الجريدة اليومية الأولى في البحرين


يوميات سياسية


جنود إمبراطورية الشر

تاريخ النشر : الثلاثاء ١٣ مارس ٢٠١٢

السيد زهره



جندي امريكي خرج من قاعدته العسكرية، واقتحم منازل افغان ابرياء، وتنقل من منزل الى منزل، وفي كل منزل قتل من فيه بدم بارد. والمحصلة 16 قتيلا بينهم نساء واطفال. ثم عاد الى مكتبه في هدوء.
ما كل هذه الوحشية؟.. من اين تأتي؟.. اي نوع من «البشر» هذا الجندي الامريكي؟.. أي نوع من الافكار والمعتقدات تربى عليها، ودفعته إلى ارتكاب هذه المجزرة البشعة التي تعجز أي كلمات عن وصفها؟.. اي شيء في العالم يمكن ان يفسر ارتكابه للمجزرة بكل هذا الهدوء والرضا عن النفس، والعودة الى مكتبه كأنه لم يفعل أي شيء خطأ من الاساس؟
قبل أي محاولة للإجابة عن مثل هذه التساؤلات، نعرف مسبقا ما سوف يحدث الآن.
كالعادة، سوف يخرج كبار المسئولين الأمريكيين، العسكريين والمدنيين، ليرددوا اسطوانة حفظناها عن ظهر قلب من كثرة تكرارها في السنوات الماضية عشرات المرات. سيقولون - بعد التعبير عن الحزن والاسى واحساسهم بالصدمة - ان هذه الجريمة ما هي الا مجرد حادث فردي معزول، وليست ابدا سلوكا عاما في الجيش الامريكي. وسيقولون ان هذه الجريمة لا تعبر ابدا عن القيم الامريكية ولا التقاليد التي تربى عليها الجيش الامريكي.
وكالعادة.. هم يكذبون.
هذه ليست ابدا مجرد جريمة فردية معزولة.
والدليل على ذلك في غاية البساطة. نستطيع بمنتهى السهولة ان نرصد عشرات من مثل هذه الجرائم الوحشية ارتكبها الجيش الامريكي في السنوات القليلة الماضية.
خذ مثلا افغانستان وحدها.
في الاسابيع الثلاثة او الاربعة الماضية، ماذا حدث؟.. تم الكشف عن جريمة بشعة احتفظ فيها جنود امريكيون باعضاء من جثث قتلى افغان هم الذين قتلوهم بالطبع، وذلك على سبيل الذكرى والتسلية والتفاخر. وخرجت الى العلن وبشكل موثق جريمة قيام جنود امريكيين بالتبول، وهم مبتسمون، على جثث جنود افغان بعد ان قتلوهم. بعد ذلك، ارتكب الضباط الامريكيون جريمة حرق المصاحف الشريفة. ثم جاءت هذه المجزرة الاخيرة.
هذا ما تكشف خلال اسابيع قليلة . وبالطبع، لنا ان نتوقع ان هناك الكثير من مثل هذه الجرائم الوحشية الشبيهة لم يتم الكشف عنها.
وفي العراق، ما تكشف بالفعل من مثل هذه الجرائم والمجازر الوحشية تعد بالعشرات، بالمعنى الحرفي. وهي باتت معروفة على نطاق واسع ولا حاجة إلى التذكير بها . جرائم تعذيب وحشية في «ابوغريب» وغيره .. جرائم اغتصاب وقتل لأسر بأسرها للتغطية على الجريمة.. جرائم تمثيل بالجثث.. جرائم ذبح جماعي لأسر عراقية داخل بيوتهم بدم بارد.. الخ.
وايضا في العراق، كما في افغانستان، فإن ما لم يتكشف بعد من هذه الجرائم الوحشية هو بالتأكيد اضعاف اضعاف ما بات معروفا.
وماذا يعني هذا؟
يعني اننا ازاء نمط متكرر من مثل هذ الجرائم الوحشية يرتكبها بانتظام ضباط وجنود الجيش الامريكي، ولسنا ازاء مجرد جرائم معزولة استثنائية لا تحدث الا نادرا.
هذا امر.
الأمر الآخر، في كثير، بل في اغلب هذه الجرائم، نحن ازاء ليس جرائم فردية، بل جرائم يشترك في ارتكابها وبشكل جماعي الجنود والضباط الامريكيون. في اغلب هذه الجرائم نحن ازاء مجموعات من الجنود ينتمون الى وحدة عسكرية واحدة يرتبكون الجريمة معا، ويحتفلون بالجريمة معا.
ومعنى هذا اننا لا نتحدث هنا عن مجرد جرائم وحشية فردية كما يردد المسئولون الامريكيون في كل مرة.
مرة اخرى، ماذا يعني هذا؟.. ماذ يعني ان هذه الجرائم هي نمط متكرر، وهي ليست جرائم فردية؟
يعني هذا ان الضباط والجنود الأمريكيين الذين يرتكبون هذه الجرائم هم ضباط وجنود عاديون جدا، ليسوا مجانين، وليسوا استثناءً نادرا، يرتكبون هذه الجرائم وهم في كامل وعيهم ولياقتهم النفسية والعقلية.
معناه ان مثل هذه الجرائم بكل ما يرتبط بها من وحشية وهمجية تعبر في حقيقة الأمر عن جوهر وحقيقة عقيدة وقيم واخلاقيات العسكرية الأمريكية.
كاتب امريكي، كتب تحليلا عن هذه الجريمة الاخيرة في افغانستان، ووضع له عنوان «اطفال امبراطورية الشر».
والمعنى الذي يحمله العنوان، ويعبر عنه الكاتب واضح.. الذين يرتكبون هذه الجرائم هم اطفال شرعيون لامبراطورية الشر الأمريكية بكل همجيتها، وما يفعلونه ما هو الا الترجمة العملية لما يتربون عليه من عقيدة ومن قيم.
لكن يبقى السؤال بحاجة الى اجابة.. من يأتي كل هذا الإجرام وكل هذه الوحشية؟
للحديث بقية بإذن الله.