هوامش
أليست فلسطين جزءا من الوطن الكبير؟
تاريخ النشر : الاثنين ١٢ مارس ٢٠١٢
عبدالله الأيوبي
يعرف الكيان الصهيوني أنه محصن ضد أي شكل من أشكال المحاسبة السياسية أو القانونية على الجرائم التي يرتكبها ضد الشعب الفلسطيني الأعزل لهذا لا يتردد لحظة واحدة وفي جميع الأوقات والظروف عن تنفيذ الجريمة تلو الأخرى بحق أبناء فلسطين، ولم تكن جريمة قطاع غزة الأخيرة التي راح ضحيتها أكثر من اثني عشر شهيدا وعشرات الجرحى، إلا حلقة من سلسلة الجرائم التي يواصل العدو تنفيذها في جميع المناطق الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة، فالغطاء الأمريكي يؤمن للعدو الحماية المطلوبة في وجه أي محاولة لإيقاع المحاسبة القانونية أو السياسية ضد الكيان إلى جانب العجز العربي عن مواجهة هذه الجرائم أو حتى التحرك الدبلوماسي والسياسي لإيقافها.
غير العارفين بالواقع العربي ربما راودتهم البهجة حين شاهدوا تحرك الجامعة العربية وحماستها «لمساعدة» الشعب الليبي في التخلص من نظام العقيد معمر القذافي وتحركها الحماسي الآن تحت عنوان «مساعدة» الشعب السوري لنيل حقوقه السياسية المشروعة، لكن الجامعة اختفى صوتها تماما حين تعلق الأمر بقضية فلسطين والاعتداءات التي ينفذها العدو بشتى السبل وفي مختلف الأوقات، لكن لا غرابة في ذلك فالجامعة العربية هي صورة لواقع النظام العربي الرسمي الذي أثبت عجزا كبيرا حيال قضية فلسطين على مدى أكثر من ستة عقود.
فموقف الجامعة العربية من الأحداث التي شهدتها ليبيا وتلك التي تجري في سوريا حاليا، لم يكن موقفا مبنيا على مبادئ ثابتة وإنما وراءه دوافع سياسية لها امتدادات خارج النطاق العربي، بل لها ارتباط بمصالح أطراف دولية في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، وليس تجنيا القول ان تحرك الجامعة العربية في ليبيا وسوريا يأتي بإيعاز مباشر أو غير ذلك من هذه القوى، فهذه الدول هي التي تساعد الكيان الصهيوني سياسيا وعسكريا وتوفر له الحماية السياسية في مختلف المحافل الدولية، والجامعة العربية أو الدول التي تسيطر عليها حاليا لا تريد أن تغضب حلفاء الكيان الصهيوني.
من المخجل جدا أن الجامعة العربية ممثلة في أعضائها يشمرون عن سواعدهم في قضايا عربية أثبتت النتائج التي تمخضت عن أحداثها أنها لا تخدم الشعوب العربية بل على العكس فإنها تساهم في تدمير الدول العربية كما حدث في ليبيا مثلا حيث باتت مهددة بالتقسيم، بل بالصوملة، كما يرى بعض الخبراء المهتمين بالشأن الليبي، وهذا المصير ربما تنتظره سوريا أيضا إذا ما آلت الأوضاع إلى الأسوأ مما هي عليه الآن، وهناك دول عربية تصر على إيصالها إلى نقطة اللاعودة.
من حق المواطن العربي أن يسأل قادة الجامعة العربية عن أسباب انتفاء أي حماسة لهم تجاه أوضاع الشعب الفلسطيني، في حين أنهم يجوبون أروقة مختلف المؤسسات الدولية حاملين على أكتافهم مطالب الشعب السوري كما حملوا مطالب الشعب الليبي من قبل، ومدى صلة هذه الحماسة بعلاقاتهم مع أصدقاء الكيان الصهيوني، إذ كيف تسمح الجامعة العربية ممثلة بأعضائها العرب لنفسها أن تذرف الدموع وتطرق أبواب المنظمات الدولية بطلب مساعدة الشعب السوري على التخلص من نظام الرئيس بشار الأسد وتستجدي أصدقاءها تكرار السيناريو الليبي في سوريا، في حين تجلس متفرجة على الجرائم المتكررة التي ينفذها الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني الأعزل؟
هذان الازدواجية والتناقض في مواقف جامعة الدول العربية من قضايا الشعوب العربية يقدمان الدليل القاطع على عدم مبدئية مواقفها من قضية الشعبين الليبي والسوري، وإنما تستخدم المطالب المشروعة للشعبين الليبي والسوري غطاء لتصفية حسابات سياسية وتحقيق أجندات لها أهداف أبعد نطاقا من الحدود القومية العربية، فلو لم تكن هناك مصالح سياسية للدول المؤثرة في الجامعة العربية وارتباطها بمصالح دول إقليمية ودولية، لما حظي الشعبان الشقيقان بأي اهتمام من جانب الجامعة العربية ومساندة تلك الدول التي تؤثر في قراراتها وتوجهاتها.
فالشعب الفلسطيني الذي يعيش ظروفا وواقعا مؤلما أكثر من ستة عقود متواصلة يتعرض خلالها لأبشع أنواع الاضطهاد والعنف شبه اليومي بمباركة وتأييد من قبل الدول التي ترفع لواء «الدفاع» عن المطالب المشروعة للشعب السوري، الشعب الفلسطيني لا يحظى بجزء من الاهتمام الذي توليه الجامعة العربية وأعضاؤها لقضية الشعب السوري، مع أن قضية الشعب الفلسطيني تعتبر الأهم وطالما اعتبرتها الدول العربية، قضية العرب الأولى، لكن يبدو أنها الأولى فقط للاستهلاك السياسي والمتاجرة بها في سوق المزايدات السياسية.