عالم يتغير
التعبير السياسي حين يدخل في متاهات الولي الفقيه
تاريخ النشر : الثلاثاء ١٣ مارس ٢٠١٢
فوزية رشيد
{ هناك فارق حاسم وجدّي بين ان تقود احدى الجمعيات - التي تنسب نفسها الى المعارضة السياسية - شارعها (سياسيا) او ان تقوده عبر الاستناد الى فتوى دينية، بكل ما تحمله الفتوى من أثقال «الواجب الديني»، وبكل ما يتقاطع معها من سلبيات التجييش والتحشيد الدينيين وجدانيا، للتعبير عن مطالب أو رؤى أو أفكار سياسية بحتة، تحتمل التوافق الشعبي او تحتمل عدم التوافق وعدم الاجماع الوطني وهذا هو الحادث، فتبقى بعدها مجرد افكار او رؤى، تطالب بها احدى او بعض الجمعيات المفترض انها سياسية، فيما لدى جمعيات واطياف سياسية اخرى رؤى مخالفة لها، وحيث الخلاف ليس حول تطوير الديمقراطية او الاصلاح، وانما حول توقيت وزمن ونوعية وآلية ما هو مطروح من جهة معينة، لا ترى بقية الجهات صوابيتها في مرحلة وطنية بعينها، تتكالب فيها الظروف الانقلابية الداخلية، والظروف الاقليمية والدولية ذات الاجندات المشبعة بالتصيد في المياه العكرة لتوجيه دفة البلاد في اتجاه من دون غيره، وباختصار فإن الثقة مفقودة فيمن يتصور نفسه وهما انه يمثل الشعب.
{ رغم ذلك، فإن الافكار والرؤى تبقى في اطارها الطبيعي، طالما هي تستند إلى «المحامل السياسية والمنطلقات السياسية»، وحدها، ولكن ما ان تتجه بوصلتها سرا او علنا، نحو «المحمل الديني» بل نحو الفتوى الدينية، التي يصدرها شخص يستند إلى منصبه الديني لدى طائفته، فإن ذلك ليس فقط مجرد سقوط سياسي لتلك الجمعية او غيرها كما قلنا في مقال سابق، وانما هو سقوط أخلاقي شنيع أيضا، حين يتم التحشيد عبر الابتزاز الديني والتكليف الشرعي، خاصة اذا كان مترافقا مع تهديدات بحرق الممتلكات والاذى الشخصي، لكل من لا يفكر في الاستجابة، إذا كان صحيحا ما أشيع حول التهديدات التي تزامنت مع الدعوة الدينية لمسيرة 9 مارس يوم الجمعة الماضي.
{ الشيخ «عيسى قاسم» يدرك جيدا وهو يقف على منبر الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبته المعتادة كل جمعة، انه حين يعطي توجيها كالذي أعطاه، أو يكلف الطائفة التي يعتقد انه يمثلها جميعا، تكليفا دينيا واضحا، يدمج فيه العناوين السياسية بالمنطلقات الدينية، يدرك انه لا يقول ما يقول باعتباره مجرد خطيب جمعة كغيره والسلام، هو يعرف الخلفية الدينية والألقاب التي يحوزها من حوزة خارجية، وهو يتحدث في السياسة، فإن من يتحدث حينها هو «الولي الفقيه» وهو «رئيس المجلس العلمائي» وهو آية الله العظمى حسب مدرجات الالقاب الحوزوية، وبالتالي فهو يزن كلماته وتوجيهاته وفتواه في ميزان تلك الخلفية، التي يرتبط بها الاتباع وربما أناس من الطائفة، رغم انهم ليسوا بأتباع مباشرين، ولكن هكذا درجت الحالة الطائفية في الانقياد خلف المرجعية المحلية المرتبطة بدورها بمرجعيات خارجية، ولذلك لم يكن مستغربا دعم تلك المسيرة سواء من «خامنئي» أو من مراجع علمائية عراقية، أو قادة أحزاب طائفية مثل «مقتدى الصدر»، أو من الوجوه الطائفية الاخرى في بعض دول الخليج العربي، الذين أرفقوا الدعم للفتوى «العيسوية» بالتهديد المباشر.
{ هنا نكون قد دخلنا في صلب التوجيه الطائفي محليا واقليميا لمسيرة يقال انها وطنية، سياسية، مطلبية. فأين تلك العناوين من الفتوى الدينية ومن تصدر علمائيين على رأسهم، رئيس المجلس العلمائي ومن التهديد الطائفي الخارجي؟ أين الوطنية الجامعة التي تعني التوافق الوطني الشعبي على المطالب من استبدادية الفتوى، التي تريد عبر استغلال الدين فرض وجهة نظر مطلبية غير متوافق عليها شعبيا؟ أين ما قيل في خطاب الجمعة حول (طأفنة نظام الحكم) الذي يعرف الشيخ «عيسى قاسم» أكثر من غيره، انه نظام حكم غير طائفي، وان الذي يوجه الشيخ نفسه وعي طائفته اليه هو في صلبه وأساسه مطلب طائفي يفضح خفايا الصدور ما بين كلام السطور؟
{ والسؤال هل اذا عجزت (الوفاق) ومشتقاتها واتباعها من جمعيات البصم عن قيادة الاعضاء سياسيا، فالحل الجاهز لتلك القيادة ان تستعين بالولي الفقيه، لكي يوجه الناس في خطبته الدينية، أو المفترض انها دينية، نحو لبس الاكفان لمسيرة سياسية، أو المفترض انها سياسية، في تشبيك غرائبي او ربما ميلودرامي بين فجاجة فرض الرأي السياسي على شعب بأكمله، وبين فجاجة الاستغلال او الابتزاز الديني الطائفي لدعم الاستبداد السياسي الذي صدع أصحابه رؤوس الناس في البحرين بأنه مجرد دعوة الى الاصلاح والديمقراطية وتعبير عن مطالب الشعب بأكمله؟ عن أي شعب يتحدث هؤلاء، وتجمع الفاتح أعلن رأيه مرارا، وأعلن افتراق طريقه عن طريق (الانقلابيين) الذين لم يجدوا اليوم قشة يفرضون بها رأيهم، وفي حديث اخر اجندتهم، غير العلمائيين والفتوى، رغم سأم الناس من التحريض والتقسيم وفتنة المعسكرين ما بين اتباع يزيد واتباع الحسين، وبعد ان سئموا أكثر من «مظلومية مفتعلة» كانت في أصلها حدثا تاريخيا، فتمت عصرنته سياسيا، ليتم ابتزاز الناس به مجددا عبر الولي الفقيه وأعضاء مجلسه؟
{ هل من افلاس سياسي اكثر من هذا؟ وهل من افلاس ديني وخرق أخلاقي وقيمي (من القيم) أفدح من هذا؟ والى متى ستبقى البحرين وسيبقى شعب البحرين رهينة الرؤى السياسية أو الدينية، التي دب فيها الفساد الفكري، وامراض موروثات التاريخ الفاسدة، التي لا شغل لها الا التأليب والتحريض وبث الكراهية والفرقة، باسم المطلبية السياسية أو الاصلاح أو باسم ملفات مكانها المجلس الوطني أو الحوار السياسي، اللذان تم رفضهما معا، لكي يتم النزول الى الشارع واشاعة الفوضى والعنف والتخريب والارهاب، ثم ليتحدث المتحدثون السياسيون الدينيون عن عدم نجاعة «الحل الامني» رغم ان الحل السياسي كان مطروحا بل معمولا به رغم مقاطعة اصحاب (المظلومية المستدامة) له؟ بم تتم معالجة الخروقات الامنية اذاً؟
{ متى سيدرك هؤلاء المدعون بالمطلبية السياسية ان أوراقهم قد فشلت، وان حراكهم قد أفلس، وان الفتوى الدينية أو حصان طروادة في اختراق الشأن السياسي والوطني في البحرين لن يسنده الواقع، لأن الواقع يقول ان البحرين لن تتحول الى عراق آخر مهما فعلوا، وان سمتها التعددية والديمقراطية الصحيحة وليست (ديمقراطية الطوائف) التي تتم اشاعتها هذه المرة عبر الفتاوى والادعاء بالاصلاح.
لقد فشلت كل أوراقكم، وسقطت كل أقنعتكم، وانكشفت كل نياتكم، فما الحاجة الى المزيد؟ ولماذا اجترار خطابات سياسية أو دينية تلفظها غالبية هذا الشعب؟ حتى لو روجتم كذبا ان كل الشعب البحريني كان حاضرا في مسيرة الجمعة الماضية أو أن العدد كان 578 ألفا! ويا للوهم! ولن نقول غير ذلك، وانما رحلة ممتعة في قطار الوهم الذي لا تريدون النزول منه.