الجريدة اليومية الأولى في البحرين


قضايا و آراء


الإسكان الوظيفي .. مفهومه
وأهميته وإمكانات تطبيقه بمملكة البحرين

تاريخ النشر : الأحد ١١ مارس ٢٠١٢



منذ سنوات عديدة والجدل والحوار حول مشكلة الاسكان بمملكة البحرين لم يتوقفا ولن يتوقفا سواء كان ذلك في المجالس العامة او في المنتديات الثقافية والاجتماعية او في الجمعيات السياسية او في مجلس النواب او في الوزارات والمؤسسات الحكومية او غيرها من المنشآت والمنظمات التي تهتم بالشأن العام ، اذ ان المسكن في مقدمة الاحتياجات الأساسية للفرد والأسرة في المجتمع المعاصر، وأحد المعايير التي يتم بها قياس النمو والتنمية المستدامة في الدولة، علاوة على أن مشكلة السكن تتجاوز مفهوم توفير المسكن للمواطن إذ ان لها أبعادا سياسية واجتماعية وثقافية وحضارية.
وفي الحقيقة ليست البحرين وحدها هي التي تشهد هذه الظاهرة - المشكلة، بل العديد من دول العالم المتقدمة والنامية قد شهدت ذلك وعاشت ازمات اسكانية قبل ان تعرف مملكتنا ازمة السكن، وبين يدي خلاصة لكتاب عنوانه «المدينة ومشاكل الإسكان» لمؤلفه تشارلز ابرمز رئيس دائرة التخطيط العمراني في جامعة كولومبيا بولاية نيويورك الامريكية، الصادر سنة 1964، يقول في احد فصول الكتاب «مع التقدم الذي حققته البشرية في القرن العشرين في شتى صنوف العلم والمعرفة، إلا أن ثمة مشكلة عجز الإنسان عن حلها بشكل واضح وصريح، إنها مشكلة توفير السكن، فمع زيادة وتيرة التحضر واتساع الهجرة إلى المدن أصبح توفيرالسكن الملائم لأفراد المجتمع مسألة من الصعوبة بمكان توفيرها، ولا شك أن التقدم العلمي أسهم بشكل فعال في زيادة سكان العالم، الأمر الذي أضحى معه الحصول على السكن أمرا بعيد المنال للكثيرين». اكتفي بهذا الاقتباس وأعود الى واقع الحال بمملكتنا الحبيبة حيث الجميع يدرك وجود مشكلة الاسكان ويرغب في معالجتها والحد منها، الا ان الاعتقاد ان ذلك يمكن ان يتم بطريقة واحدة، وبآلية واحدة وبوصفة واحدة وبفترة زمنية قصيرة وعبر بوابة وزارة الاسكان فقط امر يحيط به الشك لا لقصور في وزارة الاسكان لا سمح الله، ولكن لأن المشكلة مركبة ومتراكمة ومتنامية من ناحية، وان الموارد المتاحة للتعامل معها من بوابة وزارة الاسكان مهما عظمت تبقى محدودة، لذا لابد من ان نطلق عنان الفكر ونبحث في افضل تجارب الآخرين، ونقدم المقترحات المدروسة للإسهام في حل هذه المشكلة باعتبارها قضية وطنية مقدسة، وهنا لابد من ان نشيد بمرئيات الزميل محميد المحميد في عموده المنشور في «أخبار الخليج»، بالعدد 12395 بتاريخ 29 فبراير 2012 تحت عنوان «الاسكان هو الحل.. تجربة مفيدة» حيث دعا هيئة شئون الاعلام إلى تنظيم برنامج لحملة الاسكان من اجل المواطن البحريني وبمشاركة القطاع الخاص والبنوك واصحاب المشاريع الاسكانية للمساهمة فيها لحل ازمة السكن، ونقدم في هذه المقالة مقترحا يصب بذات الاتجاه سبق ان طبق في العديد من دول العالم المتقدمة والنامية وحقق نجاحا باهرا، يمكن ان يدرس بعمق بكل جوانبه الاجتماعية والاقتصادية ويصاغ بالشكل الذي يلائم البيئة الاجتماعية والسياسية والامكانات التمويلية والتنفيذية بمملكتنا الحبيبة وسبق ان دعونا اليه في عدد من المقالات المنشورة بصحيفتنا الغراء وبما يخفف الاعباء عن وزارة الاسكان ويوسع من المسئولية الوطنية لحل مشكلة الاسكان الا وهو موضوع «الاسكان الوظيفي» الذي يعني تكفل الوحدات الوظيفية والانتاجية الكبيرة، العامة والخاصة بتوفير السكن الملائم لموظفيها، إما بمقابل رمزي (ايجار شهري) وإما من دون مقابل، عبر استحداث باب جديد في ميزانيتها السنوية لتمويل متطلبات الاسكان، ووضع التشريعات والنظم التي تحكم وتنظم ذلك.
وقد تعددت تجارب دول العالم في هذا المجال، فمنها من يخصص ارضا لوزارة او منشأة معينة تقوم بتنفيذ مجمع سكني عليها تتوافر به الخدمات والمرافق الضرورية للسكن، عبر احالتها الى شركات مقاولة، وترتيب التمويل اللازم لها عبر عدد من المصادر المتاحة احدها ميزانية الوزارة او المنشأة المعنية، ويتم توزيع وحداتها السكنية وفقا لمبدأ القدم الوظيفي حتى يتم تغطية اغلب «ملاكاتها» الوظيفية، ويسدد الموظف المستفيد ايجارا شهريا رمزيا مدة عشرين سنة، بعدها تنتقل اليه ملكية الوحدة السكنية، وفي حال تركه العمل قبل ذلك يفقد حقه في السكن. فيما يقوم بعض البلدان بتخصيص احياء سكنية لوزارات او قطاعات وظيفية معينة، تتحمل الوزارة المعنية مسئولية توفير خدماتها الاساسية وتوزع الاراضي على موظفيها، وترتب الوزارة عملية التمويل مع بنوك ومؤسسات مالية معينة، للراغبين في الحصول على قرض من موظفيها بضمانها، لبناء الارض وفقا لرغبتهم الشخصية وغيرها من الاساليب التي يمكن دراستها وتحليل امكانية ملاءمتها لمملكة البحرين.
وتبرز اهمية الاسكان الوظيفي من خلال ما يلي :
1- تعزيز الولاء والانتماء الوظيفيين.
فمثلا لعب الاسكان الوظيفي الذي تقدمه الشركات اليابانية لموظفيها كجزء من حزمة خدمات وتسهيلات، دورا مهما في تعزيز الولاء الوظيفي الذي يعني الإخلاص والوفاء المطلق للشركة، والذي يعبر عنه بحسن وجودة الأداء والحرص على مكانة وسمعة وتطور الشركة التي يعملون فيها، الامر الذي قاد الى الاستقرار الوظيفي.
2- نشر ثقافة ومرئيات مشتركة
يؤدي الاسكان الوظيفي الى تعزيز العلاقات الاجتماعية بين الموظفين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والقومية ونشر ثقافة مشتركة فيما بينهم، ولاسيما اذا توافرت في الاحياء السكنية الوظيفية مراكز ثقافية واجتماعية يديرها الساكنون وتوجهها منشآتهم.
3- خفض كُلَف الصيانة والنقل
غالبا ما تكون صيانة الاسكان الوظيفي مؤمنة من قبل الوزارة او المنشأة الوظيفية المعنية، كما انها يمكن ان توفر النقل الجماعي للموظفين الى مقر عملهم، مما يخفض الكلف التي يتحملها الموظفون ويقلل من الازدحام على الطرق، وييسر وصول الموظفين الى اعمالهم بالوقت المحدد.
4- التنافس في تقديم افضل الخدمات للموظفين
يؤدي تعميم الاسكان الوظيفي ونقل المسئولية الاسكانية الى الوزارات والمنشآت الى تنافسها في تقديم افضل الخدمات لموظفيها لأجل زيادة جاذبيتها والحصول على افضل الموارد البشرية المؤهلة للعمل والاستقرار الوظيفي فيها.
5- الحد من المشكلة الاسكانية
يسهم الاسكان الوظيفي في الحد من المشكلة الاسكانية، ويتيح لوزارة الاسكان التركيز في تقديم الخدمات الاسكانية للمواطنين الذين لا يعملون في وزارات او منشآت كبيرة.
وحينما نعكس هذه المزايا على واقع الحال بمملكتنا العزيزة نجد ان البيئة مهيأة لاطلاق مشروع الاسكان الوظيفي ولاسيما انه سيعالج مشكلة وطنية مهمة الا وهي الاسكان المناطقي والطائفي الذي عادة ما يكون موئلا حاضنا للطروحات والسلوكات الطائفية، علاوة على امكانية اسهامه الفعال في حل مشكلة الاسكان فضلا عما ينشئه من حراك تنموي جديد.
* أكاديمي وخبير اقتصادي