الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٠٤ - الجمعة ٩ مارس ٢٠١٢ م، الموافق ١٦ ربيع الثاني ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


نحو سياسات خليجية مشتركة للحد من تدفق العمالة الوافدة





تشكل أرقام حجم العمالة الوافدة في دول مجلس التعاون الخليجي، خطرا استراتيجيا قادما، يهدد الشأنين الاجتماعي والاقتصادي لسكان وشعوب دول الخليج العربية.

فبحسب احصائيات خليجية بهذا الشأن، فإن حجم العمالة الوافدة في دولة الامارات العربية المتحدة مثلا ما نسبته ٩٠% من القوى العاملة، و٨٢% في الكويت، و٦٩% في المملكة العربية السعودية، و٦٠% في كل من سلطنة عمان ومملكة البحرين.

إن هذه الاحصاءات المخيفة ؟ حقيقة ؟ واستمرار الهيمنة الوافدة على مختلف القطاعات الخاصة، وتجارة التجزئة والخدمات والورش وغيرها، واستحواذها على هيكل وتركيبة السوق الخليجية عموما، أدى الى تفاقم مشكلة البطالة بين مواطني دول مجلس التعاون الخليجي، إذ تختلف النسبة بين بلد وآخر، بحسب الاستراتيجيات وخطط الاحلال والتوطين في كل دولة، الا إن الهواجس المخاوف تبقى مشتركة بين دول مجلس التعاون.

دول مجلس التعاون حقا في معضلة كبرى وتحد كبير، فهذه الأعداد الكبيرة من الأجانب، لها انعكاساتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وقد تشكل تهديدا للهوية الخليجية والشخصية الوطنية، ولمستقبل المنطقة بأسرها.

لقد ضاعت اللغة العربية في ظل الطوفان البشري الوافد الزاحف، فمن الصعب استعمال اللغة العربية للحديث والتفاهم في اقطار دول مجلس التعاون، بل طغت اللغة الانجليزية، الى جانب اللغات الهندية والبنغالية والأوردية وغيرها.

نعم، الهوية الخليجية العربية الاسلامية بدأت بالذوبان، بل إن جمعيات ومراكز وأندية لهم، تفتح أبوابها، مع كنائس ومراكز عبادة ومعابد أخرى، لتختفي شيئا فشيئا الهوية الثقافية الوطنية لدول الخليج، في ظل التمدد الثقافي الوافد، (العمالة الوافدة والهوية الثقافية للخليج، بوفلجة غياث).

وتأتي مخاطر تلك العمالة على الأمن الاجتماعي، لتشكل رصيدا جديدا فنوعية الجرائم قد ارتفع سقفها من البسيطة الى الجرائم الكبرى، كالقتل والسرقة والتحرش الجنسي والاغتصاب وتصنيع الخمور وترويج المخدرات وغيرها.

صحيح انها قامت بدور رئيسي في حركة التنمية والعمران والبناء والتشييد منذ سبعينيات القرن الميلادي المنصرم او اكثر من ذلك، كما أسهمت بخبراتها المختلفة، في حركة التحديث الشامل للمؤسسات والبنى التحتية وغيرها.

ولكن مع ذلك كله يبقى هاجس الكم الهائل منها في دول مجلس التعاون وما تشكله تلك من آثار ديمغرافية وسكانية مستقبلا في الخليج، والكثير منهم اصبحنا بغير حاجة إليهم نظير كثرة خريجي مواطني دول مجلس التعاون، والعناية بتطوير مخرجات التعليم، والاقبال الكبير على الالتحاق ببرامج التدريب المختلفة، والكم الهائل لأعداد خريجي الجامعات من طلاب مجلس التعاون الخليجي.

دعونا نعود الى جذور المشكلة، فقد كانت ثمة عوامل اساسية دفعت دول مجلس التعاون الى الاستعانة بالعمالة الآسيوية، مما ادى الى استمراريتها وتفاقمها بشكل كبير، وكذا فشل المساعي والحلول لضبط والحد من تدفقها.

(فمنها) الطفرة «النهضوية» ومراحل الانتعاش المالي والاقتصادي لدول مجلس التعاون في حقب في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وما تتطلبه تلك المرحلة من قوى عاملة مدربة لأعمال التشييد والبناء والعمران، وكذا حاجة البنوك والمؤسسات الى كفاءات وخبرات جاهزة، ادت بطبيعة الحال الى الاستعانة المباشرة بتلك العمالة.

(ومنها) قلة برامج التدريب لتخريج فنيين مهرة وحرفيين في المهن المختلفة الاساسية، التي تحتاج إليها سوق العمل الخليجي.

(ومنها) عزوف مواطني دول مجلس التعاون، عن العمل في بعض الوظائف والمهن التي يعمل بها بعض الاجانب.

(ومنها) عدم تناسب التخصصات الجامعية المختلفة، مع الاحتياجات الفعلية لسوق العمل الخليجية، فلايزال التعليم الجامعي في واد، ومتطلبات السوق في واد آخر، وخذ مثالا على ذلك، الكم الهائل لخريجي اقسام الفلسفة والاجتماع، من الخليجيين الذين يبحثون عن وظائف وفي الوقت نفسه تعلن وظائف شاغرة لتخصصات اخرى، مثل البرامج الالكترونية والدعم الفني لشبكات الكمبيوتر، مما يؤكد انه لاتزال فجوة بين التعليم والحاجة الفعلية.

من هنا كان لزاما على دول مجلس التعاون، ان تولي برامج التدريب والتطوير المختلفة، عناية فائقة، بواسطة خطط واستراتيجيات بعيدة المدى، تلبي الاحتياجات الفعلية من الحرفيين والفنيين والتقنيين والمهرة والاختصاصيين وغيرهم.

وفي الوقت نفسه، لابد من بلورة لرؤية توافقية لتوائم بين التعليم الجامعي ومتطلبات السوق الخليجية، وهذا ليس بالأمر الصعب في تقديرنا فالحاجة إلى الوظائف في سوق العمل ظاهرة وواضحة، تبقى اعادة تنظيم التخصصات العلمية بالجامعات الخليجية في ضوء الدراسات والابحاث المتعلقة بهذا الشأن.

طبعا، في هذا المقام لا نغفل جانب اهتمام الدول الخليجية بالتعليم العالي وتجويده، وافتتاح الجامعات، والتوسع فيها، واستقطاب الطلبة الخريجين من الثانوية العامة وهذه جهود جبارة بالفعل، وتدخل في نطاق التنمية التعليمية المتطورة. ولكن مع ذلك كله لابد من الاهتمام بالكيف، والكيفية، مع الاهتمام بأولوية اشباع حاجات الكم.

هذا ما حدث فعلا في العقود والسنوات الاخيرة، من عدم الاهتمام بهذا الجانب، واغفاله، وقصور المنظومة التعليمية الجامعية، عن إن تواكب مستجدات سوق العمل، وغياب الاستراتيجيات والتواصل مع سوق العمل الخليجية، وانعزال الجامعات وانغلاقها، وقلة موارد التدريب، أدى ذلك كله لما يسمى الآن «بطالة الخريجين» وبخاصة في التخصصات الانسانية والاجتماعية والشرعية وغيرها.

وعلى هذا الاساس فانه على دول مجلس التعاون الخليجي، ان تعي تماما هذه المسألة أو المعضلة، وان تعمل جاهدة لأن تكيف السياسات التعليمية، مع الاحتياجات العامة من القوى البشرية، ضمن خطط التنمية المختلفة.

والمطلوب أيضا تجويد التعليم والتعليم العالي، وانشاء كليات للتعليم التطبيقي والفني، وكليات تكنولوجية تقنية، وغرس وعي للناس بتحبيب التعليم والعمل معا، وضرورة ارشاد الطلبة إلى التخصصات المختلفة وتوجيههم نحو الوجهة الصحيحة، وتوعيتهم بطبيعة الدراسة التي سوف يقبلون عليها.

نعود مجددا للب حديثنا الرئيس (فنقول)، كخلاصة عامة لمحور بحثنا هذا، فانه مطلوب الآن، انشاء هيئة خليجية عامة لتنظيم العمالة الوافدة، من خلال خطط وسياسات مشتركة، على ان تقوم كل دولة على حدة بتنفيذها تبعا لتوجهاتها، وهي حاجة ملحة الآن، نظرا لاستفحال القضية.

ولعله قد يكون من خطط وسياسات واستراتيجيات هذه الهيئة:

} تبني رؤى وخطط لقصر بعض المهن على مواطني دول مجلس التعاون، والتوسع في هذه المهن والوظائف لتشمل مظلة أوسع.

} وضع استراتيجيات بعيدة المدى للإحلال والتوطين، مما يساعد على الحد من الاستقدام للأجانب، وخفض نسب البطالة.

} دعم برامج تدريب الأيدي العاملة.

} توفير فرص عمل جديدة لمواطني دول مجلس التعاون الخليجي.. بما يتماشى مع الطفرة «النهضوية».

} تشجيع فرص الاستثمار الاقتصادية، الذي سوف يؤدي حتما لوظائف وفرص عمل جديدة وتشجيع الصناعات المختلفة.

} الزام اصحاب الاعمال والشركات والمؤسسات بنسب مئوية اجبارية لتوظيف المواطنين، وبخاصة منهم خريجو الجامعات والمتدربون.

} عمل ابحاث ودراسات عن واقع احتياجات السوق المحلية وآخر المستجدات بها، وللوقوف على خصائصها ومشكلاتها واحتياجاتها والعمل على حلها.

} تشجيع القطاع الخاص على تفضيل المواطنين الخليجيين، وذلك عبر نظام حوافز ومشجعات، من شأنه أن يشجع القطاع الخاص على توظيف العمالة الوطنية.

} خفض فترة اقامة العامل الوافد في أي بلد خليجي الى اقل فترة ممكنة.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة