الجريدة اليومية الأولى في البحرين


أفق


الثورة السورية ونموذج ليبيا

تاريخ النشر : السبت ١٠ مارس ٢٠١٢

عبدالله خليفة



رغم تفرد جيش النظام الدكتاتوري في سوريا بالشعب ذبحاً وقصفاً إلا أن المؤسسات العربية والدولية لم تقمْ بفعلٍ يتناسب مع كل هذه المجازر.
فيما أسرعت هذه القوى لنجدة الشعب الليبي من مذابح العقيد المجنون، مما أنتج موقفين شديدي الاختلاف، ومعايير مزودجة حادة، فلماذا هذا التناقض الكبير؟
لم تكن في ليبيا قوى مدنية ديمقراطية متجذرة، وقد أطاحتْ الدكتاتوريةُ الشديدةُ الفرديةِ والتطرفِ ببذورِ التحضرِ المدني فيها والتي زرعتها العهودُ السابقة، والأهم أن الثورةَ النفطيةَ الكبيرة أُهدرتْ على حروبٍ ومؤامرات ومشروعات خيالية.
كما أن وضع ليبيا الوسطي الجغرافي بين نظامين تغيرا هما النظام التونسي والمصري، فلم يعد تغيير ليبيا بالتالي يثيرُ أيةَ حساسيةٍ سياسية لنظامٍ ما، ماعدا داركوالات الرأسماليات الحكومية في آسيا وبقايا الدكتاتوريات في أمريكا اللاتينية.
الثروة النفطية الهائلة ومصالح الشركات النفطية الغربية الكبرى وعدم تحريك حالات سياسية غامضة في المنطقة، هي كلها أدت للتعاون المشترك للقضاء على هذه الجرثومة الخارجة عن البشرية التي اسمها نظام القذافي.
وما كان للشعب الليبي وقواه السياسية أن يتغلبوا على ذلك النظام المماثل للنظام السوري الراهن بسببِ آلتهِ العسكرية الهائلة، وبطشه الوحشي ووجود عصابات سياسية عسكرية كبيرة مؤيدة له. ولو لم تأتِ القوى الغربية بطائراتها وتضربْ الآلةَ العسكرية من الأعالي المسيطر عليها كلياً لكان الشعب الليبي لايزال يُعجن ويُدمر بالآلة العسكرية الفاشية.
وها هو الشعب السوري يُترك مذبوحاً وله الظروف نفسها رغم وجود الأغلبيةِ الكاسحة من الشعب المتعلم ذي الجذور الحضارية القادر على إنشاء تجربة ديمقراطية عقلانية واحترام جميع الدول المحيطة به.
هناك أسبابٌ عميقة لهذا الموقف السلبي المخيف، فالدولُ العربيةُ خاصة دول مجلس التعاون الخليجي، لا تستطيع أن تدخلَ تجربة عسكرية تدخلية تثيرُ حولها المنطقةَ وخاصة النظام في إيران، الذي ينتظر أي فرصة لزيادة القلاقل والكوارث في المنطقة من أجل الحفاظ على بقاء الأنظمة العسكرية والنظام السوري يمثل ركيزة كبيرة من سلسلة هذه الأنظمة.
وغدا موقف دول المجلس موقفاً ناقداً لأعمال النظام في سوريا، وموجهاً المجتمع الدولي لاتخاذ موقف معتدل يتمثل في تنحية رئيس النظام السوري وفتح الطريق للتغييرات المحافظة على جوهر النظام، ولعدم الانجرار في حرب أهلية.
لكن رئيس النظام والجماعة القائدة لم يعد لديها علاقة بالاعتدال والحلول العقلانية والتفكير بمصير الشعب السوري، وهي تريد الحل الذي اختارته هي وهو ذبح المعارضة ومراكزها القوية وكانت مذابح حمص صورة مروعة لكيفية المجازر التي أرتكبتها القوى الفاشية في الحرب العالمية الثانية وحرب فيتنام ويوغسلافيا ولكن المجتمع الدولي كان ولايزال مقيد اليدين.
والجامعة العربية التي قادت الهجمة على ليبيا وفتحت المشروعية للتدخل الدولي عجزت هنا عن فتح إنقاذ الشعب ليس فقط للفيتو من قبل روسيا والصين بل لأن العديد من دول الجامعة لا تريد تكرار النموذج الليبي فثمة خوف كبير على أنظمتها وما يفتحه تغيير سوريا من تغيير على العراق ولبنان وإسرائيل والأردن.
إن وجود نظام مماثل للنظام المصري الجديد سوف يقود لتحولات خاصة في العراق والأردن، وسوف يحدثُ انقلاباً مناطقياً كبيراً لا يُعرف مداه، وربما يمتد ذلك حتى الخليج ولهذا فإن التردد كان سيد الموقف.
كذلك فإن إسرائيل بتطرفها الديني السياسي المتزايد تضع نفسها أمام المد العربي مستثيرة صراعاً دينياً، بدلاً من القبول بتحولات ديمقراطية عصرية بعيدة عن زج الأديان في الخلافات.
والعراق ولبنان يعيشان نظامين طائفيين سياسيين، فيخشيان من تحول سوريا وقلب المعادلتين السياسيتين فيهما.
مع انتصار الثورة السورية تصبح الحكومتان في هذين البلدين في مهب الريح، وتغدو استمرارية نظام الطوائف الجديد خطرة على الشعبين وعلى شعوب المنطقة بأسرها، وليس ثمة طريق سوى تكريس الوحدة في كل شعب، وتنمية طرق التغيير السلمية الديمقراطية المقبولة من الأغلبيات.
والأسئلة القوية التي تطرحها الثورة السورية أن ما جرى خلال الثلاثين سنة من إشعال الطائفية السياسية وتحويلها لتدخلات وصراعات قد ردتْ على مثيريها والمروجين لها بأكثر مما توقعوا من كوارث وهزائم شنيعة.
الهزيمة الكبرى هي أن تأجيج الطائفية السياسية واتخاذها قناعاً للقوميات الشمولية غير القادرة على خلق حريات لشعوبها قد ارتدت عليها وظهروا بمظهر أعداء الحرية.
الشعب السوري راح ضحية لتعاون مختلف أنواع الشموليات الشرقية العسكرية ومن عجز الديمقراطيات الغربية الرأسمالية المساندة للدولة الدينية العنصرية الإسرائيلية، في تناقض فاضح مع أسس الحداثة والديمقراطية والعلمانية غير المطبقة في سياساتها الخارجية باتساق نضالي.
وقد تُرك الشعب السوري لقطعان الفاشيات الضارية في دول المنطقة تأكلُ لحمَ الشعب بشكلٍ يومي مخيف، والكثيرون من الأشقاء خائفون من تفجير صراعات المنطقة لأقل تدخل.
ليس ثمة من مخرج سوى تصاعد نضال الشعب السوري نفسه وتحول الجيش السوري الحر إلى قوة كبرى، يجري مساعدتها شعبياً وعربياً بكل الطرق، وهناك خطوط اتصالات قوية ومتعددة بين الشعوب العربية يمكن عن طريقها إحداث هذه النقلة ووقف المذابح وتغيير النظام.