الجريدة اليومية الأولى في البحرين


أخبار البحرين


الشيخ الجودر يحذر من تحول المسيرات إلى فتنة طائفية

تاريخ النشر : السبت ١٠ مارس ٢٠١٢



قال الشيخ صلاح الجودر خطيب جامع الخير بقلالي في خطبة الجمعة أمس إن الأمن والاستقرار هو غاية المجتمعات، وهدف الناس، وأمل الشعوب، إذ كيف يعيش الفرد في مجتمع تمارس فيه صنوف من العنف والتخريب والتدمير والترويع، كيف يأمن الفرد على نفسه وماله وعرضه؟ بل كيف يأمن من جاره وزميله وصديقه؟ خوف وذعر وتوجس، حتى يصبح مشلول التفكير، ضعيف العطاء، لا يفكر إلا في يومه، لم لا، وهو فاقد الأمن والاستقرار في وطنه، والأسوأ حينما يكون هو السبب الذي أذهب الأمن والاستقرار، لذا كانت دعوة الأنبياء أن تظل أوطانهم ومجتمعاتهم آمنة مستقرة، (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام).
في حال الفتن والمحن والقلاقل يصبح الفرد في حالة خوف من كل شيء، مع غياب الأمن يتبدل الحال، ويضعف المعاش، وتهجر دور العبادة، ويمنع الخير عن الناس، وتسلب الديار، وتتفرق الأسر، وتسوء الأخلاق، وترتكب الجرائم، وتنتشر الفواحش، وييتم الأطفال، ويفشوا الجهل، وتدمر الممتلكات، ويختلط الحق بالباطل في المجتمع، فيذيقها الله لباس الخوف والجوع بعد الأمن والأمان، قال تعالى: (فأذاقها اللهُ لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون) ]النحل:112[.
إننا في زمن أطلت فيه الفتن، وظهرت فيه المحن، وتلاطمت الشرور، وانفتح باب الكذب والدجل والزور، وظهر الفساد في البر والبحر، (والله لا يحب الفساد)، فتن يوقد نارها، ويشعل فتيلها ممن هم من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، كما صح عن نبيكم محمد (صلى الله عليه وسلم)، من الآفات التي تزعزع الأمن والاستقرار في المجتمعات هي القنوات الفضائية التي تحرض الناس على الخروج في المسيرات والمظاهرات، بدعوى حرية التعبير، وهي في حقيقتها خلط بين الحق والباطل، فكثرة المسيرات والمظاهرات هي محاولات لإشغال المجتمع بذاته، وإلا لماذا يصر بعض الناس على الاستمرار في هذا النهج الذي يعطل المصالح.
التاريخ الإسلامي لم يذكر المسيرات والمظاهرات إلا وقرنها بالعنف والتخريب والتدمير، فقد كان أول ظهور لها حينما تمت محاصرة بيت الخليفة الراشد عثمان بن عفان (ر)، ثم رميه بالحجارة وهو على منبر رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، مطالبين بإسقاط خلافته ونظامه، ثم الموت والرحيل له ولأسرته، وتحقق لهم مرادهم حينما تسلقوا دار بيته، وقتلوه وهو يقرأ القرآن، ولم يراعوا حرمته وحرمة أهل بيته وقرابته من رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، هكذا كانت بداية المسيرات والمظاهرات. ثم انتقلوا إلى الخليفة الراشد علي بن أبي طالب (ر)، فأقاموا الاحتجاجات والمسيرات والمظاهرات ضده، وطالبوا بإسقاط خلافته ونظامه، ثم الموت والرحيل له ولآل بيته، مع أنه ابن عم رسول الله، وصهره ومن آل بيته، حتى تمكنوا منه (ر) وهو خارج من صلاة الفجر، فلم يراعوا حرمة دمه، ولا صلة قرابته، هكذا كانت بدايتهم مع ثقافة المسيرات والمظاهرات التي تخفي العنف والتطرف والخراب والدمار بين ثناياها.
هذه هي بدايتهم مع المسيرات والمظاهرات في التاريخ الإسلامي التي كانت تستغل للخروج على النظام وإشاعة الفوضى، واليوم يتخفى دعاة المسيرات والاعتصامات خلف الديمقراطية والدولة المدنية وهي في حقيقتها استنساخ لمشروع ولاية الفقيه. إن كثرة المسيرات والمظاهرات تترتب عليها مفاسد كثيرة، فهي تشغل المجتمع عن عملية البناء، وتزرع فيه العداوة والبغضاء، ولربما يحصل الصدام المفضي إلى سفك الدماء، وذهاب الأمان، فكم من مسيرة سلمية تحولت إلى مظاهرات عنيفة، فتم تخريب الممتلكات، وحرق الإطارات، وإغلاق الشوارع والطرقات، المؤسف له حقاً حينما يتبنى تلك المسيرات رجال دين كان الأحرى بهم ترشيد الخطاب الديني، وتهدئة النفوس، جاء عن النبي (ص): (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق) رواه ابن ماجه من حديث البراء.
إن نيل الحقوق لا يتأتي من خلال إشاعة الفوضى بين الناس، فالطريق الشرعي هو القائم على حفظ الأرواح والممتلكات، لا يكون بإخراج المسيرات والمظاهرات الغوغائية، فالشريعة حذرت من الخروج لإشعال الفتن والمحن بين الناس، وقد تنبأ النبي (صلى الله عليه وسلم) بخروج فئات من الناس هذا مسلكهم، روى مسلم في صحيحه عن حذيفة بن اليمان (ر)عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: (يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس)، قال: قلت: كيف أصنع - يا رسول الله- إن أدركت ذلك؟ قال: (تسمع وتطيع للأمير).
المسيرات والمظاهرات مشروعه إن كانت في نطاق المطالبة بالحقوق وبالطرق السلمية، ولكن ما يشاهد أن الكثير من المسيرات والاعتصامات تخرج عن أهدافها، فالإصلاح والمطالبة بالحقوق لا تكون بالمسيرات والمظاهرات التي تثير الفتن وتزرع القلاقل، الساحة اليوم لا تحتمل مزيد من الاحتقان الأمر الذي ينذر بكارثة سيدفع ثمنها الجميع، سنة وشيعة، فهي تهدد الأمن والاستقرار، وتعرض وحدة الوطن، وتستدعي تدخل الأجنبي، لذا نحن اليوم مطالبين بأن نرتقي بشبابنا وناشئتنا بعيداً عن شحن القلوب بالحقد والكراهية، وعدم إشغالهم بالفوضى والعنف والتخريب، فنحن وطن يعتمد على الكوادر البشرية الشابة، فيجب أن نربيهم على النقد لا الطعن، وعلى التظاهر السلمي لا التظاهر المدمر. كثيراً ما حذرنا من الفتنة الطائفية التي أبتليت بها الكثير من المجتمعات، واليوم فإنا نحذر من فتنة طائفية تحركها مظاهرات ذات طابع شيعي، وأخرى ذات طابع سني، والمؤسف له أن المظاهرات تقودها رموز دينية، مثل هذه المسيرات والمظاهرات ذات الطابع الطائفي جريمة في حق الوطن لا يصح أن يرتكبها أحد، فالفرد المؤمن لا يجوز له المشاركة في المسيرات الطائفية التي تأتي تحت مسمى التكليف الشرعي، أو الواجب الإلهي، أو الأمر المقدس، فالجميع اليوم يعلم أنها من أجل جمعية واحدة، وذات أبعاد سياسية والدين منها براء، لذا نطالب العقلاء بعدم المشاركة في مسيرة شارع البديع، ولا القرب منها، وتحذير الناس من تبعاتها لأنها مسيرة ذات طابع طائفي، وستزيد الشرخ في المجتمع، ويكفينا ما جرى في العام الماضي حينما تم نثر سموم وأدواء الفتنة الطائفية.