قضايا و آراء
«الايمو».. ظاهرة خطرة في العراق ومعالجات سلبية
تاريخ النشر : الاثنين ١٢ مارس ٢٠١٢
انشغلت بلاد الرافدين في الأسابيع الماضية بقضية دخيلة على المجتمع ومصطلح لم يكن معروفا حتى وقت قريب لعامة الناس، وربما كان يسمع به البعض من المثقفين والمتابعين لثقافات دول خارجية، ذلك المصطلح هو (الايمو) الذي حمل معه مختلف التفاسير السلبية الى المجتمع العراقي، وهو ظاهرة شاذة ودخيلة بكل تأكيد، ومن يبحث في الآليات التي سمحت بانتشارها بين الشباب فانه يغوص في قضايا وحيثيات معقدة تتعلق بالمحاولات الأجنبية التي ساعدت على تهيئة الأرضية والمناخ الثقافي اللازمين لقبولها من خلال استهداف النسيج الاجتماعي للعراقيين خلال سنوات الغزو والاحتلال الأجنبي للبلاد اللذين حصلا مطلع 2003،والكثير من المؤسسات الإعلامية والتربوية والاجتماعية وغيرها انبرت للظاهرة في محاولات لكشف حقائقها للناس وإبداء المعالجات لها لكنها في وقت متأخر وبإجراءات خاطئة.
بادئ ذي بدء فالمسؤولية تقع على عاتق السلطات الحكومية في رصد الحالة قبل أن تتحول الى ظاهرة، وبدورها تقوم بمسؤولية تحريك المؤسسات الإعلامية لإبداء المعالجة بالطرائق الايجابية،وما حصل ان الموضوع دخل في لحظة الانفجار، وبما ان الظرف العراقي هش وتسوده العشوائية ساعد على تدخل الجماعات المتطرفة على الخط كعادتها ضمن برنامج مصارعة الحكومة على مسك الشارع وراحت تقتل وترهب المتورطين في احتضان هذه الظاهرة (الايمو) من الشباب ضمن ممارساتها التي اعتادتها منذ سنوات ما بعد الاحتلال الأمريكي للبلاد، فالبناء الخاطئ لا يمكن ان يفرز إلا الخطأ، وأسهمت هذه التطورات الاجتماعية في وقوع أخطاء جديدة عندما وصل الأمر الى ممارسة أعمال القتل.
ورغم أن الايمو لا يختلف عليها اثنان بكونها ظاهرة تقليد وممارسة خاطئة تتنافى وقيم وعادات المجتمع، فإن التفاسير الكثيرة التي رافقت انتشارها أفرزت أخطاء جسيمة ارتكبت ضد نسبة كبيرة من الشباب، فالبعض وصفهم بأنهم عبدة الشيطان وصفاتهم أنهم يلجأون الى الصمت وعدم الكلام والابتعاد عن مخالطة الآخرين من عامة الناس سوى من ينتمي إلى أفكارهم، وتتطلب شروط قبول الانتماء إلى هذه الجماعات مص الدماء من معاصم أفراد المجموعة الشيطانية كما يحلو للبعض وصفهم، ناهيك عن ارتداء ملابس سوداء شعارا للحزن واليأس وعليها صور جماجم وتماثيل شيطانية، وتصفيف الشعر المتدلي على الوجه تمييزا لهم عن الآخرين، وإقامة جلسات خاصة ينفردون بها عن عامة الناس تتخللها سماع أصوات موسيقية صاخبة ولهم ممارسات لا أخلاقية وحالات شذوذ، حتى ان بعض التقارير تقول ان كلمات الأغاني الأجنبية تنادي بالموت والنار ومناداة الشيطان بأنه المنقذ لهم، كل هذه المعلومات تداولت بين الناس وتسببت في مزيد من الكراهية والازدراء، لكن الواقع شيء والكلام الخاطئ شيء آخر.
ان مقلدي الايمو في العراق لا يمكن ان تنطبق عليهم هذه التفاصيل التي ذكرت، بل هم شباب يعدون ضحايا العنف والقهر والحرمان الذي أفرزته سنوات الاحتلال والثقافات التي سادت خلالها،والحقيقة أنه لا يمكن أن يصل الأمر بهؤلاء الشباب الذين خالفوا السلوك الاجتماعي فعلا الى ارتكاب هذه المعاصي بدليل ان الكثير من اللقاءات التي أجرتها وسائل الاعلام معهم يجهلون الكثير من التفاصيل الآنفة الذكر التي يرتكبها بالفعل شباب في دول أمريكا اللاتينية التي أول من انتشرت فيها تلك الظاهرة،وكل ما يسجل على ممارسات الشباب العراقيين أنهم أصبحوا مقلدين بالمظهر لا بالجوهر وما أشيع بأنهم من عبدة الشيطان فانه اتهام باطل والدليل القاطع أن الظروف الأمنية في العراق يستحيل في ظلها ان يتمكن الشباب من التوجه الى ساحات بعيدة عن الأحياء السكنية أثناء ساعات الليل المتأخرة ولاسيما أن ثقافة حظر التجوال التي فرضتها قوات الاحتلال منذ 2003 ودرجت عليها القوات العراقية لاتزال تطبق حتى يومنا هذا.
ودفعت تلك التصورات العشوائية الى ارتكاب جرائم قتل زادت على 100 مائة شاب الى جانب هروب أضعاف هذا الرقم الى محافظات ومدن أخرى تخفيا من تهديدات لهم بالقتل، وسجلت العاصمة بغداد أكثر نسبة قتل وتهجير أو هروب لأصحاب الايمو.
ان ظاهرة الايمو أول ما انتشرت في بلدان عربية عدة، ومن ثم انتقلت للعراق وتعد ظاهرة مظهرية فحسب، ولكن كان الأجدر بالمؤسسات الحكومية معالجة الأمر بطرائق تربوية وتوضيح الفكرة للناس بطرائق عقلانية، وتحريك وسائل الاعلام من خلال الحديث لها عن الايمو وتخفيف التهويل الإعلامي، وتستوجب المسؤولية الاجتماعية الالتفات الى واقع المجتمع وفي المقدمة منه الشباب واحتضانهم ورعايتهم قبل فوات الأوان ووقوع المحظور.
ان الوقوف أمام قضية اجتماعية هزت أركان المجتمع العراقي انما يؤكد فشلا حكوميا بكل مؤسساته الاجتماعية والتربوية والثقافية في تحصين المجتمع من الانحرافات والأفكار الدخيلة، وأيضا في ابداء المعالجة، كما أن الاعلام بكل أشكاله وألوانه سجل خللا في دراسة نبض الشارع والتصدي للانحرافات التي تسببها الظروف القهرية بجوانبها الأمنية أو الاقتصادية أو الثقافية، وتبين ان الأجهزة الأمنية العراقية لاتزال تعمل بالآليات القديمة نفسها التي سادت عقودا طويلة من الزمن سواء في العراق أو بلدان عربية وأجنبية أخرى، ربما لم تدرك قوة تأثير وسائل الاعلام العصرية التي باتت اكبر رقيب على كشف الخلل بالجهاز الحكومي أو على صعيد مخالفات المجتمع، بدليل أن وسائل الاعلام كشفت عن عشرات القتلى من جماعات الايمو وهروب الكثير منهم خوفا من ملاحقات بالقتل،وسلط الاعلام الضوء على تهديدات عبر لافتات تهديد ضدهم وبالأسماء في أحياء ومدن عراقية عدة، ومع هذا فان الأجهزة الأمنية أنكرت حدوث حالات القتل التي نفذت بتهشيم رأس الشاب بالحجر و«البلوك» لا بالسلاح.
انها دعوة إلى المعالجة الايجابية.
* كاتب وإعلامي عراقي.