الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٠٤ - الجمعة ٩ مارس ٢٠١٢ م، الموافق ١٦ ربيع الثاني ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


الإعلام الخليجي.. ودوره في الحفاظ على تماسك الدولة أمام محاولات الاختراق الإيرانية





مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية

لا يختلف أحد على أن الإعلام يشكل حاجة مجتمعية لا غنى عنها لما له من دور في توجيه المجتمع وكشف سلبياته وإبراز إيجابياته وخدمة أهدافه التنموية وحفظ هويته الثقافية، وأن تحقيق تلك المهام على النحو الأمثل يضع الإعلاميين في مصاف قادة الرأي والفكر الذين يحملون مشاعل التنوير والمعرفة، غير أن تلك الأدوار التي يلعبها الإعلام، أضيفت لها مهمة أخطر جعلت منه أحد أخطر الأسلحة التي تلجأ إليها الدولة في صراعاتها، حتى أصبحت الخلافات والصراعات داخل الدولة الواحدة أو بين الدول تحسم لصالح من يمتلك الإمكانيات والآليات الإعلامية الأكثر تأثيرًا، ولنا في أحداث الحراك العربي وتجربة قناة الجزيرة القطرية وقناة العربية السعودية خير مثال على ذلك، التي جعلت من الإعلام أحد أذرع السياسة الخارجية للدول التي تستخدمها لتحقيق أهدافها ومصالحها.

وفي إطار ما يمكن أن نطلق عليه مصطلح «الحرب الباردة» بين بعض دول مجلس التعاون الخليجي وإيران، بسبب مساعي الثانية للتدخل في الشأن الداخلي للأولى لجأت طهران إلى استخدام ورقة الإعلام لتحقيق غزو فكري وثقافي لهذه الدول؛ حيث كشف تقرير استخباراتي يمني مؤخرًا عن مخطط إيراني يعمل على تجنيد واستقطاب قوى وعناصر سياسية وإعلامية بهدف السيطرة على الساحة السياسية في المنطقة من خلال إنشاء أحزاب موالية لطهران وتمويل جماعات ونخب ثقافية وسياسية ومنابر إعلامية للعب دور سياسي يتبنى الرؤية الإيرانية تجاه الأحداث في المنطقة.

ووفقًا لهذا المخطط الذي بدأ تنفيذه منذ اندلاع الاحتجاجات في اليمن سيتم إنشاء وتمويل عشرين وسيلة إعلامية تكون ناطقة باسم الأحزاب التي ستقوم طهران بتمويلها حتى تضمن سهولة إصدار التصاريح لها، ومنها سبع صحف، تم إصدار صحيفتين منها فعلاً في حين سيتم إطلاق عشرة مواقع إلكترونية لجهات وأشخاص ومجموعات تعمل في إطار المخطط، تم إطلاق أربعة منها، وبخصوص القنوات الفضائية يهدف المخطط إلى إطلاق ثلاث قنوات فضائية موجهة للجمهور اليمنى إحداها تشرف عليها قناة المنار وأخرى قناة العالم والثالثة تشرف عليها إحدى القنوات العراقية.. وتم بالفعل خلال يناير الماضي إطلاق إحدى هذه القنوات على قمر النايل سات، وبدأت الترويج لتوجهاتها الثورية من خلال ما تبثه من صور وأفلام ثورية قصيرة.وتأكيدًا لذلك، أعلن موقع «عرب دايجست» أن إيران تنفذ هجمة إعلامية تنطلق منصتها من بيروت، من خلال تأسيس قنوات فضائية عربية تدعم الجماعات المناهضة للمملكة العربية السعودية، فهناك خطط لفتح قناتين جديدتين: واحدة للمتمردين «الحوثيين» في اليمن، والأخرى في المنطقة الشرقية السعودية، وهناك قناة حالية للمعارضة البحرينية قد تنتقل إلى بيروت؛ إذ إنها تواجه ضغوطًا متصاعدة في بريطانيا.

والخطير في هذا التوجه الإيراني أن طهران استطاعت خلال الفترة الماضية بفعل الإعلام وتأثيره القوي أن تكسب تعاطف قسم من الجمهور العربي، حيث استطاعت بإعلامها الواسع والمخادع الذي وجهته نحو الوطن العربي أن تجعل من نفسها صديقة ومدافعة عن حقوق العرب والمسلمين، من أجل أن تمرر مشاريعها التوسعية تحت غطاء الدين والدفاع عن المستضعفين؛ حيث لعبت على وتر قضية الشيعة في دول الخليج من أجل نيل تأييدهم لها، كما لعبت على وتر القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي من أجل كسب صداقة الدول المعادية لإسرائيل كسوريا والحركات الفلسطينية. وها نحن نرى اليوم أن إيران تلعب على الجبهة اليمنية، وهناك مؤشرات تؤكد أن لها دورا فيما يجري على الساحات المصرية والتونسية والليبية بعد قيام الثورات فيها، وذلك لتعويض خسارتها الوشيكة في سوريا بعد تصاعد المعارضة الداخلية والدولية ضد النظام هناك.

ودليل ذلك أنه بدلاً من أن يدرك الإعلام في هذه الدول أن دوره في هذه الفترة هو تعزيز السلم الأهلي من خلال المساهمة الفعالة في إرساء دعائم الأمن والاستقرار بالأفكار والرؤى التي يتم تناولها وطرحها، بحيث يعمل على نشر الوعي والثقافة الاقتصادية كالتعريف بالقوانين والتشريعات والإجراءات التنظيمية حتى يستطيع الفرد أن يعرف حقوقه وواجباته في تلك المرحلة الحساسة من حياة المنطقة، تجاهلت وسائل الإعلام هذا الدور، وظلت رافعة شعار «الاعتراض» و«التضخيم»، متسببة في انتشار حالة من الفوضى المجتمعية والتشتت الفكري لدى المشاهد العربي بين ما هو صواب وما هو خطأ، متجاهلة ـ أي القيادات الإعلامية ـ حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها باعتبارها تعبر عن آمال وتطلعات الشعوب، وأن الإعلام الحر والنزيه تكون الحقيقة غايته والموضوعية أسلوبه في الأداء.

وأمام هذه المخاطر تتضح أهمية رسم استراتيجية إعلامية تأخذ في الحسبان تطوير المحتوى والمادة الإعلامية، وإدخال وسائل إعلامية حديثة، بشكل يراعي التغييرات والمستجدات الإقليمية والدولية، ويمنع حدوث اختراقات من شأنها تهديد السلم الاجتماعي.. ولقد كانت مملكة البحرين، من أولى الدول التي سعت إلى مواجهة هذه الهجمة الشرسة التي سعت إلى تشويه صورتها وتهديد الاستقرار والأمن فيها؛ حيث عملت على تبني استراتيجية إعلامية تهدف إلى تطوير المنظومة بمفرداتها كافة (من صحافة وإذاعة وتلفزيون وإنترنت) بما يرسخ من احترام الحقوق والحريات الإعلامية والصحفية، ويهدف إلى تصحيح جميع الادعاءات التي تهدد أمنها، وتطوير منظومة الإعلام الخارجي لدحر موجة التشويه غير المسبوقة التي ينتهجها البعض ضد المملكة؛ وتم استحداث إدارة الرصد الإعلامي وإدارة العلاقات الإعلامية وإدارة التواصل الإعلامي، التي من مهامها التواصل مع المواقع التفاعلية الاجتماعية مثل التويتر والفيس بوك وغيرهما، وكذلك للتواصل مع أجهزة الإعلام الخارجي.

بالإضافة إلى زيادة الجولات الخارجية والزيارات للمنظمات الدولية من أجل تصحيح الصورة المغلوطة التي قام بها الإعلام المضاد، فضلاً عن تدشين استراتيجية جديدة للفترة ٢٠١٢ ـ ٢٠١٦ لتطوير الأداء الإعلامي وتطوير الكوادر البشرية، بما يضمن مواجهة الحملات الإعلامية التي تتعرض لها المملكة.

ولكون الخطر الإيراني أقرب للدول الخليجية اليوم عن غيرها، يتعين الأخذ في الاعتبار ألا يقتصر الإصلاح الإعلامي على دولة من دون أخرى، بل يتعين أن يكون هناك تطوير يشمل منظومة مجلس التعاون الخليجي ككل، فلا يمكن المحافظة على السلم الأهلي والتماسك الداخلي ما لم يوجد هنالك إعلام خليجي في مستوى من الوعي والقدرة على تطوير الوعي الاجتماعي، وحماية منطقة الخليج العربي من أي تهديدات محتملة، ولاسيما أن هذه المنطقة أصبحت مستهدفة أكثر من أي مكان آخر في الوقت الراهن بشكل مخيف.

ومن المهم بداية تصحيح المفاهيم وزيادة الوعي لدحض أي محاولات للتشكيك وتعزيز كفاءة المواجهة لدى الصحف ووسائل الإعلام المختلفة، بحيث يكون هناك إعلام يستطيع التدخل بممارسات واعية لتصحيح المفاهيم الخاطئة بعيدًا عن الدخول في خصومات تؤدي إلى مساوئ أكبر، وذلك وفقًا لرئيس اتحاد الصحافة الخليجية «تركي بن عبدالله السديري»، وذلك في ظل تضارب المفاهيم الاجتماعية، وهو ما يعني بشكل أو بآخر أن تكون هناك وسائل إعلام واعية لإرشاد المجتمع إلى منطق المفاهيم الصحيحة والسليمة.

وهو ما يمكن تحقيقه في ظل امتلاك المجتمع الخليجي كل قدرات التطوير والتميز، ومن خلال الاقتداء بالاتحاد الأوروبي الذي رغم تباعد الكثير من الآراء والمعتقدات بين شعوبه استطاع أن ينشر قصة نجاح؛ بحيث لا توجد تجاوزات من شأنها أن تسيء إلى المجتمع أو تؤدي إلى نزاعات دامية بدعوى حرية الرأي والتعبير والشفافية كما هو حال بعض القنوات الخليجية.. والسبب وراء ذلك هو تقدم الوعي وتطوره عبر سنوات طويلة، وترويج ذلك كله لن يتأتى إلا بتوفير قدرات إعلامية بحيث لا تؤدي أداء وظيفيا عاديا، بل هي مهمة وطنية حساسة جدا لتدعيم المجموع الخليجي بهذه المرحلة، لذا اقترح البعض تغيير مجالس إدارات الصحف والمؤسسات الإعلامية الخليجية والعربية كل أربع سنوات، وذلك من أجل استيعاب عناصر إعلامية وصحفية أخرى قادرة على التطوير والتميز.

كما لابد من وجود بنية تحتية متطورة؛ حيث لم يعد في وسع أية مؤسسة إعلامية تطمح للتميز أن تستغني عنها، في نطاق مساعيها التنافسية مع المنظمات الأخرى، التي لم تعد اليوم وسط ثورة الاتصالات والمعلومات قادرة على أن تكون محلية أو إقليمية فقط؛ حيث باتت حدود السوق الإعلامية دولية، وهذا يقتضي من دول الخليج، كل على حدة، أو بشكل مشترك، بناء تلك الهياكل التحتية القوية الراسخة التي تمكن المؤسسات العاملة في نطاقها من التميز، ومن ثم التفوق على من ينافسها في الميدان الإعلامي.

وبجانب البنية التحتية يتعين توافر بنية أخرى فوقية معاصرة وديناميكية، تشمل: القوانين والأنظمة التي تبيح للمؤسسات الباحثة عن تميز إعلامي ملحوظ، العمل بسلاسة تحت مظلتها القادرة على ضمان أرقى أشكال الأداء لتلك المؤسسات، بما يحقق الأرضية الصالحة التي تسمح للتنافس المهني بأن يأخذ مجراه، وتوفر المقاييس القادرة على الحكم بشفافية بين أشكال الأداء الباحث عن التميز، كي يحصد صاحبه ما يستحقه من ذلك التميز.

وأيضًا ينبغي دعوة المؤسسات الإعلامية إلى الالتزام بالحيادية؛ حيث إن أكثر المؤسسات الإعلامية لها انتماء، وليست مستقلة بشكل تام، كما أن هناك انتماءات عدة منها حزبية ودينية وعرقية؛ وكل منها يخدم قضيته، في حين أنه لابد للإعلام أن يكون متعادلاً في طرحه للقضايا، فالعالم العربي مر بمتغيرات كثيرة وأحداث جديدة خلال السنة الماضية واجهت خلالها المؤسسات الإعلامية مواقف محرجة بسبب الانتماء والموقف السياسي.

وعلى مستوى استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، فمن المقترح أن تتم دراسة كيفية الاستفادة منها والتقليل من سلبياتها، وعدم نشر الانحراف الفكري والطائفي في هذه الوسائل واستبدال نشر قيم التسامح والاعتدال به، وذلك من خلال التزام الفرد باحترام القيم الدينية والاجتماعية والسياسية في وطنه واحترام وجهات النظر الأخرى، لأن الحرية تعني الالتزام، وهناك معايير لبث الأخبار.































.

نسخة للطباعة

مقالات أخرى...

    الأعداد السابقة