الجريدة اليومية الأولى في البحرين


مسافات


قراءة في سيكولوجية القوة العظمى.. أمريكا!

تاريخ النشر : الثلاثاء ١٣ مارس ٢٠١٢

عبدالمنعم ابراهيم



بعد سقوط (الاتحاد السوفيتي) وانتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين (الشيوعي والرأسمالي) أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية هي «السوبر باور» الأول والوحيد الذي يحكم العالم ابتداء من مطلع تسعينيات القرن الماضي (العشرين).. وفي منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي كانت ولاتزال أمريكا هي المهيمن على المقدرات والثروات والقرارات السياسية في هذه المنطقة.
منذ يومين طرح على أحدهم سؤال مهم: إذا كانت أمريكا هي التي تسيطر على ثروات الدول العربية والخليجية، وتمتلك علاقات جيدة دبلوماسياً مع حكومات المنطقة، وتتحرك ترسانتها العسكرية في مياه الخليج والبحار العربية بكل حرية، ولديها قواعد عسكرية في العديد من دول المنطقة، وتسيطر شركاتها وبنوكها على معظم اقتصادات الدول العربية والخليجية، ولا توجد لدى أمريكا مشاكل أمنية حقيقية مع معظم الشعوب العربية.. أي أن أمريكا لا ينافسها أحد في المنطقة.. وإذا كانت تملك كل هذه السيطرة العسكرية والاقتصادية والسياسية فلماذا تتحرك لإثارة الفتن والقلاقل والاضطرابات السياسية وترسل (جواسيسها) للتآمر على المنطقة العربية ابتداء من (ميدان التحرير) في مصر حتى منطقة (المقشع) في البحرين؟!
هذا السؤال حقاً محير للعقل.. فأنت تتوقع هذه التصرفات من دولة تحتاج السيطرة والنفوذ في المنطقة.. لكن أمريكا مازالت هي التي تسيطر على مقدرات وثروات المنطقة العربية! وهي لا تحتاج إلى المزيد من النفوذ الذي يمكن أن تحتاج إليه الصين أو روسيا مثلاً في المنطقة!
للإجابة عن هذا السؤال نحتاج الغوص في (سيكولوجية) الدولة العظمى.. التي يمكن تبرير سلوك أمريكا (العدواني) من زاوية ما يُسمى (غطرسة القوة) التي تلازم مسيرة (الإمبراطوريات) الكبيرة التي لا تكتفي بما لديها، بل تريد بين حين وآخر استعراض هذه القوة على الآخرين، حتى ولو كانت حكومات موالية أو حليفة لأمريكا في الوطن العربي.
السبب الثاني هو ان الإمبراطورية الأمريكية مثلها مثل الإمبراطوريات الأخرى في تاريخ البشرية، تتحول مع الزمن إلى (نظام شمولي) لا يقبل للآخرين بالتفرد والاختلاف، وتريد أن تجعل الجميع نسخا (فوتو كوبي) من نظامها السياسي الذي تسميه حالياً بالنظام (الديمقراطي)! ولكنه في الحقيقة نظام أصبح (فاشيا) يبطش بالشعوب الأخرى والحكومات الأخرى التي تنتهج (ديمقراطية) خاصة بها وبثقافتها الشعبية المحلية.
لكن الأمر الذي على أمريكا أن تدركه ان غطرسة القوة تجاه الآخرين تكون بمثابة بذرة زوال الإمبراطوريات! وإذا كان زوالها في الماضي يتم عبر الحروب الخارجية، فإن زوالها حالياً يأتي من (الداخل) مثلما حدث في الاتحاد السوفيتي!.. وإلى ذلك الحين ستظل أمريكا تعاقب أصدقاءها قبل أعدائها!