الجريدة اليومية الأولى في البحرين


أخبار البحرين

الشيخ الدكتور عبداللطيف المحمود في خطبة الجمعة:

القائمون على شئون الأديان يستغلون مكانتهم لتحقيق مآرب خاصة

تاريخ النشر : السبت ١٠ مارس ٢٠١٢



في خطبته ليوم الجمعة بمدينة الحد أمس تحدث فضيلة الشيخ الدكتور عبداللطيف المحمود رئيس تجمع الوحدة الوطنية عن «قوة الأديان واستغلالها»، فقال: أرسل الله تعالى الرسل لهداية البشرية لما فيه صلاح دنياهم وصلاح أخراهم حتى لا يضلوا الطريق، فما من خير إلا دلتهم الرسل عليه وبشرتهم به، وما من شر إلا حذرتهم الرسل منه وأنذرتهم من العمل به، كما قال سبحانه وتعالى: «رُسُلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرلاسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيأداء الرسل لأمانة التبليغ
وجميع الرسل قد أدوا الأمانة وبلغوا الرسالة ونصحوا أممهم حتى توفاهم الله تعالى صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
أمانة التبليغ بعد الرسل للعلماء
ومن بعد الرسل كانت أمانة تبليغ الدين إلى علماء تلك الأديان على طول الأزمان، وقد أمر الله تعالى العلماء بأن يربطوا أتباعهم بالله عز وجل فيكونوا ربانيين كما قال سبحانه وتعالى: «مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنلابُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ». آل عمران.
تعين الرسل بالاصطفاء الرباني أما العلماء فبالاختيار البشري
وقد اصطفى الله تعالى الرسل واختارهم ورباهم وزكاهم كما قال سبحانه: «اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ»، الحج. وكما قال عن موسى عليه السلام: «وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي»، فلهم وحدهم العصمة في تبليغ الأحكام والتكاليف الشرعية والدعوة إلى الله تعالى.
أما العلماء فهم يتولون مهمة تبليغ الدعوة والأحكام وإقامة الشعائر الدينية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إما باختيارهم المطلق أو بتوجيهات آبائهم أو مربيهم أو مرشديهم.
لا عصمة لغير الأنبياء في تبليغ الدعوة والأحكام
وقيام العلماء بشؤون الأديان لا يعطيهم العصمة أبدا، فالعصمة للرسل وليست لعلماء تلك الأديان مهما بلغوا من الرتب أو ما أعطوا من مناصب أو ما صاحبهم من هالات التقديس والرتب التي تمنح لهم أو يمنحونها لأنفسهم، وهذا لا يعني التقليل من شأنهم، إذ هم الأمناء على شرع الله تعالى، فيجب احترام مكانتهم كما يحترم كل أمين على ما يؤتمن عليه.
قوة الأديان من أن الإنسان متدين بطبعه
ولأن الإنسان متدين بطبعه وفطرته كانت للأديان قوة كبيرة ومؤثرة في توجيه حياة أتباع الأديان في معاشهم ومعادهم.
محاولة استغلال الأديان من السياسيين وأصحاب المصالح الخاصة
ولقوة الأديان وكثرة أتباعها تحاول جميع القوى على طوال الحياة السياسية منها والدينية وكذلك أصحاب المصالح المالية والاقتصادية والعامة والخاصة أن يستخدموا الأديان لتحقيق مصالحهم بأيدي القائمين على شؤون الأديان، ولهذا وقع الخلاف بين الساسة وبين علماء الدين في كثير من الأحيان.
محاولة استغلال الأديان من قبل القائمين عليها
كما يحاول بعض القائمين على شؤون الأديان أن يستغلوا مكانتهم وانقياد أتباعهم لهم لاستخدام الدين للوصول إلى أغراضهم الخاصة ومطامعهم الشخصية، ولهذا وقع بعض القائمين على شؤون الأديان في مخالفات لتعاليم الأديان التي يقومون عليها.
تحذير علماء المسلمين من استغلال الدين
وقد كشف الله تعالى عن استغلال بعض الرهبان والأحبار من اليهود والنصارى للدينين اليهودي والنصراني لتحذير القائمين على دين محمد (صلى الله عليه وسلم) من أن يستغلوا هذا الدين أو يستغلوا أتباعهم لمصالحهم الخاصة أو أهوائهم أو يستجيبوا للأنظمة التي تريد أن تستخدم الأديان لمصالحها الخاصة بعيدا عن هدايات الأديان وأحكامها.
أمثلة قرآنية على استغلال القائمين على شؤون الأديان للدين
وقد بين الله تعالى أشكال التحريف التي حصلت من بعض القائمين على الأديان السابقة ومنها:
- أن يرغبوا عن الحق ويصدوا الناس عنه مع علمهم بالحق كما قال سبحانه وتعالى: «أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِللاوا السَّبِيلَ». سئلوا عن رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم) وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم فأنكروا رسالته خوفا على مكانتهم وعلى ما يحصلون عليه من متاع الدنيا.
- تحريف أحكام الأديان بما يوصلهم إلى أغراضهم وأهوائهم أو استجابة لمطامع دنيوية كما قال تعالى: «فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظٌّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبلا الْمُحْسِنِينَ» المائدة، وقال سبحانه وتعالى: «فوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ».
- استغلال الأديان للحصول على الأموال والاستكثار منها، كما قال سبحانه: «يَا أَيلاهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَحْبَارِ وَالرلاهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدلاونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ. يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ» التوبة.
- تحريف الأحكام الدينية لاستحلال أموال غيرهم ودمائهم وأعراضهم التي حرمها الله كما حرم أموال ودماء وأعراض المتبعين لذلك الدين، وفي هذا الشأن قال الله تعالى: «وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ. بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبلا الْمُتَّقِينَ. إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآَخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» آل عمران.
- الصد عن سبيل الله بتزيين الباطل وتشويه الحق كما قال سبحانه: «قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدلاونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99) يَا أَيلاهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدلاوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ».
- الادعاء بأن لأتباعهم حظوة ومكانة عند الله تعالى، فمجرد الإيمان يجعلهم من المصطفين الأخيار كما حكى الله تعالى عما قاله بعض الأحبار والرهبان لأتباعهم: «وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ» المائدة.
- الادعاء بأن ما يرتكبه أتباعهم من محرمات ومخالفات دينية في حق غيرهم لا يعذبون عليها، وإن عذبوا فإن عذابهم سوف يكون قليلا فرد الله تعالى على هذه المقولة بقوله سبحانه وتعالى: «لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّا وَلا نَصِيرًا. وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا»، ونقل الله عنهم قولهم: «وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ. بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ».
اللهم احفظنا بالقرآن قائمين واحفظنا به قاعدين واحفظنا به في كل وقت حين ولا تسلط علينا الأعداء ولا الحاسدين واجعلنا في حرزك وامانك واستعملنا في طاعتك مراضيك.