يوميات سياسية
إيران والطريق إلى مرحلة الهذيان
تاريخ النشر : الاثنين ١٢ مارس ٢٠١٢
السيد زهره
ما معنى ان يخطط الحرس الثوري الإيراني لاستهداف تركيا، والقيام بعمليات تخريب وتفجيرات على نحو ما كشفت المخابرات التركية؟
ما معنى التفكير في مثل هذا المخطط لمجرد ان إيران غير راضية عن مواقف وسياسات تركية معينة في المنطقة، وتعتبر انها تشكل تهديدا لمصالحها؟
ما معنى ان يفكر الحرس الثوري في هذا، على الرغم من انه على المستوى الرسمي المعلن ليست هناك حالة عداء معلنة بين البلدين؟. ليس هذا فحسب، بل انه في كل مرة تخرج فيها تصريحات إيرانية معادية لتركيا، يحرص وزير الخارجية الإيراني على تأكيد ان هذه التصريحات لا تعبر عن سياسة إيران الرسمية ولا تخدمها.
هذه القضية تعتبر في حد ذاتها تطورا في منتهى الخطورة، اخذا في الاعتبار ان المخابرات وأجهزة الأمن التركية ما كان لها ان تكشف عن هذا المخطط علنا، ما لم تكن لديها ادلة ومعلومات موثوقة.
وفي تقديرنا ان مجرد تفكير الحرس الثوري الإيراني في مخطط كهذا ضد تركيا يعكس في حد ذاته حالة من الصدمة والعصبية الشديدة ازاء التطورات التي تجري في المنطقة.
هذه الحالة من الممكن ان تتطور لاحقا الى حالة من الهذيان، بكل ما يمكن ان يرتبط بذلك من تصرفات جنونية غير مسئولة وغير محسوبة العواقب.
كيف نفسر هذه الحالة التي وصلت إليها على الأقل بعض الدوائر الحاكمة في إيران؟
في تقديرنا، هناك ثلاثة عوامل كبرى من الممكن ان تفسر هذه الحالة:
العامل الأول : هناك فيما هو واضح اعتقاد عام في إيران ان التطورات التي تشهدها المنطقة هي عموما تسير في اتجاه لا يخدم مصالحها على الإطلاق، بل ويمكن ان تهدد كامل مشروعها في المنطقة القائم كما هو مفهوم على السعي للسيطرة على مقدرات المنطقة.
وهناك احساس عام في إيران بأن هذه التطورات تسير في اتجاه خارج السيطرة الإيرانية، بمعنى ان إيران عاجزة رغم كل ما تفعل عن وقف مسار هذه التطورات غير المواتية، او توجيهها بما بخدم مصالحها ومشروعها.
والعامل الثاني: القلق الشديد الذي ينتاب النظام الإيراني من جراء التطورات الأخيرة على صعيد أزمتها النووية مع أمريكا والغرب.
صحيح انه في التقدير الإيراني، وهو تقدير سليم كما سبق وكتبت، فان احتمال تعرضها لهجوم عسكري سواء من الكيان الإسرائيلي او أمريكا او الاثنين معا، هو احتمال مستبعد على الأقل للأشهر القادمة حتى مطلع العام القادم.
لكن رغم هذا، فان مجرد ان يصبح الحديث عن الخيار العسكري مطروحا الآن علنا وبمثل هذا الالحاح في الدوائر الأمريكية والإسرائيلية، هو بلا شك مصدر قلق كبير للنظام الإيراني.
وبالإضافة الى هذا، فان تأثير العقوبات المفروضة على ايران لم يعد بالأمر الذي يمكن تجاهله ببساطة او الاستخفاف به، وخصوصا اذا اقدمت الدول الغربية فعلا في الأشهر القادمة على تنفيذ قرار فرض الحظر على واردات النفط الإيرانية.
والعامل الثالث: ان صراع القوى الداخلية في إيران لم يعد امرا خافيا. هذا الصراع اصبح علنيا مفتوحا حتى داخل إيران نفسها، ويتجسد ذلك في الهجمات الصريحة العلنية التي يتبادلها معسكر المرشد خامنئي ومعسكر الرئيس نجاد.
وفي ظل هذا الصراع، لا احد يعرف من بالضبط الذي له الكلمة العليا في اتخاذ القرار الإيراني في السياسة الخارجية.
لكن المؤكد ان قوة كبرى في إيران مثل الحرس الثوري لها كلمتها الخاصة المسموعة والمؤثرة في كل الأحوال.
هذه العوامل الثلاثة مجتمعة تقود إلى الاعتقاد بان النظام الإيراني يمر بمرحلة من القلق والخوف الشديد، ويفكر بمنطق ان مشروعه العنصري للهيمنة في المنطقة هو في مفترق طرق.
بعبارة أخرى، إيران تعتبر اليوم انها تخوض اكبر معاركها في محاولة انقاذ ما يمكن انقاذه من مشروعها.
وينبغي الا ننسى ان فشل المشروع الإيراني في البحرين كان نكسة كبرى بالنسبة الى النظام الايراني وضربة قاصمة لمخططاتهم.
ورعب الإيرانيين الأكبر اليوم هوما يجري في سوريا والاحتمالات التي اصبحت مطروحة بسقوط النظام السوري اكبر حليف لهم في المنطقة، والبوابة الكبرى لمد نفوذهم.
وعلى ضوء هذه الاعتبارات مجتمعة، ليس من الصعب توقع ان إيران في الفترة القادمة سوف لن تتردد في اللعب بكل أوراقها، وفي استخدام كل ما تتصورانها مصادر قوة لديها في المنطقة في سبيل محاولة انقاذ مشروعها.
وفي لحظة معينة، واذا استشعرت إيران ان الخناق يضيق عليها وعلى حلفائها واتباعها في المنطقة، فإنها كما قلت يمكن ان تدخل مرحلة من الهذيان، وتقدم على تصرفات طائشة إلى ابعد حد.
الوعي بهذه المسألة مهم جدا بالنسبة الينا في البحرين وكل دول الخليج العربية، فهي ساحات محتملة مفتوحة لمثل هذه التصرفات الإيرانية المتوقعة، وهو الأمر الذي يقتضي التحسب واتخاذ اقصى درجات الحذر.
واذا كان الحرس الثوري الإيراني لم يتردد في التخطيط لإثارة اضطرابات وتنفيذ عمليات تخريبية في دولة مثل تركيا، فلا يمكن استبعاد قيامه باي اعمال شبيهة في دول الخليج العربية..