الجريدة اليومية الأولى في البحرين


عالم يتغير


سقطة «الوفاق» الكبرى: الفتوى الدينية لإدارة الشأنين السياسي والوطني

تاريخ النشر : الأحد ١١ مارس ٢٠١٢

فوزية رشيد



} منذ فشل «الحراك الانقلابي الطائفي» في تحقيق أهدافه طوال عام كامل، جرّب فيه «الانقلابيون» كل الطرائق والأساليب، من التأليب والتحشيد والمسيرات والاعتصامات وخطب الجمعة التحريضية، وفي أثناء ذلك لم يتوقف العنف في الشارع، ولا الإرهاب، ولا تقطيع الشوارع أو غلقها بالسلاسل، ولم يتوقف استهداف رجال الأمن بالمولوتوف والأسياخ الحديدية، وأفراد من الجاليات الآسيوية، مثلما لم يتوقف استهداف أفراد من أهل السُنة، ولم يتوقف استهداف المدارس والجدران والشعارات المنظمة والممنهجة التي تدربوا عليها لإهانة قادة البلاد السياسيين ورموزها مقابل الإعلاء المجاني من شأن رموزهم، ولم يتوقف الاستقطاب الطائفي الفضائي من قنوات الفتنة الطائفية المعروفة، مثلما لم يتوقف الاستنصار بالوجوه والقوى الطائفية في لبنان والعراق وبعض دول الخليج، كما لم يتوقف الاستقواء بالخارج وبالمنظمات الدولية المفضوحة، ولا الاجتماعات السرية بالسفراء وتحديداً بسفير الهندسة الطائفية وهندسة الفتنة، ولم يتوقف زعيق الولي الفقيه في طهران، ولا أتباعه في محطات خليجية وإقليمية كبرى، ولم يتوقف (الجلبي ودشتي والشطي) وغيرهم عن المتاجرة في مظلومية الشيعة المدعاة في البحرين، واستهداف نظام الحكم في المحافل الدولية ومحكمة الجنايات والكونجرس الأمريكي، ولم يتوقف التدخل الإيراني الفج في شئون البحرين، ولا دعم الولايات المتحدة مباشرة عبر رئيسها لجمعية الولي الفقيه (الوفاق)، وكثيرة هي الأساليب والمحاولات والتجليات، مما لا يتسع هذا المكان لذكرها، أو حتى حصر عناوينها، على الرغم من ذلك، فإن جمعية (الولي الفقيه) أو «الوفاق» كانت تخرج من باب فشل لتدخل باب فشل آخر؟ حتى أصيبت دعواتها إلى الاحتشاد في الاعتصامات والمسيرات بتضاؤل أعداد المحتشدين حولها، فاضطرت مؤخراً لكي تعالج سقطاتها وفشلها بفتح الخط الساخن مباشرة مع (الولي الفقيه) لكي ينزل إلى الساحة وإلى الشارع، ويدعو عبر (الفتوى الدينية) إلى المسيرة «يوم 9 مارس» المنقضي، ولكي يتصدر المسيرة السياسية تلك بنفسه، هو ومن معه من أعضاء (المجلس العلمائي) غير المرخص، ولكي تدخل جمعية «الوفاق» وأتباعها مباشرة أيضا في خلع «القناع السياسي» إلى الأبد، وإدارة الشأن السياسي عبر (الولي الفقيه) أو «عيسى قاسم» وفتاواه الدينية، بإلزام الشيعة كلهم بما سماه الواجب الديني، وتمويهاً بمسيرة العزة والكرامة، فما الذي يعنيه ذلك من دون لف أو دوران؟
} الذي يعنيه ذلك هو السقوط المدوّي لجمعية «الوفاق» وأتباعها ومشتقاتها من جمعيات وحراكات على المستوى السياسي، وسقوط كل الشعارات التي ادعتها وتثبيت كل الاتهامات التي اتهمت بها، ولنضع النقاط على الحروف:
- أولاً: اللجوء إلى الفتوى الدينية من الولي الفقيه «عيسى قاسم» يعني التخلي عن إدارة السياسة بالمعطيات السياسية، وإدارة المطالب مباشرة، بعد أن كانت من خلف ستار وعبر خطب الجمعة، نقول إدارة تلك المطالب السياسية المدعاة عبر «التكليف الشرعي»، باستغلال فاحش للفتوى وللتكليف الديني، وإدارة عقول الناس ووجدانهم من خلال (الولي الفقيه) نفسه، الذي تصدر المسيرة، وفي هذا سقوط كبير لو تمعن فيه الساقطون.
- ثانياً: سقوط كل الدعاوى المتهافتة حول الديمقراطية فهنا دخول مباشر للاستبداد الديني بفتوى شخص واحد، وليس على الذين يتم التعامل معهم كقطيع إلا الاستجابة والسمع والطاعة وتلبية التكليف الديني، وإلا اعتبروا خارج الإطار كله.
- ثالثاً: سقوط شعار «المدنية» و«الدولة المدنية» فهنا الذي أمر ويأمر هو الولي الفقيه، بما يرمز إليه شخصه من مفاهيم الانقياد الديني الأعمى له، وبما يتناقض تماماً مع أي مدنية حتى في أبسط معانيها، وبالطبع معها تسقط شعارات نريد ديمقراطية أو «ملكية دستورية» أو تجربة كالتي في بريطانيا أو في بلجيكا أو السويد، وإياك أن تتحدث يا «علي سلمان» أنت أو أحد من أتباعك، عن كل ذلك بعد اليوم، فبعد أن أسقطك الوعي الشعبي المخلص لوطنه، أسقطت أنت نفسك بيديك حين لجأت مباشرة إلى الفتوى الدينية والتكليف الديني من أجل الحشد لمسيرة، مجرد مسيرة، وشعبنا لم ينس أيضاً (الكتلة الإيمانية)، هل تذكرها؟
- رابعاً: لأن الولي الفقيه «عيسى قاسم» معين في منصبه كما يعرف الجميع، من الولي الفقيه الإيراني، فإن فتوى الدعوة إلى تلك المسيرة، كانت إيرانية بالأصل، وحيث «الوكالة البحرينية لإصدار الفتاوى»، لا تجرؤ على اتخاذ أي خطوة، إلا بالتنسيق، أو تلقي الأمر مباشرة، أو بالانسياق وراء أبجدية الاستراتيجية، التي تفيد بشكل واضح أن إيران يسعدها جدا، بل تعمل بكل ما لديها من إمكانيات، لإحداث التصعيد والفتنة في البحرين، ولا يقل لنا بعدها أن (لا علاقة لإيران أو خامنئي أو المرجعيات الخارجية الأخرى بالمجلس العلمائي ورئيسه في البحرين) فالشواهد على ذلك كثيرة وفي هذا انكشاف مفضوح لكيفية تصعيد الأمور في البحرين، وفقاً للغايات الطائفية وتحديداً الإيرانية المتلاعبة بالطائفة الشيعية في البحرين.
- خامساً: اثبت «علي سلمان» يقيناً أنه بالفعل تابع وخادم وسيف في غمد الولي الفقيه، مثلما أثبت أن كل شعاراته حول الديمقراطية والمدنية وغيرهما التي صدّع رؤوس البحرينيين بها، هي في النهاية تعود إلى الأصل الطائفي مباشرة ومن دون مداراة في اللحظة الحرجة، ولحظة الوقوع في مأزق الفشل الكبير. هذا حراك انقلابي طائفي وبامتياز ومهما تم نفي ذلك أو الادعاء عكسه، فالوقائع هي التي تتحدث هنا وليس اللسان.
- سادساً: على الرغم من النزول الثقيل للتدخل الديني عبر الفتوى في الشأن السياسي، وعلى الرغم من تصدر «عيسى قاسم» بنفسه المسيرة ومعه أعضاء المجلس العلمائي، فإن المسيرة لم تكن بالاحتشاد الذي أراده أصحابه، وإذا كانت إحدى المحطات الفضائية روجت لعدد (500 ألف) فإن الصورة كانت تكذب ذلك تماما والعدد الحقيقي أقرب إليه ما أعلنته وزارة الداخلية زهاء (100 ألف شخص) أي على الرغم من سياط الفتوى الدينية، وعلى الرغم من كل أساليب الإغراء والتكليف الشرعي اللذين تم استخدامهما فالرسالة هذا واضحة: أرادوها للحكم فجاءت رسالة بليغة لأصحابها بعد أن ركبوا أعلى ما في خيلهم: الفتوى الدينية.
- سابعاً: حين يتم خلط الورقة الدينية بالأوراق السياسية بأعلى ما في تلك الورقة من قوة عبر (الفتوى) فذلك يعني سقوطا سياسيا مدويا، لمن يقول إنه يعمل في السياسة، وذلك يعني كشفا خطرا ومباشرا للوجه الطائفي في الحراك السياسي، وذلك يعني ابتزازا واستغلالا لمشاعر الناس الدينية، بل دفعا خطرا في المشاعر الطائفية، من رجل يدعي رمزيته الدينية، فيستغل مشاعر الناس لكي يزج بهم خلفه في كل ما يسهم في التصعيد السياسي، والفتنة الطائفية، واستغلال الدين والمتاجرة بفتاواه سياسيا أو من أجل مطامع دنيوية، وتكريس كل الخطايا التي أنتجها مثل هذا الخطاب الديني الطائفي خلال عام كامل من كراهية وضغائن باسم المظلومية.
} هناك نقاط كثيرة أخرى كشفتها كيفية الدعوة إلى مسيرة 9 مارس، قد نعالجها في مقال آخر، ولكن يكفي هنا الإشارة التي كان لابد منها، لمعرفة حقيقة (الوفاق) وأتباعها ومشتقاتها من جمعيات أخرى، بأنها كحقيقة لم تعد تحتمل أي شك هي أنها مجرد (جمعيات طائفية تابعة لمجلس علمائي غير مرخص) وأن اللعب بالورقة الدينية والفتوى هو الوجه الحقيقي لحراكها في الأخير، وكل هذا وغيره مما هو منكشف للشعب البحريني المخلص لوطنه، يضع الدولة أمام مسئولية حسم العلاقة مع هذه الجمعيات ومع المجلس العلمائي، لأن استخدام (الفتوى الدينية) في شئون السياسة قد بدأ اللعب المباشر بها وهذا أمر خطر جدا ولا يحتمل أي تساهل.