لعبة العميل المزدوج
تاريخ النشر : الثلاثاء ١٣ مارس ٢٠١٢
صلاح عبيد
في أفلام الجاسوسية ــ وأشهرها سلسلة أفلام جيمس بوند ــ تظهر شخصية (العميل المزدوج) الذي يعمل لحساب جهتين في وقت واحد بينهما تنافس استخباراتي وعسكري وصناعي وسياسي، وهما عادة دول الغرب المتقدم وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا من جهة، ومن جهة أخرى الاتحاد السوفيتي سابقا ودول المعسكر الشرقي التي لم يبق منها اليوم سوى الصين وكوريا الجنوبية وكوبا بعد أن تحولت سائر الدول الشيوعية الأخرى إلى النظام الرأسمالي طوعا أو قسرا. العميل المزدوج يقوم في تلك الأفلام بالتجسس على الخصمين في وقت واحد وتمرير المعلومات إلى كل منهما لقبض الثمن مرتين، فيحقق مصالحه الشخصية على حسابهما وحساب شعوبهما وحساب العالم بأسره الذي يصبح مهددا بحروب عالمية مدمرة.
دور العميل المزدوج ليس من اختراع مخرجي السينما ومؤلفيها، بل هو شخصية حقيقية توجد بكثرة على أرض الواقع، وهو لم يعد مجرد فرد يؤدي دوره التجسسي المزدوج بكل حرفية ومهارة بل صارت دول وحكومات تقوم بهذا الدور مستغلة كل ما تملكه أجهزتها العسكرية والاستخباراتية من تقدم تكنولوجي وعلمي، وأصدق مثال على هذا ما تقوم به الولايات المتحدة وبريطانيا من دور أقل ما يمكن وصفه به أنه (قذر) بدعمها حكومات الدول العربية من جهة، ودعمها من جهة أخرى من يسمون أنفسهم المعارضة في الدول العربية، وبالطبع فإن الهدف هو ضرب الشعوب والحكومات العربية بعضها ببعض لتسقط كلها بكامل ثرواتها وإمكاناتها المادية والبشرية لقمة سائغة في أيدي المستعمرين الجدد. العميل الأمريكي البريطاني المزدوج يعمل بكل جهد على إمداد الحكومات العربية بالسلاح والتدريب العسكري والمشورة الفنية والتقنية لبسط الأمن في ربوع بلادها ومنع وقمع أي تظاهرة أو احتجاج، وفي الوقت ذاته يقوم بدعم وتدريب جماعات ذات أفكار وتوجهات تتعارض مع منهج الحكومات العربية القائمة ويقدم لها المشورة والمعلومات والتكتيكات اللازمة لتقويض الأمن في بلادها والتصادم الدموي مع حكوماتها بهدف إسقاطها والاستيلاء على كرسي الحكم، فيقبض العميل الثمن مرتين: مرة من الحكومات العربية مقابل ما يقدمه لها من خدمات وتجهيزات وعتاد، ومرة من (المعارضين) حين ينجحون في إسقاط حكوماتهم والاستيلاء على كرسي الحكم فيجدون أنفسهم مضطرين لتقديم الثمن متمثلا في الثروات المادية والبشرية لبلادهم والتبعية الكاملة للمستعمر إلى الأبد، ما يعني القضاء التام على كل أمل في النهوض لأمتنا كلها.
قد يبدو للكثير من أبناء أمتنا أن الوقت قد حان لتغيير الواقع السياسي أو الاقتصادي أو الديمغرافي في دولنا العربية للتخلص من إرث استعماري قديم أو من حكومات لم تعد تفي باحتياجات الشعوب في القرن الميلادي الحادي والعشرين، لكن المتأمل للنتيجة المترتبة على إسقاط تلك الحكومات ووصول المعارضين المدعومين من قوى الاستعمار الجديد إلى سدة الحكم يرى بوضوح قتامة المستقبل الذي ينتظر أمتنا والمذابح والفوضى والهرج والمرج الذي سينجم عن ذلك، إذ أن (العميل المزدوج) سيواصل بعد إسقاط الحكومات لعبة دعم وتدريب الخصوم على اختلاف توجهاتهم الفكرية وعقائدهم الدينية واختلافاتهم العرقية، ما يعني تحويل دولنا العربية إلى خراب ينعق فيه البوم ولا يصلح للحياة بأي شكل من الأشكال.
الأمن هو أعظم نعمة في هذه الدنيا، فلا قيمة للحصول على كل متع الدنيا وثرواتها وبهرجها والإنسان لا يأمن على نفسه ولا على أهله ولا على ممتلكاته، وهي النعمة التي يسعى (العملاء المزدوجون) بكل ما أوتوا من قوة لسلبنا إياها، ولا سبيل لمنعهم من ذلك إلا بتوحيد صفوفنا خلف أنظمتنا الشرعية الحاكمة ودعمها بكل إخلاص والعمل معها على الإصلاح والتطوير وسد النواقص وإصلاح العيوب، وعدم انسياقنا وراء إغراءات من لا يريدون لنا سوى الخراب والفناء.
salah_fouad@hotmail.com