الجريدة اليومية الأولى في البحرين


أفق


الرأسماليات الوطنية الديمقراطية

تاريخ النشر : الأحد ١١ مارس ٢٠١٢

عبدالله خليفة



أثبت القرن العشرون فشل الأدلجات لتشكيل أنظمة شمولية تحت أسماء عدة في الشرق خاصة، خاصة الأوهام الناتجة عن الاشتراكية التي اعتمدت على نقص التقنية وضعف الصناعة وتخلف الجماهير، والآن تواجه المنطقة أدلجات تستغل الدين عبر شموليات جديدة تجرب في حياة الناس.
وقد أثبتت تجارب الاشتراكيات والقوميات الحادة ضرورة تعاون الطبقات المنتجة الأساسية ومن مواقع مختلفة، من مواقع العمل والملكية والثقافة، وأما انفراد قوة واحدة وفرض نفسها وتصوراتها بالقوة فتقود مثلما رأينا على مسرح القرن العشرين الدامي، إلى الحشود الهائلة من الضحايا وفقدان الزمن.
ضاعت ثروات هائلة وأرواح لا تحصى لتعود الأمور لبدء انطلاقها، رغم ضخامة المنشآت والتطورات التي تحققت في بعض الدول لكنها هي كذلك مهددة في لحظات التطور الأخيرة لرأسماليات الدول الشمولية حيث تصر على احتكار الجزء الكبير من الثروات.
الآن الثورات العربية على مفترق الطرق، والأهم لسيرها هي أن تعيد النظر في تجارب القرن العشرين ذات البعد الواحد، وإلغاء هيمنة الأدلجات المحتكرة سواء باسم الاشتراكية أو الوطنية أو المذهبية، وأن تكون البرامج المعبرة عن مجمل تطور السكان هي الركائز المعتمدة في العمل السياسي.
النقص في الفهم والخطط الاقتصادية وعدم فهم الناس والتاريخ لا يُعوض بجعجعةٍ ايديولوجية، والحكوماتُ التي تريد أن تحيل الأمور لصراعات جانبية حول الشعائر والأفكار والمذاهب وتقمع الحريات المختلفة ترتكب أخطاء السابقين نفسها بكل ضراوة تواريخهم.
البرامجُ والقوى السياسية القائدة ينضجُ حضورَها ودورَها وأفكارَها البرلماناتُ المنتخبة، والفشلُ في هذا دائماً يوجهُ نحو العقائد والايديولوجيات وتحل تصوراتُها المبهمة وخداعها للجمهور.
صراعُ المصالح بين الطبقاتِ الشعبية العاملة والطبقات المالكة لوسائل الإنتاج والثروات ورؤوس الأموال أمرٌ جوهري لا يمكن الهروب عنه، لكن ضرورات التعاون والاختلاف تفرضُ نفسَها على الجميع، من أجل بُنى اقتصادية متطورة، توزعُ الفوائضَ بأشكالٍ تاريخية متطورة، حسب مدى تطور القوى المنتجة والمشروعات والثورة العلمية التقنية.
إن المواقع الدينية الايديولوجية الشمولية تمثل الآن العقبة الكبيرة لتطور مثل هذه العقلية الديمقراطية الضرورية عند الجميع، وهي إذ تتحدثُ بلسانِ الطائفة أو الدين في المجال السياسي وتحتكرُ الأصوات وتدخلُ البرلمانات ليس على أسس الفهم الصحيح للمشكلات والتعبير عن مطالب الجمهور الاقتصادية المعيشية تسبب مشكلات للتطور، فتحيل تصوراتها لأيديولوجيات حاكمة تقمع الناس والتيارات الأخرى طبقاً لها.
الديمقراطية هي إدارةٌ معقولةٌ سلمية للصراع الاجتماعي، فالديمقراطية هي هيمنةُ قوى معينة على قوى أخرى لكن حسب برامجها الاقتصادية الأكثر فائدة للسكان، وحين تحدثُ أضراراً عليها أن تنسحبَ تاركةً المجالَ لقوى أخرى أكثر قدرة على إحداث التطور الاقتصادي للناس.
والانسحاب يأتي من قبولها بنتائج الانتخابات وإعادة برامجها للصواب وتلبية مطالب القوى التي تدافع عنها.
رأسمالية الدولة تقود إلى تنامي الرساميل الوطنية صوب قوة اجتماعية واحدة، وترفضُ التوزيعَ المؤدي لتطوير مختلف طبقات السكان.
فيما الرأسمالية الوطنية الديمقراطية هي تنمية مشتركة وتنام للدخول لمجمل طبقات السكان، وإعادة لهذا التوزيع كلما تنامت الثروة الوطنية.
رأسماليةُ الدولة تسكتُ عن تضخم الثروة في جانب وتقلصها من جانب آخر، وتكيف المجتمع وترغمه على القبول بهذا التوزيع المضر، وتبرره، وتنمي هذا التوزيع وتحوله إلى صراعات اجتماعية استقطابية بمظاهر شتى مما يؤدي إلى الانفجار وعدم تطور الأدوات التشريعية والرقابية على الوصول لمكامن الداء الاقتصادي السياسي.
الرأسمالية الوطنية الديمقراطية هي تعاونُ مختلفِ القوى السياسية لعدم حدوث هذا الاستقطاب في الثروة والسكان وانتقالهم من التعاون الصراعي إلى الصراع الهدام.
ولهذا فإن أدوات الرقابة والنشر والبحث تساعد على الوصول إلى جذور المشكلات وعرضها وتوصيل الفرقاء إلى حلول وسط وهي أمورٌ تؤدي إلى تطور البنية الوطنية بشكل تاريخي طويل.