الاستخبارات الأجنبية والمواهب المحلية
تاريخ النشر : السبت ١٠ مارس ٢٠١٢
عبدالله المناعي
لو كنت قلت لكم في السابق إن معاهد وشركات دراسات وتحليل مثل ستراتفور تعمل لصالح أو مع أو تنافس الاستخبارات الغربية مثل جهاز الاستخبارات الأمريكي الـ(سي آي ايه) لسخر مني الكثيرون وقالوا انني من المشككين الذين يتبعون نظرية المؤامرة في كل شيء وان كل شيء غربي هو بالنسبة الي موضع للتشكيك والازدراء. الدليل على ذلك أنه - على سبيل المثال لا الحصر - ما إن يتكلم شخص عن علاقة أجهزة الاستخبارات الأجنبية مثل الاستخبارات البريطانية مع جهات تأخذ شكلا من أشكال الاستقلالية أو تدعي الحياد مثل الـ (بي بي سي) حتى يخرج هؤلاء الساخرون من «تحت البلاط» اما ليحتقروا ذلك الرأي أو يضحكوا في وجهه. وأغلب هؤلاء الساخرين هم ممن درسوا في الغرب وعادوا بتوقع أنهم فهموا وتعلموا الثقافة الغربية التي لا يعلوها شيء ونهلوا من الطرق والأنماط الغربية التي يرون أنها سليمة.
أما اليوم - وقد خرج لنا موقع ويكيليكس بآخر التسريبات حول شركة ستراتفور - فقد انكشف قناع إحدى تلك الشركات التي تبدو على أنها شركة دراسات الا أنها في الواقع تحاول منافسة الـ«سي آي ايه» ويعطى الموظفون فيها الأوامر بأن يقوموا بالسيطرة التامة على مصادرهم. بل يتم تعريف السيطرة التامة في إحدى تلك المراسلات المنشورة على أنها السيطرة «المادية والجنسية والنفسية». أما في مراسلة أخرى فتبين أن أحد العمداء الذين تمت ترقيتهم إلى ألوية في الجيش الباكستاني هو مصدر لهذه الشركة وأنه من المحتمل أن تتم ترقيته إلى منصب رفيع جدا لأن «نجمه في صعود». أضيفوا إلى ذلك أن كل مصدر يعطى اسما مستعارا مؤلفا من أحرف وأرقام، وبذلك تجد نفسك في وسط جهة استخباراتية بحتة.
ولا ننسى أن شركات «كلها أمريكية» قد تعاقدت معها لتزودها بالمعلومات وأن أجهزة المخابرات الأمريكية وجهات أخرى تتعاون معهم لتعطيهم تحليلات خاصة ومعلومات استخباراتية مهمة. ولنقس ذلك على باقي الشركات وما نعرفه عنها من خلال كتب وتسريبات وكيفية قيام الاستخبارات الغربية باختراقها والسيطرة عليها بطريقة أو بأخرى، وخصوصا تلك الشركات التي تتعامل مع حكومات أجنبية. وسنجد من كل تلك المعلومات أنه ليس هناك بديل عن الكوادر المحلية لتعوض الشركات الأجنبية والمستشارين الأجانب الذين يفيدوننا ما دام هذا الشيء في مصلحتهم، ولكنهم لن ينفعونا على المدى البعيد عندما نثق بهم ونعتمد عليهم.
وقد قال لي أحدهم في إحدى الجلسات إن بعض الأشخاص العاملين في هذه الشركات الاستشارية الخاصة لا يقصدون حتى أن يعملوا لأجهزة الاستخبارات ولكن تلك الأجهزة تستغلّهم لأن ولاءهم النهائي لوطنهم الأمّ. وسألني إذا كنت تعمل مع حكومة أجنبية وطلب منك جهاز استخبارات وطني أن تزودهم ببعض المعلومات بين الحين والآخر أو تحاول أن تقنعهم بوجهة نظر تفيد وطنك فهل ستتردد في المساعدة؟
جواب هذا السؤال سأتركه لكم ولكنني منذ صغري عشت في بيئة كان فكرها أقرب إلى الغرب من الشرق بالرغم من أن العادات والتقاليد في المنزل كانت شرقية. وتربيت في مدارس غربية وتعلمت الفكر الغربي، ومنذ طفولتي تعلمت عن مبادئ الديمقراطية وتفاصيل الديمقراطية الأمريكية وذهبت إلى الجامعة في بلاد غربية واحتككت بأفضل عقولهم وشاركت في مظاهراتهم وفي انتخابات مجالس الطلبة وتم انتخابي في أحدها، وعملت في تلك الدولة مثل ما درست فيها وانبهرت بطريقة عملهم وقوة فكرهم وتعلمت منه بل وعلمتهم اياه. وبعد كل ذلك أستطيع أن أخبركم بكل أمانة وصدق أنهم لا يملكون عقولا أكبر من عقولنا أو فكرا أكبر من فكرنا بل كل ما يملكونه هو إيمانهم بأنهم يجب أن يربوا مواهبهم من الداخل حتى لو أخطأوا، ويشكلون تلك العقول ويحورونها بما يرونه مناسبا. أما نحن فنؤمن بأن الغريب هو الحل، ولذا ينطبق علينا المثل الشعبي عن «عنز الفريج» وسأترك لكم التتمة.