الجريدة اليومية الأولى في البحرين


مقالات

«الثقافة السياسية»

المشاركة السياسية

تاريخ النشر : الأحد ١١ مارس ٢٠١٢



يحظى موضوع المشاركة السياسية باهتمام كبير لدى الباحثين في علم السياسة وعلم التنمية السياسية بوجه خاص، لما يمثله من أهمية كبرى في بناء الدولة الحديثة، فالمشاركة وعناصر أخرى كالهوية والمؤسساتية تشكل البنية الأساسية - الشروط الأولية- لمثل هذا البناء.
ولقد تزايدت تلك الأهمية مع تزايد التحول الديمقراطي والإصلاح السياسي في مختلف دول العالم في العقود الأخيرة، حيث تقوم المشاركة على إسهام المواطنين في صنع القرارات السياسية المهمة في بلادهم، عبر اختيار من يمثلهم.
والحقيقة أن للمشاركة مستوياتها المتدرجة، والتي تبدأ من مجرد الاهتمام بالشأن العام، إلى التصويت في عمليات الانتخاب والاستفتاء وصولاً إلى الترشيح أو تولي المناصب العليا في الدولة.
تلعب المشاركة السياسية، بمعنى إسهام المواطن في الشأن العام في أدوار ووظائف لا غنى عنها في التنمية السياسية إلى الحد الذي جعل بعض الباحثين يقرر أنه كلما اتسعت رقعة وحجم المشاركة السياسية في مجتمع من المجتمعات كلما كان ذلك دليلا على الوعي المجتمعي ومعيارا من معايير التطور والتقدم إلى الأمام في مسيرة النمو السياسي للمجتمع، ويتفق هؤلاء الباحثون حول ما توفره فرص المشاركة السياسية من زيادة الوعي بمسؤولية الفرد تجاه المجتمع وأهميتها في عمليات البناء والتقدم.
وتسهم في تحقيق ذلك العديد من العوامل والمتغيرات التي تعزز تلك الأهمية الوظيفية للمشاركة السياسية، ومن هذه العوامل والمتغيرات:
أولا: عوامل اقتصادية واجتماعية ارتبطت بالثورة الصناعية ونمو المدن واتساع التعليم، مما أدى إليه ذلك من بزوغ قوي وطبقات جديدة من عمال وأصحاب المهن والأعمال المختلفة وفئات الطبقة الوسطى التي لها مطامحها وحواراتها ودورها في الحياة المعاصرة.
ثانياً: عوامل ثقافية فكرية ارتبطت بأدوار نخب المثقفين والمفكرين حول العالم، حيث برز دور جديد للكتاب ورجال الفكر والعلوم والثقافة، كما تأكدت تلك الأهمية مع ثورة الاتصالات والانترنت وتطور الطباعة والصحافة والمعلومات، مما ساعد على انتشار أفكار الإصلاح والديمقراطية وقضايا حقوق الإنسان وكرامته.
ثالثاً: عوامل سياسية ناتجة عن توسيع دائرة التدخل الحكومي في المجالات الاقتصادية والاجتماعية وتقديم المزيد من الخدمات للأفراد والجماعات، وما زامن هذا الاتساع من تضخم دور الحكومات، الأمر الذي أدى إلى تصاعد المناداة بالمزيد من المشاركة السياسية وفق ضمانات سيادة القانون والمساواة أمام القانون.
وترتبط المشاركة بالإطار السياسي والاقتصادي والاجتماعي الملائم، ذلك أن حجم المشاركة، وعمقها يتأثر بالمتغيرات المختلفة لهذا الإطار، وما قد يطرأ عليه من تحسن ونمو، كنسب التعليم ونوعيته، والدخل وتوزيعه والمهن وأيضا الجنس والعمر وغيرها من العوامل.
وتفترض المشاركة الحرية وتوافر الحقوق المدنية والسياسية لجميع المواطنين بصرف النظر عن انتماءاتهم الطبقية أو الثقافية أو العرقية، كما تفترض سيادة القانون واحترام الضوابط والقيم التي تشكل إجماعاً وطنياً، من هنا يرتبط المفهوم أيضاً بمفهوم المواطنة، مما يؤكد تلك الطبيعة المتشابكة لمفهوم المشاركة.
كما أن تواتر المشاركة يمنح أفراد المجتمع وجماعاته ومنظماته خبرات لا غنى عنها في مسيرة العمل الوطني، بعكس المقاطعة، أو أعمال العنف أو التشهير بالآخر أو الحوارات الهابطة، أو أي أعمال تحمل معاني أو أفكار للإثارة أو إحداث الفتن والقلاقل أو التطرف، فهذه الأعمال تشكل تجاوزات، وتحمل تداعيات لا يمكن احتمالها في ظل ظروف نظم أو دول ناشئة، أو مجتمعات تعددية وغيرها من عوامل.
من هنا نجد أن المشاركة تؤدي العديد من الوظائف والأدوار الإيجابية في النظم السياسية المعاصرة، وتحديدا علاقتها بالتنمية وبالمؤسسية وبالتعددية وبالمجتمع المدني، ذلك أن التنمية من شأنها إتاحة المزيد من الفرص للمشاركة، على الخصوص من حيث توسيعها بما يسمح بتعبئة المزيد من الجهود من أجل التنمية والبناء.
كما أن المشاركة في إطار المؤسسات والجمعيات والمنظمات القائمة من شأنها تجديد دمائها وأنشطتها، وإسباغ الطابع المؤسسي على تلك الجمعيات والمنظمات، فلا ترتبط بأفراد أو بمصالح محدودة وإنما ترتبط بأنشطة وبرامج وجهود مستمرة.
والمجتمع الذي تقوم فيه مؤسسات تستند إلى مشاركة واسعة، يحافظ دائماً على حيوية وتعددية مكوناته، بما يكفل تحقيق الاستقرار والرخاء، كما أن المشاركة تكفل قيام مجتمع مدني نشط وفعال، وتتيح للعناصر المختلفة فيه- وخصوصا المرأة والشباب - المزيد من الفرص للإسهام في جهود التنمية وتكلفتها، وأيضا في عوائدها وثمارها.
ويظل دائماً الهدف من المشاركة تحقيق التنمية والاستقرار للإنسان الذي هو أداة المشاركة، فعبر مشاركته البناءة تتحقق أهداف التنمية المستدامة.
معهد البحرين للتنمية السياسية
للتواصل hb.vog.dpib@ofni