الجريدة اليومية الأولى في البحرين



عذراً د. فخرو

تاريخ النشر : الثلاثاء ١٣ مارس ٢٠١٢

محمد مبارك جمعة



أتابع فيما أقرأ ما يكتبه د. علي فخرو، وأحترم للأمانة فكره وتفكيره، رغم اختلافي واتفاقي في طرحه أحياناً، فإن ذلك لا ينفي كونه أحد أصحاب الفكر والتنور. ولعل د. فخرو قد جانبه الصواب، في ظني كثيراً وليس قليلا هذه المرة، حينما تناول في مقالته «محنة سورية: التاريخ والجغرافيا والسياسة» عدة نقاط مفصلية في الحديث عن الوضع الراهن في سوريا.
ليس هناك أدنى مجال في الاختلاف على ما اكتسبته سوريا على مر التاريخ من أهميتين جغرافية وسياسية، وليس هناك أدنى شك فيما تمثله سوريا بموقعها في الشرق الأوسط من أهمية لروسيا على وجه التحديد، باعتبارها المعقل الاستراتيجي الوحيد المطل على المياه الدافئة لهم، رغم أن الروس يقولون إنهم لا تربطهم بالنظام السوري أي علاقة استراتيجية وأنه ليس حليفاً من الأصل وإنما هم يدافعون عن «القانون الدولي» خوفاً من أن يستغل الوضع في سوريا للتدخل في شئون المزيد من الدول إن هي عاشت نفس الأوضاع التي تمر بها سوريا.
لكن جاء طرح د. علي فخرو فيما وصفه بـ «ممارسة النفعية والمصالح الذاتية البحتة» لدول مجلس التعاون، التي رغم أنها «غير ديمقراطية» أو «شبه ديمقراطية»، على حد تعبيره، تدعم «باستماتة وحماس منقطعي النظير حراكاً شعبياً وثورياً يسعى لإقامة حكم ديمقراطي». وهنا ينبغي أن نقف مع د. فخرو قليلاً، ونعيد التركيز في هذه العبارة التي ينطوي تحتها الكثير من الشك في أخلاقية موقف دول مجلس التعاون الخليجي، بحسب ما أرى. إن الدول الخليجية، منذ بداية الحراك الثوري السوري، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، لم يكن نهجها «الدعم المستميت» للحراك الشعبي في سوريا. يتجلى هذا بوضوح في مرور عدة أشهر من بداية الحراك الثوري من دون أن تتدخل دول مجلس التعاون، على الأقل في العلن الذي يجعلنا نفهم استماتتها، بل مارست أقصى درجات الدبلوماسية في إيصال الرسائل للقيادة السورية، بضرورة الامتناع عن ممارسة أسلوب القتل بهذه الطريقة التي حولت الحراك الثوري إلى محنة ومعاناة منصبتين على السوريين أينما ثقفوا. إن المتابع الدقيق لتسلسل الأحداث في سوريا يدرك أن دول مجلس التعاون الخليجي لم تتدخل، ولم ترفع صوتها عالياً، إلا بعد أن استهلكت كل الوسائل الممكنة في تهدئة الوضع، والحث على إجراء إصلاحات تلبي شيئاً من رغبات الحراك الثوري تفادياً لانفجار الموقف. لم تكن دول الخليج العربي تتحدث عن إسقاط النظام السوري منذ البداية، بل كانت دول الخليج على الدوام من أكثر الداعمين له سياسياً ومالياً، وليس خفياً أن العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز، قد هاتف الرئيس السوري ثلاث مرات يطلب منه عدم الاستمرار في نهج القتل لأن من شأن ذلك أن يذهب بسوريا والمنطقة كلها إلى «المنزلقات» التي يخشاها د. فخرو ونخشاها نحن معه. فقط كان هذا هو المطلب الملح. بيد أن النظام السوري، ألقى بكل تلك النصائح في البحر، وأطلق في المقابل هجمة إعلامية على دول الخليج، وزاد من وحشية هجومه على مواطنيه قتلاً، وهدد من خلال منظريه الإعلاميين بإشعال الوضع في البحرين والمنطقة الشرقية.
د. فخرو تحدث عن «المقاومة العربية للوجود الصهيوني»، هي بالتأكيد سوريا المقاومة وليس النظام السوري. النظام السوري لم يقاوم الكيان الصهيوني بل باع الجولان وحمى حدود إسرائيل وشق صف الفصائل الفلسطينية ودمر لبنان، وحينما أطلق النار في الجولان فإنه فعل ذلك ليقتل كل من سولت له نفسه التوجه إليها لمقاومة الاحتلال. نعم، سوريا هي المقاومة لكن ليس نظامها. السوريون هم من فتحوا منازلهم للبنانيين والفلسطينيين الفارين من جحيم الاحتلال، في حين أن «محور المقاومة» هو من قتل السوريين ودك منازلهم بالمدافع حينما هم انتفضوا في حراك شعبي هو أقرب اليوم إلى الملحمة التاريخية.
إن ما وصفه د. علي فخرو بـ «الصراع السني الشيعي المفجع الذي تستعمله بانتهازية كل دول الشرق الأوسط»، أسقط من حساباته أن من استخدم ورقة المذهبية في المنطقة العربية هو الغزو الفارسي لسوريا العروبة بمساعدة من نظامها «الجمهوري الوراثي»، وإني لأعجب كيف يجد د. فخرو نفسه، وهو الديمقراطي المحب لمن «صنعوا التاريخ»، في موقع يدافع، وإن بنعومة، عن نظام قلب الجمهورية إلى وراثية، وسلب مواطنيه بالقتل والتنكيل حقوقهم. وإني أيضاً لأعجب كيف أسقط د. فخرو من حساباته أن سوريا «المقاومة للوجود الصهيوني»، يرتبط نظامها بهذا الوجود الصهيوني عبر علاقات جعلته حليفاً لا مثيل له لهذا الوجود، تحت غطاء «المقاومة والممانعة» بالطبع، الذي جعل إيران بحرسها الثوري وحزب الله ومليشيات المهدي ومعهم النظام السوري، يمارسون القتل والدمار في شعب سوريا العربي القومي ليل نهار، لصالح بقاء هذا النظام الذي تتراعد إسرائيل خوفاً مما قد يحدث بعد سقوطه.
وكنت سأتخذ العذر للدكتور فخرو لو كان قد عرج ولو قليلاً على ما يحدث للشعب العربي القومي السوري من إبادة على يد «المقاومة»، ولو فسر لنا كيف تبقى «القومية العربية المبهرة» في سوريا وقد أصبحت مخالب المشروع القومي الفارسي المذهبي غائرة في جسدها العربي؟