجع على الأرجح، وهو توقع لا يوحي بنتائج ايجابية لايران التي بدأت تعرب عن قلقها من انقلاب صيني محتمل لما يعرف عن بكين من انها تفضل مصالحها اولا على العلاقات التاريخية والاستراتيجية.
لا شك أن هذه اللطمة المزدوجة والموجعة في وجه اقتصاد إيران وطموحاتها النووية أثارت قلق صناع القرار في طهران. فمن المعروف أن الفرص الاقتصادية الإيرانية هي على ارتباط وثيق بنشوء قوة الصين الاقتصادية والعسكرية وتصاعدها وتراجع هذا الدعم الصيني سيعني ان الكثير من القطاعات الايرانية التي تقوم على استثمارات محض صينية سوف تتراجع الى حد الانهيار، وبالتالي فإنه من شأن ذلك ترتيب اعباء وخيمة على الاقتصاد الايراني من جديد بشكل قد لا تحتمله الجمهورية الاسلامية.استهلاك الطاقة
خلال العقد الماضي، أصبحت الصين من أبرز مستهلكي الطاقة عالميا بسبب النمو الاقتصادي الهائل والمستدام الذي يشهده البلد. في نهاية العقد المقبل، يشير بعض التقديرات في القطاع الصناعي إلى أن استهلاك الصين للنفط قد يرتفع ليصل إلى ثمانية ملايين برميل يوميا، وهو ما سيجعل منها أكبر مستهلك للنفط في العالم، وبالتالي فإن كون الصين احد الزبائن الدائمين لدى ايران كان يمد الاخيرة بالثقة بأنها ستبقى محافظة على عوائد عالية جراء بيع النفط للخارج.
تعتبر إيران الغنية بالنفط شريكا استراتيجيا طبيعيا للصين كونها تشكل محركا للنمو الصيني الهائل. منذ ثلاث سنوات، وفرت إيران نحو 15 في المائة من مجموع واردات النفط الصينية، مما جعلها ثاني أهم مزود نفط للصين. في السنة الماضية، وفرت الجمهورية الإسلامية أيضاً زيادة بنحو 12 في المائة من طلبات الصين للنفط الخارجي.
مقابل النفط، كانت الصين من الأطراف الأساسية التي ساهمت في تمكين إيران من إحراز تقدم في طموحاتها النووية. تغفل بكين عن نشاطات الشركات الوطنية المتورطة في التجارة النووية مع إيران، وهي تنشط دبلوماسيا لتخفيف الضغوط الدولية التي فرضتها الأمم المتحدة وغيرها من المؤسسات المتعددة الأطراف على ايران.
جراء سياسة الصين الماضية كانت تداعيات الازمة النووية الإيرانية دراماتيكية لكن الوضع اليوم مختلف فقد بدأت الصين تتخذ موقفا مغايرا من شأنه الإضرار بالبرنامج النووي الايراني خصوصا ان البرنامج يتعرض لضربات متتالية شتى ليس اقلها اغتيال كبار العلماء النوويين بتفجيرات غامضة بشكل متتال.
قمع الصين
يعتبر الخبراء في مجال الانتشار النووي أن قمع البرامج النووية الايرانية على يد الحكومة الصينية سيؤدي إلى إعاقة مساعي إيران النووية، أقله على المدى القريب.
حتى الآن، لم تتخذ بكين أي خطوات لكبح البرنامج النووي الإيراني او الاعراب عن معارضتها لايران علنا لكنها تفعل ذلك في السر وبخطى هادئة كما هو واضح من مسار العلاقة الثنائية بين البلدين الآخذة في التراجع على شتى المستويات. تشعر واشنطن من جهتها بالقلق على وضع الاقتصاد العالمي وسلامة العلاقات الأمريكية الصينية، لذا لم تبالغ في الضغط على الصين من خلال فرض العقوبات على الشركات الصينية التي لاتزال تخالف الحظر الامريكي على الشركات العالمية التي تتعامل مع الجمهورية الإيرانية.
لكن تشير تحركات الصين الأخيرة في مجال الطاقة إلى أن حساباتها التقليدية بشأن التعاون مع إيران ربما تشهد بعض التغيرات الدراماتيكية في المستقبل القريب، وذلك لأسباب وجيهة تتعلق بحماية مصالحها اولا، فقد شعر صانعو السياسة في بكين خلال فترة معينة بأن علاقاتهم الوثيقة مع النظام الإيراني قد تتحول إلى عبء جيو سياسي ثقيل عليهم.
عبء ثقيل
قد تستوعب الصين أن الكونجرس الأمريكي، الذي يكشف الآن عن رغبة متزايدة في فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية القاسية على إيران بسبب برنامجها النووي، قد يعاقب قريباً داعمي طهران أيضاً وعلى رأسهم الشركات الصينية. لا يمكن أن يغفل المسؤولون الصينيون عن واقع أن مساعي إيران النووية والدور الداعم الذي يؤديه بعض الدول لها مثل الصين بدأت تتحول إلى نقطة مهمة ضمن البرامج الانتخابية التي يطرحها منافسو أوباما الجمهوريون في الولايات المتحدة.
لكن أكثر ما يشغل بال بكين هو على الأرجح التهديد الإيراني الأخير بإغلاق مضيق هرمز المهم استراتيجيا لوارداتها النفطية. لا شك أن هذا التهديد أثار ذعر المسؤولين الصينيين الذين يهتمون في المقام الأول بضمان تدفق النفط حفاظاً على الحيوية الاقتصادية في بلدهم، وهو امر أساسي بالنسبة لهم ويتفوق على كل ما عداه من اهتمامات كون الاقتصاد في طليعة الاجندة الصينية ويتقدم على كل المسارات الاخرى.
بغض النظر عن سبب التحول في الموقف الصيني، يُعتبر تراجع الروابط الصينية الإيرانية في مجال الطاقة تطوراً واعداً وخطوة مهمة لتعزيز الجهود الغربية الرامية إلى تضييق الخناق الاقتصادي على الجمهورية الإسلامية. يبدو أن القيادة الصينية بدأت تدرك أخيراً أن التعاون مع إيران محفوف بالمخاطر وسيفقدها الكثير مما حققته على الساحة الدولية. الى ذلك، هناك دول اخرى على استعداد لتحل محل ايران فيما يتعلق بالعلاقة مع الصين، وهي دول تمتلك احتياطيات نفط ومصادر طاقة يمكن لبكين الاستفادة منها ايضاً من دون تعريض مصالحها مع الدول الكبرى للخطر.
جراء ذلك، يرى خبراء في السياسة الدولية انه يجب أن تستغل واشنطن والعواصم الأوروبية الفرصة الراهنة المتاحة امامهم للتشديد على فكرة الحظر على النفط الايراني ودعم جهود بكين لإيجاد جهات أخرى تزودها بمصادر الطاقة وتوفر لها بدائل ثابتة ومضمونة عن النفط الإيراني لكي تتم محاصرة ايران من جميع الجهات ولافقادها حليفا وثيقا بينما يعاني حليفها الاقوى في الشرق الاوسط اي نظام الرئيس بشار الاسد ثورة مستعرة ضده. في النهاية، لا يمكن أن يضمن المجتمع الدولي إصرار الصين على تصحيح مسارها بشكل دائم إلا من خلال إقناع بكين بأن مستقبل قطاع الطاقة الصيني لا يتوقف على قرار آيات الله في إيران.