يوميات سياسية
إيران وتركيا .. ماذا جرى؟! -2
تاريخ النشر : السبت ١٠ مارس ٢٠١٢
السيد زهره
تحدثت في المقال السابق عن المواقف العدائية التي اتخذتها ايران من تركيا في الفترة الماضية، وكيف وصل الأمر الى حد كشف اجهزة المخابرات التركية عن وجود مخطط يعتزم الحرس الثوري الايراني تنفيذه لإثارة اضطرابات وتنفيذ اعمال ارهابية داخل تركيا.
لماذا وصلت العلاقات بين البلدين الى هذا الحد في الفترة الماضية؟.
بداية نشير الى انه، بحسب ما نشرته صحف تركية قبل فترة، فان اجهزة المخابرات والامن في تركيا حين كشفت هذا المخطط، فسرت تفكير ايران بالاقدام عليه بالرغبة في الانتقام من تركيا بسبب قرارها استضافة قاعدة الدرع الصاروخي التابعة لحلف الناتو، وبسبب السياسات التركية تجاه عدد من قضايا وتطورات المنطقة، والتي تعتبرها ايران تهديدا لمصالحها.
وهذا بالطبع تقدير صحيح.
الحادث انه في السنوات الماضية، وعلى الرغم من العلاقات الطيبة عموما بين ايران وتركيا والتعاون في مجالات شتى، فقد كان مفهوما ان هناك تنافسا حادا بين البلدين على النفوذ في المنطقة.
البلدان لديهما اطماع في المنطقة. وكل منهما، ولأسباب ومنطلقات خاصة به، يظن انه جدير بأن يحتل موقعا قياديا في المنطقة، وتكون له الكلمة الاكبر في تقرير شئونها.
والبلدان بلورا في السنوات الماضية ملامح استراتيجية لتحقيق هذه الغاية ومد نفوذهما في المنطقة، وبما يخدم مصالحهما بالطبع.
والحادث ان التطورات التي شهدتها المنطقة العربية العام الماضي، وما زالت تشهدها، والمتمثلة اساسا فيما شهدته عدة دول من ثورات واضطرابات، جعل هذا التنافس بين ايران وتركيا يتحول الى صراع سياسي مفتوح وعلني كما رأينا.
المنطقة العربية بسبب هذه الاحداث الكبرى، تمر بمرحلة تحول تاريخية، لم تتبلور ابعادها وملامحها بعد.
وايران وتركيا، مثلهما في ذلك مثل القوى الغربية الكبرى ايضا، تفكران وتتصرفان منذ بدء الاحداث في الدول العربية، بان هذه التطورات تتيح فرصة تاريخية لتحقيق اطماعها وتنفيذ مشروعها في المنطقة.
المشكلة ان البلدين يعتبران - في هذه الظروف - ان تزايد نفوذ احدهما، هو بالضرورة على حساب الآخر، والعكس صحيح.
ولهذا، ظهرت في الاشهر الماضية الخلافات الحادة في المواقف والسياسات بين البلدين ازاء عديد من القضايا، وتفجر الصراع بينهما علنا.
وتحديدا، احتدم الخلاف والصراع بين ايران وتركيا، حول ثلاثة تطورات كبرى، هي، العراق وما يجري فيه، وسوريا واحداثها، وما يجري في البحرين والخليج العربي.
أما في العراق، معروف بالطبع ما فعلته ايران بالوقوف بكل ما تملك من قوة من اجل تمكين القوى الشيعية الموالية لها من حكم العراق، والحرص على الا يكون للقوى السنية موقع قوة ونفوذ سياسي. وبعد انسحاب قوات الاحتلال الامريكي من العراق، كثفت ايران جهودها في هذا الاتجاه.
بالمقابل، مفهوم ان تركيا بشكل عام اكثر تعاطفا مع القوى السنية في العراق. لكنها بعد الانسحاب، حاولت ان تتبع نهجا يتجاوز الانقسامات الطائفية في العراق.
ايران اعتبرت ان ما تفعله تركيا على هذا النحو هو تهديد كبير لمصالحها في العراق.
وسوريا تعتبر بالطبع في الوقت الحاضر اكبر محاور الصراع بين البلدين. مفهوم ان ايران تعتبر ان سقوط النظام السوري سيكون كارثة كبرى تحل بها وبمشروعها ومخططاتها في المنطقة، ولهذا هي تدعم النظام بكل امكانياتها في محاولة لتمكينه من قمع الثورة ووأدها.
تركيا بالمقابل، تعتبر ان سقوط النظام السوري، سوف يتيح لها فرصا كبرى غير مسبوقة لمد نفوذها في المنطقة كلها. ولهذا، قررت منذ وقت مبكر الانقلاب على النظام والانضمام الى القوى الداعية الى رحيله.
وفي البحرين والخليج العربي، المسألة باتت معروفة ايضا. ايران القت بكل ثقلها، وما زالت، خلف القوى الطائفية الشيعية في البحرين، وتعتبر ان أي نجاح يمكن ان تحققه هذه القوى سوف يعتبر في حد ذاته خطوة كبرى على طريق تنفيذ المخططات الايرانية التي تستهدف منطقة الخليج كلها.
تركيا بالمقابل، اتخذت موقفا مسئولا رافضا لهذه الاضطرابات الطائفية في البحرين ومؤيدا للخطوات الاصلاحية التي تتخذها قيادة البلاد.
هذا باختصار بعض من اهم محاور الخلاف والصراع بين ايران وتركيا في الفترة الماضية.
بالاضافة الى هذا، اعتبرت ايران ان محاولة تركيا الترويج للنموذج التركي في الديمقراطية وفي الحكم في العالم العربي، هو بحد ذاته تهديد كبير لها. وللمسئولين الايرانيين تصريحات كثيرة في هذا الخصوص.
بالنسبة إلينا في الوطن العربي، المفروض ان يكون موقفنا من هذا الصراع الايراني التركي واضحا. بغض النظر عن اتفاقنا او عدم اتفاقنا مع المواقف المعلنة من البلدين ازاء هذه القضية او تلك، فان الهدف النهائي الذي يسعيان اليه مرفوض.
نعني ان اطماع البلدين في ان يكون لهما دور قيادي في تقرير شئون المنطقة هو مرفوض. هذه منطقة عربية نحن الذين نقرر شئونها لا الايرانيون ولا الاتراك.
يبقى لهذه القضية جانب في منتهى الخطورة ينبغي التنبيه اليه يتعلق بالسلوك الايراني المتوقع في المنطقة في الفترة القليلة القادمة.
للحديث بقية بإذن الله.