الجريدة اليومية الأولى في البحرين


مقالات


الديمقراطية الفوضوية أقصر طريق لهدم المجتمع

تاريخ النشر : السبت ١٠ مارس ٢٠١٢



في البحرين مثلما في كل دول العالم هناك شيئان لا يمكن فصلهما إلى حد ما، هما الأمن والرخاء. إن قطاعات عديدة مثل السياحة وسوق العقارات تعتمد بشكل حساس على مناخ الأمن والاستقرار. وحين يتعرض مؤشر الاقتصاد للهبوط، سوف تتعرض مؤشرات أخرى لهبوط مماثل من أبرزها مؤشر الرخاء. وبالطبع فمثل هذا الهبوط لن يقع على كاهل الدولة أو الحكومة وحدها، بل يقع بدرجة أكثر حدة على كواهل المواطنين وخاصة أصحاب الدخل المحدود والطبقة الوسطى، التي أصبحت أجندة حاضرها ومستقبلها معلقة تقريباً بدعوات جزافية إلى اعتصامات وتظاهرات ومسيرات لا هدف لها في الواقع سوى الاستعراض وتعطيل مسيرة التنمية وإبطاء مشاريع الإصلاح والتطوير..
وحين يصبح الشأن الوطني مرتبطا ومرتهنا بطريقة أو أخرى لرجال دين، يرون في السياسة بضاعة رائجة، وفي المعارضة طريقاً للزعامة، وفي بعض الناس الاستعداد لأداء الاستعراضات شبه اليومية، فحينئذ لا يصبح الأمن الوطني مهدداً فحسب، بل كل مطالب الرخاء والتنمية والاقتصاد السليم، وتنسحب معالم التهديد على شئون أخرى مختلفة من صميم حياة المواطنين أنفسهم الذين يتم استعمالهم في الاستعراضات السياسية، من دون النظر إلى احتياجاتهم ومطالبهم الحقيقية والحيوية اللازمة لمعيشتهم ورخائهم وتأمين مستقبل أبنائهم..!
وبعد فترة وجيزة من حمأة الانخراط غير المستنير من قبل هؤلاء المواطنين المغرر بهم دينيا وسياسيا وطائفيا في استعراضات غثة، لا تسمن ولا تغني من جوع، فإنهم بالتأكيد سوف يتساءلون عن مآل هذا الهدر الذي تسببوا فيه، وتأثيره العميق والمباشر على نوعية معيشتهم، وعلى حساباتهم الحيوية، وخاصة أن هواة السياسة وأرباب الاستعراض، غالباً - بل مؤكداً - ما يتركون هؤلاء المواطنين لمواجهة مشكلاتهم من دون تقديم أي نوع من المساعدة لهم، بما في ذلك تأمين الخدمات المفقودة أو المهدورة بسبب ما فعلته أيديهم.. وحناجرهم..!
ومشكلة هؤلاء المواطنين أنهم يصدقون ما يسمعون ويستجيبون للقيادات التي تتحكم في مصيرهم وتقوض ارادتهم وتجرهم لدفع المجتمع إلى شفير الهاوية. ومشكلة هذه القيادات انها تنفذ أجندات خارجية حتى لو كانت على حساب الوطن والمواطن. وهذه هي مشكلة البحرين، التي سبقتها إليها دول أخرى كالعراق ولبنان، وجميعها تشترك في التأثر المباشر لما تصدره الجارة الشرقية.. وتباركه الدول العظمى تحت شعار الشرق الأوسط الجديد، من خلال مبدأ الفوضى الخلاقة، الرامي إلى تفتيت العالم العربي والإسلامي..
والمفارقة أن هؤلاء المغرر بهم، حين تنقطع بهم السبل، وترتبك حساباتهم وأجنداتهم ويرون رأي العين انهيار ما خططوه لمستقبل أبنائهم.. لا يجدون الحلول عند هؤلاء الذين غرروا بهم بالأمس، ويدركون بعد «خراب البصرة» أن لا باب يستجيب لهم سوى باب الدولة فيتوجهون إليها بالمطالب الاقتصادية والاجتماعية! إنها ديمقراطية الاستعراضات.. والسياسة الغثة حين يتصدى لها رجال دين يرون في السياسة تجارة أكثر ربحاً من الدين نفسه..!
إنها المعادلة الأكثر عجباً وغرابة في أطروحة الديمقراطية عندما تكون هذه الديمقراطية مفتعلة وغير مستنيرة وتفتقد العقل والرؤية والإنصاف. وهي المعادلة التي سبق أن طرحها «شارل مونتسكيو»، المفكر الفرنسي الثوري صاحب نظرية فصل السلطات وكتاب «روح القوانين».. وذلك حين قال: «إن الديمقراطية الجاهلة هي النتاج الطبيعي لانحطاط السياسيين والطريق الأقصر إلى انحطاط المجتمع»..! وحين قال: «إن الفعل الديمقراطي حين يصبح خارجاً على القانون، فإنه يتحول إلى فعل تدميري»..!
ومن الواضح ان لدينا هنا في البحرين كثيرا من الديمقراطية الجاهلة، وبالتالي كثيرا من الفعل الديمقراطي الخارج على القانون؛ بل الذي يهدف على نحو مباشر ومتعمد إلى الإخلال بهيبة القانون والنظام.. وبالنسيج الاجتماعي أيضا. وأصحاب ودعاة هذا النوع الساذج والمؤسف معاً من الديمقراطية، يعلمون تماماً أن أول المتضررين من ذلك هم الذين يرون فيهم قواعد شعبية. ولكن هؤلاء السياسيين ورجال الدين المأخوذين بهاجس السياسة، يبدون قدراً عاتياً من الأنانية، بل يمارسون هذه الأنانية علانية على رؤوس الاعتصامات والتظاهرات، حين يعودون إلى حسابات بنكية لا تأكلها النيران، وأحوال اقتصادية مريحة، وموارد تأتيهم بالأموال من هنا ومن هناك، بينما يعاني الأفراد والأسر والجماعات من قواعدهم الاجتماعية لوحدهم شظف العيش، وارتباك الأجندات الحياتية، وتراجع الخدمات، وخسارة المكتسبات الطبيعية..!
في الشأن الوطني: السكوت عن حق الوطن خذلان للوطن والشعب والتاريخ.
«لا أحد في البحرين يقبل بعودة الفوضى إلى الشارع، ولا أحد في البحرين يرضى بفرض الآراء والمواقف السياسية على الدولة والشعب، عن طريق تعطيل الحياة ومخالفة القوانين وغلق الشوارع».. هذا ما أعلنته جمعية المنبر الوطني الإسلامي في بيانها الأخير. وهي صادقة مع نفسها ومواقفها، كما أن الكلام صحيح وواقعي وصادق. ولكن يبقى السؤال: هؤلاء الذين لا يقبلون بعودة الفوضى.. ولا يرضون بفرض المواقف السياسية.. لماذا يسكتون..؟!