عالم يتغير
«المجلس العلمائي» حين يقود جمعيات سياسية علنا
تاريخ النشر : الاثنين ١٢ مارس ٢٠١٢
فوزية رشيد
{ ليس جديدا ومنذ نشوئه «غير المرخص» ان يمزج رئيس المجلس العلمائي بين شئون الدين وشئون السياسة، بل ان يقود عبر التكليف الشرعي تحت غطاء خطبة الجمعة، ليس فقط شئون الاتباع المطواعين له حتى لو كانوا ساسة تدربوا لدى المنظمات الامريكية، وانما ان يؤثر بقراراته وبتدخلاته وبفتاواه، في الشأن الوطني الذي يجمع في جغرافيته مكونات وأطيافا وطوائف غير تابعة له أو خاضعة لرئيسه، الذي هو «الولي الفقيه» المعين من الولي الفقيه الايراني .
{ كثيرة هي المناسبات والاحداث والوقائع التي كان «للمجلس العلمائي» ورئيسه دخل مباشر أو غير مباشر في صياغتها، سواء عبر خطاب تحريضي يبدأ بالمظلومية «الدينية» لينتهي الى المظلومية «السياسية» في خطبة الجمعة، وليتحدث «الولي الفقيه» الذي هو رئيس المجلس العلمائي، عن الديمقراطية وعن الاصلاح وعن العدالة وعن المساواة وعن الاستبداد والطغيان والديكتاتورية، رغم انه هو نفسه يجمع بين طرفي ملاءته وتحت عمامته، كل الافكار الثيوقراطية والاستبدادية والديكتاتورية، باعتباره «الولي الفقيه» ممثل صاحب الزمان، وباعتبار ان من يخالفه يخالف صاحب الزمان، ومن يخالف صاحب الزمان فهو يخالف الله جل جلاله مباشرة، فهل من استبداد ديني أكثر من هذا؟ هكذا هو يحتكر باستبدادية مطلقة «المعصومية» من ناحية، ووجوب «الطاعة العمياء» من الاتباع أو أصحاب المذهب عموما، الذين يضعهم جميعا، حتى المخالفين منهم له وقسما تحت عباءته وعباءة تمثيله المجحف لهم من دون تفرقة أو تمييز، ليؤثر بعد ذلك من خلال وصاياه وفتاواه الدينية في الشأن السياسي في مجمل الحياة البحرينية، بسبب ما تخلفه تلك الفتاوى والوصايا وشحنات التحريض القائمة على (المظلومية المستدامة) منذ 1400 سنة، من آثار الفرقة والكراهية والبغضاء بين الامة وطائفة يعمل على احتكار تمثيلها، فيحتكر بالمرة تمثيل الشعب البحريني بمختلف مكوناته، مستفيدا من الهالة المسقطة عليه كونه آية الله لأتباعه وكونه رئيس المجلس العلمائي، والولي الفقيه المعين من الخارج.
{ ان المجلس العلمائي الذي يجتمع سنويا أو دوريا في اطار «مجلس أهل البيت العالمي»، بكل من فيه ممن يحتكرون صفة تمثيل الطائفة الشيعية في بلدانهم أينما كانت في الكرة الارضية، هو في النهاية مجلس «تابع» لمخططات واستراتيجية الدولة الشيعية، بحسب الدستور، والوحيدة في العالم كله وهي «ايران»، وهي التي ليس فقط تعمل على هلال أو دائرة شيعية كاملة، تحكمها حسب المرجعية الدينية والسياسية، وانما هي تعمل على وضع المسلمين كافة في العالم تحت قيادتها في اطار الثورة المهدوية العالمية، فيما هي بالمقابل وكأصغر مثال لا تسمح ببناء مسجد واحد لأهل السنة في طهران مثلا، وفيما دستورها ينص على تكوينها الطائفي الأحادي، وليس التعددي رغم وجود قوميات أخرى بين مكونات الشعب الايراني، وفيما هي تضطهد أشد الاضطهاد تلك القوميات وعلى رأسها (الاحواز العربية) وفي اطار طائفي وعنصري وقومي لا يشبهه في العالم، الا تعامل الكيان الصهيوني مع الفلسطينيين والعرب ثم بعد ذلك تُصدع رأس العالم حول الوحدة الاسلامية.
{ اليوم يريد رئيس «المجلس العلمائي» ومنذ تشكله غير المرخص وغير القانوني حتى اللحظة في عهد المشروع الاصلاحي لجلالة الملك، يريد هذا المجلس بتبعيته الخارجية المكشوفة، وبطائفيته القائم عليها، وبديكتاتورية ولي الفقيه الذي يرأسه، وباستغلال المنبر الديني في الشأن السياسي، يريد هذا المجلس ان يشكل المصير البحريني ومستقبل شعبه عبر الفتوى الدينية، ووفق رؤيته الطائفية السياسية، وحيث «الوفاق» ومشتقاتها وتفرعاتها الاخرى الاكثر تطرفا، هي الوجه السياسي التابع للسلطة الدينية الطائفية، رغم الادعاء بعد ذلك بأن عملها هو سياسي بحت، ورغم ما يبدو على السطح من اختلاف الاحزاب مع بعضها بعضا.
{ اليوم الدولة البحرينية أمام استحقاق وطني كبير، بالتنفيذ السريع لمرئيات الحوار الوطني، الذي أوصى بفك الارتباط بين الجمعيات السياسية والقيادة الدينية، ووضع حل للجمعيات الطائفية التي تعبث بشئون الوطن في كل المجالات باسم المعارضة السياسية، فيما هي منقادة وراء «المجلس العلمائي» والولي الفقيه، بل يتم استخدام التحريض الديني والفتوى الدينية لدعم مسارها السياسي، وبما يخالف المصلحة الوطنية وبما يخالف مصالح مكونات الشعب البحريني، حتى لو بدا في الظاهر أن الولي الفقيه يتصرف فرديا ولكنها الفردية المثقلة بالرمزية وبالاستبداد في القرار وفي توجيه الناس.
{ وقبل أن تعمل الدولة على فتح باب حوار جديد، لا نرى له أي مغزى في هذه المرحلة الزمنية تحديدا، فيما العنف والارهاب في الشارع مستمران، وفيما التصعيد السياسي الطائفي مستمر بدوره، وفيما تنفيذ مرئيات الحوار الوطني التوافقي لم ينته بعد، وفيما كل الشعارات التسقيطية والترحيلية مستمرة عبر الحناجر وعلى حيطان الجدران، وبأبواق السيارات، نقول قبل ان تعمل الدولة على فتح ما تتم اشاعته وتأكيده بالحوار الجديد، على الدولة ان تحل أولا اشكالية جمعية (الوفاق)، وأذنابها ومشتقاتها ووجوهها المنشقة والمصرة على التطرف، وحيث الاشكالية واضحة جدا، وخاصة بعد الدعوة الى مسيرة 9 مارس السياسية عبر الفتوى الدينية، وبتصدر رئيس وأعضاء «المجلس العلمائي» للمسيرة، فإن لم يتم حل الاشتباك في «الوفاق الطائفية» بين السياسي والديني - الطائفي في تشكيلتها وتكوينها، فإن الحوار لن يجلب سوى المزيد من التمكين لهذه «الجمعية الاشكالية» في الحياة المؤسساتية البحرينية، لكي تعمل مجددا وبنشاط أكبر على تحقيق حلم «الولي الفقيه» بالولاية وبالاستحواذ على السلطة في البحرين بدعم خارجي مطلق، لأنه وكما قلنا في مقالات تفصيلية سابقة، هذا هو الدور الاساسي الذي من أجله تشكل «حزب الدعوة» أو «الاحرار» أو «الوفاق» وهو الاستيلاء على الحكم بعد إسقاط النظام استيلاء طائفيا، ومهما مورست التقية في انكار ذلك.
{ ان حساسية الشعب البحريني المخلص لوطنه ولقيادته السياسية من فتح باب أي حوار، يحمل صفة التنازل سواء للمجلس العلمائي أو أدواته «الوفاق ومشتقاتها»، هي حساسية في مكانها، لأن حزب الولي الفقيه، حتى وهو في عز فشله ومأزقه انما يتنازل بعض الوقت عن بعض المطالب، لكي يعود ويندفع لاحقا وبقوة اكبر لتحقيق أعلى سقف في تلك المطالب وهو اسقاط النظام والاستيلاء على الحكم. المسألة هي فقدان الثقة ببساطة.
{ وفي مثل اشكالية وتعقيد كهذين، يجب ايجاد الحل الجذري أولا، بما يخص «المجلس العلمائي» الذي زرع الفتنة والتقسيم وروح الكراهية والبغضاء بين الشعب الواحد منذ ان تشكل، والذي قاد ويقود علنا أو سرا الجمعيات السياسية والحسينيات التابعة لنفوذه الديني، لكي تعمل على تحقيق أجندته المرتبطة بأجندة المشروع الصفوي، وبتعاليم التشيع الصفوي، وما لم يتم وضع حد لهذا المجلس ولأتباعه وأدواته من الجمعيات ذات الادعاء السياسي وذات التبعية الدينية حتى النخاع، فإن الخطر على البحرين، وعلى نظامها الشرعي والوطني، وعلى شعبها، وعلى هويتها وأمنها واستقرارها سيبقى خطرا ماحقا ومحيطا، حتى لو دخل هؤلاء في حوار، وحتى لو تنازلوا بعض الوقت عن بعض المطالب، فكل ذلك من أجل اندفاعة أخرى يحلمون بها وسيعملون عليها لصياغة المستقبل الطائفي او النموذج العراقي في البحرين.
ان شعبنا الذي صان هذا الوطن بحفظ من الله، يجب ان يطمئن على مستقبل وطنه ومستقبل أجياله، وما يحدث من تحركات لا يدعو الى الاطمئنان أبدا خاصة في ظل الثقة المفقودة خاصة منذ أحداث فبراير قبل الماضي.