شرق و غرب
ما جدوى العقوبات المفروضة على إيران؟
تاريخ النشر : الخميس ٨ مارس ٢٠١٢
هناك قول مأثور قديم منسوب إلى وزارة الخارجية البريطانية في العهد الاستعماري: «جَوّعُوا الفُرس وسَمنُوا العرب».
كان البريطانيون آنذاك يتحكمون في مصير الفرس وقد كانت تلك وصفتهم للحفاظ على الهدوء.
يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا لا تتمعنان جيدا في ذلك القول المأثور الموروث عن الحقبة الاستعمارية: تجويع الفرس كي لا يثوروا على حكامهم.
يبدو أن الغرب يمني النفس اليوم بأن يكرر الأسلوب نفسه ويطبق الوصفة عينها مع الإيرانيين، بل إن الغرب يبذل كل ما في وسعه من أجل تجويع الشعب الإيراني أكثر حتى من ذي قبل في ظل حكومة محمود أحمدي نجاد الفاسدة والعديمة الكفاءة.
لا غرابة إذاً أن انتخابات يوم 2 مارس 2012 (أول انتخابات تقام في إيران منذ تزوير انتخابات يونيو 2009) لم تثر اهتمام الناخبين من الطبقة الوسطى أو مشاركة الليبراليين المعارضين لنظام الملالي في طهران، فقد تم استبعاد مثل هؤلاء المرشحين من السباق الانتخابي بشكل منظم بعد اتهامهم بأنهم مجرد عملاء للغرب وخونة لبلادهم.
كانت العقوبات في الماضي تستهدف قطاعات معينة. أما اليوم فقد أصبحت أقرب إلى العقوبات الجماعية. يقال لنا اليوم ان هذه العقوبات ترمي إلى إجبار حكومة طهران على العودة إلى طاولة المفاوضات وتقديم التنازلات اللازمة بخصوص برنامجها النووي. يبدو أن الساسة في الغرب يعتقدون أن معاقبة الشعب الإيراني من شأنها أن تزيد من سخط الشعب الإيراني على حكومته وتحميلها المسؤولية عن حياة البؤس والشظف والمعاناة التي يعيشها اليوم ويضغط بالتالي على حكامه حتى يغيروا سلوكهم وسياساتهم وربما يعمد الشعب الإيراني إلى تغيير النظام الذي يحكمه.
لكن الحرمان قد يكون الوصفة المناسبة للحفاظ على الهدوء والوضع القائم في إيران، تماما كما جاء في القول المأثور عن المستعمر البريطاني.
لم يكن الشعب في إيران أبدا من دعاة العزلة عن العالم الخارجي. لكن في ظل المعاناة الكبيرة التي بدأت العقوبات تسببها من حيث تأثيرها في موارد رزق الإيرانيين الذين يريدون مواصلة التعامل والتواصل مع العالم الخارجي فإن قدرتهم على مساءلة الحكومة عن سياساتها والتحرك من أجل التغيير قد بدأت تضعف كثيرا. هذا يعني أنه لم تعد توجد فرص كبيرة للترويج للقيم الأمريكية أو كسب معركة العقول، العقول التي بدأ الغرب يوشك الغرب أن يخسر معركتها أيضا.
لقد عشت في طهران على مدى السنة الماضية ووقفت بنفسي على تعثر الاقتصاد الإيراني والشعب الذي يعاني الطوى، حيث انه جائع إلى البروتينات للتغذية ومتعطش للتغيير الحقيقي في بلاده.
لقد أغلق الكثير من المحال وتوقف العديد من الأنشطة الاقتصادية والتجارية، مما أدى إلى تسريح العمال والموظفين نظرا لتقلص بل انعدام التجارة أو عدم توافر أي فرص جديدة. لقد أثر هذه الوضع الاقتصادي المتردي في إيران في الجميع: من النادل الذي يقدم الشاي في المكاتب إلى المدير المتوسط الذي قد لا يكفي راتبه الشهري لتلبية حاجات أسرته، هذا إذا كان هذا المدير لايزال يتقاضى أصلا راتبه في ظل العقوبات التي أطبقت الآن على إيران.
إن الشعب الإيراني يتطلع خاصة إلى إحداث تغير اقتصادي، فهم يفنون أنفسهم ويكابدون يوميا من أجل تلبية حاجاتهم، فنراهم يمارسون عملا إضافيا ثانيا وثالثا في اليوم الواحد من أجل تأمين الحد الأدنى لأسرهم، بل إن بعضهم يرسلون أبناءهم إلى الشوارع من أجل التسول أو بيع بعض أدوات الديكور البسيطة. إن الشعب الإيراني الذي يعاني الآن وطأة العقوبات غير مهتم كثيرا بالجوع الآخر الذي يعانيه، أي التغيير السياسي.
في إيران لا يمكن إحداث التغيير السياسي بالإكراه أو بالعقوبات أو عبر المعارضين المقيمين في المنفى ومن يؤازرهم ويمد لهم يد العون، رغم ما قد يعتقده الساسة في الولايات المتحدة الأمريكية.
إن التغيير سيحدث في إيران بشكل بطيء ولا يمكن أن يقاس بدورة انتخابية أمريكية بأي حال من الأحوال. إن هذا التغيير لن يحدث إلا عندما يتوقف الشعب الإيراني عن الشعور بالجوع وعندما تفقد حكومة الملالي في طهران كل ما تبقى لها من ذرائع بما في ذلك أعداء الثورة والأمن القومي وحرمان الشعب من حقوقه المدنية.
إن التغيير المنشود لن يحدث في الجمهورية الإسلامية إلا عندما «يسمن» الايرانيون المتعلمون والمثقفون والموهوبون ويصبحون قادرين على مواجهة حكامهم ويطالبون قادتهم بحقهم المشروع في الحياة السعيدة الآن ؟ وليس في الآخرة ؟ وإشباع بطونهم الخاوية.
إن السماح بقيام اقتصاد عادي في إيران من شأنه أن يعطي المواطنين العاديين قدرة كبرى ويجرد نظام طهران من خطابه الذي سئمناه من كثرة التكرار: إن الغرب يريد أن يفرض إملاءاته على الجمهورية الإسلامية.
إن الإيرانيين لا يقبلون مثل هذه الاملاءات بحكم سوابقهم التاريخية في المواجهة مع القوى الأجنبية، وخاصة منها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا. لذلك فإن الايرانيين لن يحملوا حكومتهم المسؤولية عن الآثار السلبية الناجمة عن العقوبات فقط لأننا نقول لهم ان نظامهم الحاكم في طهران هو وحده المسؤول عن معاناتهم. إن الايرانيين لن يعمدوا إلى إسقاط نظام الملالي الذي يحكمهم مهما دفعناهم للقيام بذلك.
أما إذا كان الاقتصاد قويا ومنتعشا فإن الطبقة الوسطى سوف تعود إلى لعب دورها الأساسي السياسي الفعال في صلب المجتمع. لقد تجلى هذا الدور السياسي بشكل واضح إبان السنوات التي حكم فيها الإصلاحيون البلاد، وخاصة فيما يتعلق بالعلاقة مع الغرب. فعندما لا تكون حكومة طهران مهددة من الغرب فإنها ستجد صعوبة كبيرة في تجاهل مثل هذه المطالب السياسية.
لنعد قليلا إلى الوراء، إلى سنة 2009 وليس الأمس ببعيد، فهذه الطبقة الوسطى نفسها هي التي انتفضت في ذلك العام وراحت تطالب بحقوقها المدنية بعد أربع سنوات في ظل الرئيس محمود أحمدي نجاد.
إن بقايا تلك الطبقة الوسطى المثقفة هي التي تواصل حتى اليوم التظاهر احتجاجا على انتهاكات حقوق الإنسان والاخلالات الخطرة التي تطول الحقوق المدنية للشعب الإيراني في ظل هيمنة طبقة رجال الدين ؟ الملالي ؟ على الحياة السياسية وتنكيلها بخصومها.
قد تكون العقوبات المشددة التي فرضت على مفاصل الاقتصاد الإيراني «مؤلمة» غير أنها تخدم أيضا نظام طهران وتتسبب في خنق الأصوات المنادية بالتغيير، وهي الأصوات التي لا يمكن سماعها في الوقت الذي يضيق فيه الخناق على الشعب وتكبر معاناته الاقتصادية والاجتماعية، وقد يزداد الأمر سوءا إذا آل الأمر إلى المواجهة العسكرية. إن هذه العقوبات المشددة لن تجعل نظام طهران يغير سياساته كما أنها لن تشعل فتيل «الربيع الفارسي» طالما أن الفرس يئنون من طوى ويعيشون في مناخ من الخوف.
إنترناشيونال هيرالد تربيون