في الصميم
كلمة فيما وراء الجلسة التاريخية للنواب
تاريخ النشر : الجمعة ٩ مارس ٢٠١٢
لطفي نصر
لم تكن جلسة مجلس النواب يوم الثلاثاء الماضي - كما توقعنا - جلسة عادية.. كما ان ما حدث خلالها لم يكن عاديا أيضا.. وقد وصف ما حدث بأنه كان تاريخيا وخاصة فيما يتعلق بالمرسوم بقانون رقم 32 لسنة 2011م بتعديل البند (هـ) من المادة (42) من القانون رقم (19) لسنة 2006 بشأن تنظيم سوق العمل.
ما يعني القارئ العزيز في هذا المرسوم بقانون هو انه يرفع حصة الخزانة العامة في حصيلة رسوم العمل من 20% الى 50%، ويخفض حصة هيئة صندوق العمل «تمكين» من 80% الى 50%.. أي يتم تقسيم هذه الحصيلة بالتساوي بين الحكومة والهيئة.
هذه الجلسة.. أو هذه القضية طويلة وشائكة جدا.. وسأحاول أن أتناول بعض أطرافها في ايجاز شديد فيما يلي:
أولا: لقد صوّر البعض أن إقدام مجلس النواب على رفضه لمرسوم بقانون بعد صدوره عن جلالة الملك - ولأول مرة في تاريخ المجلس - يشوبه نوع من الشطط والتجاوز، وانه ما كان له أن يحدث، وربما أن هذا الأمر قد لا يروق لجلالة الملك.
أحب أن أقول ان هذا الموقف من مجلس النواب لا يوجد به ذرة واحدة من الشطط، أو من التجاوز.. ذلك لأن المجلس كان يمارس سلطاته المنصوص عليها في الدستور وفي القوانين ذات العلاقة.. كما انه من الخطأ ان يتصور أحد أن هذا الموقف.. أو هذا الرفض لمرسوم بقانون صدر عن الملك.. يمكن ألا يروق لجلالته أو انه يغضبه.. فهذا الموقف يحسب لجلالة الملك قبل غيره.. ذلك لأن مجلس النواب عندما اتخذ هذا الموقف وعندما قدم من حوله مناقشات نقدية قوية وساخنة، فقد كان يمارس الديمقراطية على أصولها وهذه هي التي أرسى قواعدها جلالة الملك عبر مشروعه الإصلاحي وحرص على ممارستها كاملة من دون نقصان وفي إطار القوانين والأعراف المرعية ومقتضيات المصلحة العامة.. وكل كلمة صدرت عن أي نائب خلال الجلسة مهما كانت أبعادها، كان منطلقها الحرص على المصلحة العامة سواء راقت هذه الكلمة لغيره أو لم ترق له.
ثانيا: أثبت الشيخ عادل المعاودة من خلال إدارته للجلسة وما دار بها من حوارات ساخنة براعة غير عادية يحسد عليها، وخاصة في مجال إدارة الحوارات السياسية والتشريعية.. وهذه الإدارة، أو هذه البراعة من الشيخ عادل هي التي أدت في النهاية إلى صدور القرار برفض هذا المرسوم الملكي.. ومن دون أن يشعر أي نائب بوخز في الضمير لتصويته الى جانب الرفض.. رغم أن عدد النواب المصوتين لهذا الرفض بلغوا (26) نائبا، والممتنعين عن التصويت (5) نواب.. أي انه لا يوجد نائب واحد كان يعبر عن رفضه لقرار رفض المرسوم بصراحة.
لست تماما مع القائلين بأنه لو كان غير الشيخ عادل هو من أدار هذه الجلسة فربما كان سيكون القرار غير القرار الذي صدر.. وإن كنت أرى - وإلى حد كبير - أن الشيخ عادل كان يوقن منذ بداية الجلسة أن قرارا بالرفض لن يغضب جلالة الملك، ولا سمو رئيس الوزراء، ولا سمو ولي العهد.. وليست هناك أدنى مبالغة في القول بأن هذا القرار يسعد القيادة كثيرا.. ذلك لأنه قد جاء تجسيدا للممارسات الديمقراطية الصحيحة التي كانوا وراء نشرها في ربوع الوطن.. وتأكيدا لنجاح مجلس النواب في ممارسة دوره، وهو الذي يحظى بسمعة طيبة تجاوزت حدود الوطن بمراحل.
كلمة أخيرة أقولها في هذا المقام, وهي أن السادة النواب لم يرفضوا هذا المرسوم لكونه يرفع من حصة الحكومة في حصيلة رسوم العمل، أو انه يقلل من حصة «تمكين».. هذه الحصة التي من المفروض أن تعيد انفاقها على القطاع الخاص الممول لكل هذه الحصيلة - بدءا من ألفها وحتى يائها.. ذلك لأن السادة النواب كانوا على الدوام من المهاجمين والناقدين لمنظومة تنظيم سوق العمل منذ إعلانها إلى درجة ان بعضهم - ولست أتذكر في أي فصل تشريعي بالضبط - قد طالب بأن تؤول كل حصيلة رسوم العمل إلى الخزانة العامة للدولة.. إحساسا منهم بأن هذه الحصيلة تتبعثر وتتبدد في «تمكين».. كما رأينا أن بعض السادة النواب - ومن خلال جلسة يوم الثلاثاء الماضي - قد طالبوا بإلغاء رسوم العمل كليا، وإلغاء منظومة تنظيم سوق العمل بهيئتيها نهائيا.. وقالوا صراحة: إن هذه المنظومة قد فشلت في مهمتها وفي تحقيق أهدافها.. وأشاروا على وجه الخصوص إلى هدف جعل العامل البحريني مفضلا على الأجنبي لدى أصحاب العمل.. وان هذه المنظومة قد فتحت أبواب المملكة أمام العمال الأجانب على مصاريعها على أمل أن تنمو حصيلة صندوق العمل وتكبر.. فقد تجاوز عدد الأجانب الذين تم جلبهم في 2011 أكثر من 100 ألف عامل.
وكان السادة النواب حريصين بالدرجة الأولى على تأكيد رفضهم لصدور أي قانون أو مرسوم في غيبة البرلمان وفي غياب أهم عناصر أو مبررات إصدار القوانين خلال العطلة البرلمانية.. ألا وهو عنصر أو مبرر «الحاجة العاجلة أو الملحة».. كما انه كان لا يخشى حدوث أي ضرر إذا كان قد تم تأخير استصداره حتى تنعقد السلطة التشريعية. وخاصة أن هذا المرسوم بقانون قد صدر قبل بدء دور الانعقاد الثاني من الفصل التشريعي الثالث (الراهن) بشهر واحد.
أيضا فإن عنصر «الإلحاح» لم يكن متوافرا، ولا كانت الميزانية العامة للدولة ستتأثر.. ذلك أن مسألة وجود عجز في الميزانية طبيعية ومستمرة في كل ميزانيات الدنيا.. كما ان الشيء المخيف الذي حذر منه السيد وكيل وزارة المالية خلال الجلسة - ألا وهو اللجوء الى الاقتراض - هو كذلك شيء عادي جدا.. فكل العالم يقترض من بعضه بعضا.. وفي كل وقت وأوان.